"داعش".. من الذئاب المنفردة إلى الخلايا الخيطية بتمويل إقليمي

"داعش".. من الذئاب المنفردة إلى الخلايا الخيطية بتمويل إقليمي

بقلم ضرار هفتي *

شهدت السنوات الأخيرة تحولا جذريا في استراتيجيات التنظيمات الإرهابية، حيث انتقل تنظيم "داعش" من الاعتماد على هجمات "الذئاب المنفردة" إلى بناء شبكات هرمية، مدعومة بالأسلحة ومواد تُستعمل في العبوات الناسفة، وبتمويل وتدريب من جهات خارجية.  

يعد تفكيك خلية "أسود الخلافة في المغرب الأقصى" نموذجا صارخا لهذا التحول، حيث كشفت التحقيقات عن بنية تنظيمية معقدة تربط عناصر الخلية بقيادة داعش في الساحل الإفريقي، عبر القيادي الليبي عبد الرحمن الصحراوي، معتمدين على أسلحة متطورة محولة المصدر عبر شبكات إجرامية دولية. لم تكن هذه الخلية مجرد مجموعة عشوائية، بل تحولت، بفضل الدعم اللوجستي الخارجي، إلى كيان قادر على تنسيق هجمات متزامنة في تسع مدن مغربية، مستغلة ثغرات الرقابة الإلكترونية ومنصات التواصل المشفرة.  

في هذا السياق، تبرز الجهود الاستباقية للأجهزة الأمنية المغربية، وخاصة مديرية مراقبة التراب الوطني ومكتب الأبحاث القضائي، في مواجهة هذه التهديدات المتطورة. تحت القيادة الحكيمة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، والإدارة الفعالة للسيد عبد اللطيف الحموشي، مدير المديرية العامة للأمن الوطني ومديرية مراقبة التراب الوطني، تم تنفيذ عمليات دقيقة ومتزامنة أدت إلى تفكيك العديد من الخلايا الإرهابية، مما يعكس كفاءة عالية في التعامل مع التحديات الأمنية المعقدة.  

هذه الإنجازات لم تكن لتتحقق لولا الاستراتيجية المتكاملة التي تعتمد على الرصد الاستخباري الدقيق والتعاون الدولي الفعال، والتي يشرف عليها السيد ياسين المنصوري، الذي يلعب دورا محوريا في تعزيز الأمن الخارجي وحماية المصالح الاستراتيجية للمغرب على المستوى الدولي.  

في خضم هذه المعركة الأمنية والمعرفية، يبرز خطر التشكيك الممنهج في مصداقية تفكيك الخلايا الإرهابية كأداة تخدم أجندات خفية. فالتشكيك المستمر في نجاحات الأجهزة الأمنية دون أدلة ملموسة، أو عبر ترويج روايات مضللة، ليس مجرد خطاب إعلامي سلبي، بل يشكل استراتيجية دعائية غير مباشرة لصالح التنظيمات الإرهابية، ذلك أن تقويض ثقة الرأي العام في مؤسسات الدولة الأمنية يضعف التلاحم المجتمعي، ويربك الجهود الاستباقية، بل ويخلق بيئة خصبة لاستقطاب المتطرفين.  

هذه الممارسات، إذا ما تم تمويلها أو توجيهها من جهات خارجية بهدف زعزعة الاستقرار الداخلي، تدخل في نطاق جرائم "التخابر" و"الاختراق السيبراني"، التي تجرمها القوانين الوطنية والدولية، مثل المادة 206 من القانون الجنائي المغربي، التي تعاقب على الأعمال التي تمس بأمن الدولة الداخلي أو الخارجي.  

من هنا، تكتسي الدعاوى القضائية ضد حملات التشويه أهمية بالغة، لا كآلية دفاع عن سمعة المؤسسات فحسب، بل كجزء من الحرب الشاملة على الإرهاب. فالقانون الدولي، عبر اتفاقيات مثل "اتفاقية مكافحة تمويل الإرهاب" الصادرة عن الأمم المتحدة (1999)، يلزم الدول بمحاربة كل أشكال الدعم المادي أو المعنوي للإرهاب، بما في ذلك الخطاب الإعلامي المعادل.  

وفي هذا الصدد، تظهر التجربة المغربية، عبر مقاضاة من يتلاعبون بمعلومات العمليات الأمنية أو يشككون في أدلة تفكيك الخلايا، التزاما متقدما بتحويل المعركة القانونية إلى جبهة موازية للعمل الميداني.  

يرتبط هذا التهديد بسياق جيوسياسي أوسع، يتمثل في استهداف المغرب كـ"نموذج استقرار" يزعج أنظمة إقليمية تسعى إلى تصدير الفوضى. فالمغرب، بوصفه حليفا استراتيجيا للغرب في مكافحة الإرهاب ووجهة للاستثمارات الدولية، يشكل عقبة أمام مشاريع الهيمنة الإقليمية.  

هنا تبرز أدلة استخباراتية على تورط الجزائر، عبر دعمها المباشر وغير المباشر لجماعات إرهابية في الساحل والصحراء، من خلال تسهيل تحركات العناصر الإرهابية بين مالي والنيجر، وإمدادها بالتمويل عبر شبكات غسيل الأموال وتجارة المخدرات، بل واستخدام ذراعها "البوليساريو" لتعطيل المشاريع التنموية المغربية في الصحراء.  

هذا الدعم ليس إلا جزءا من استراتيجية أوسع لزعزعة الاستقرار المغربي، خاصة مع اقتراب تنظيم كأس الأمم الإفريقية 2025 وكأس العالم 2030، الذي يعد حدثا عالميا يعزز مكانة المغرب الإقليمية والدولية.  

لا يمكن فهم التهديدات الإرهابية الحالية دون العودة إلى السياق التاريخي، حيث شهد المغرب في تسعينيات القرن الماضي سلسلة من الهجمات الإرهابية التي كانت مدعومة من جهات إقليمية، لا سيما الجزائر.  

في أغسطس 1994، وقعت "هجمة فندق أطلس آسني" في مراكش، حيث فتح مسلحون النار على السياح في الفندق، مما أسفر عن مقتل شخصين وإصابة عدة آخرين. كشفت التحقيقات أن الهجوم كان مدعوما من قبل جماعات إرهابية مرتبطة بالجبهة الإسلامية للإنقاذ (FIS) الجزائرية، التي كانت تخوض صراعا دمويا ضد النظام الجزائري في ذلك الوقت.  

وقد أشارت تقارير استخباراتية إلى أن الهجوم كان يهدف إلى إضعاف الاقتصاد المغربي من خلال استهداف السياحة، وهي إحدى الركائز الاقتصادية الرئيسية للمغرب، كما تم ربط الهجوم بشبكات إرهابية أوسع تعمل في شمال إفريقيا، مع وجود أدلة على تورط عناصر جزائرية في التخطيط والتمويل.  

هذه الحادثة تعكس نمطا من العمليات الإرهابية التي استهدفت المغرب، كجزء من استراتيجية إقليمية لزعزعة الاستقرار، خاصة في ظل الدور المغربي كحليف استراتيجي للغرب في مكافحة الإرهاب.  

لا ينفصل تفكيك الخلية الحالية عن محاولات خلق "بؤر توتر" جديدة في شمال إفريقيا، تهدف إلى تقويض المبادرات الإقليمية، كالحكم الذاتي للصحراء المغربية، الذي حظي بدعم دولي واسع.  

فالإرهاب هنا ليس عملا عشوائيا، بل أداة توظف في صراعات جيوسياسية، حيث تحول الأنظمة الداعمة له مناطق الحدود إلى ساحات للتمرد، مستفيدة من ضعف التنسيق الأمني بين الدول.  

في مواجهة هذا الخطر، تبرز الحاجة إلى تعاون دولي استباقي، يعتمد على رصد التمويل الإرهابي عبر أنظمة ذكاء اصطناعي متطورة، وفضح الشبكات الإقليمية الداعمة للإرهاب عبر تقارير أممية محايدة، وفرض عقوبات صارمة على الدول المنتهكة للقانون الدولي، كما ينص البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة.  

في هذا الإطار، يصبح تعزيز الخطاب الديني المعتدل ركيزة أساسية لمحاصرة الفكر المتطرف، إلى جانب إنشاء "مرصد إقليمي" تحت مظلة الأمم المتحدة لرصد تحركات الجماعات الإرهابية.  

لكن كل هذه الجهود تظل ناقصة دون مواجهة الداعمين الرئيسيين للإرهاب، وعلى رأسهم النظام الجزائري وذراعه "البوليساريو"، اللذان حوّلا مناطق الصحراء والساحل إلى ساحة لتصفية الحسابات السياسية، متناسيين أن الإرهاب كالنار تلتهم من يغذونها قبل غيرهم.  

وهكذا، فإن المعركة ضد الإرهاب ليست أمنية فحسب، بل هي معركة إرادات تتطلب إجماعا دوليا لقطع الطريق على من يسعون إلى تحويل شمال إفريقيا إلى بؤرة فوضى.

*هفتي ضرار باحث في القانون العام والعلاقات الدولية

 

عدد التعليقات (1 تعليق)

1

منتصر

سرطان

الجزائر دولة راعية للإرهاب وهي متشبعة دول الساحل والصحراء الكبرى ،على المجتمب الدولي ان يحاصر ذه الدويلة المختلقة من الاستعمار

2025/02/25 - 12:49
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

المقالات الأكثر مشاهدة