البحث الأكاديمي بين الماضي والحاضر: تطور وسائل البحث وتأثيرها

لقرع محمد أمين
لطالما كان البحث الأكاديمي ركيزة أساسية في تطور الفكر البشري، فمن خلاله، تتراكم المعرفة، ويتم اكتشاف الحقائق التي تغير مسار الإنسانية، في الماضي كان الوصول إلى المعلومة عملية معقدة وعسيرة، تعتمد بشكل أساسي على الكتب والمراجع المطبوعة التي تملأ رفوف المكتبات، فقد كان الباحث مضطرا للبحث يدويًا في المصادر المختلفة والمراجع الوفيرة، مما يستغرق وقتًا وجهدًا كبيرين. لكن اليوم، ومع الثورة التكنولوجية، تغير المشهد الأكاديمي جذريًا، وأضحى البحث شبه يسير، و هذا راجع للوسائل الرقمية التي أصبحت تسهل الوصول إلى المعلومات بشكل غير مسبوق.
قبل عشرات السنوات كان الباحث الأكاديمي يواجه تحديات عديدة في جمع المعلومات، فقد كانت المكتبات التقليدية هي المصدر الأساسي للمراجع والكتب التي تحتوي على الأبحاث والدراسات، فكان من الواجب عليه أن يقضي ساعات طويلة بين الرفوف، يمر من كتاب إلى آخر، محاولًا تجميع المعطيات التي تدعمه في بحثه، هذه العملية كانت تأخذ وقتًا طويلاً، وتستدعي منه الكثير من الجهد البدني والعقلي للوصول إلى المعلومة المطلوبة، لكن مع ظهور الإنترنت، تغيرت الأمور بشكل جذري، فأصبح من الممكن الوصول إلى ملايين المقالات الأكاديمية والأبحاث العلمية بضغطة زر، فالمحركات البحثية باتت توفر فرصًا هائلة للباحثين للوصول إلى المصادر الدقيقة والموثوقة دون الحاجة للتنقل بين المكتبات، وقد ساعدت هذه الأدوات في تسريع عملية البحث بشكل كبير، وفتحت أبوابًا جديدة لاستكشاف موضوعات كانت سابقًا محجوبة أو صعبة الوصول، على سبيل المثال، أظهرت دراسة نشرت في مجلة(science) سنة 2016 أن الباحثين الذين يستخدمون محركات البحث الأكاديمية مثل Googleو Scholar يستطيعون الوصول إلى الأبحاث العلمية في دقائق بدلا من قضاء ساعات طويلة في المكتبات، هذه الأدوات ساعدت على تسريع الحصول على المعلومات الموثوقة، مما ساهم في تعزيز جودة البحث العلمي بشكل عام.
و كذلك من أبرز التغيرات التي شهدتها وسائل البحث الأكاديمي هو تزايد استخدام الذكاء الاصطناعي وأدوات التحليل البياني، فاليوم صار بإمكان الباحثين استخدام برامج متقدمة لتحليل البيانات واستخراج الأنماط من مجموعات ضخمة من المعلومات. هذه الأدوات الذكية لا تقتصر فقط على جمع البيانات، بل تساعد أيضًا في تحليلها بشكل أسرع وأكثر دقة، ما يسهم في إنتاج نتائج بحثية أكثر موثوقية. إلى جانب ذلك، تميزت هذه الفترة بانتشار النشر الرقمي للأبحاث الأكاديمية، مما جعلها متاحة للجميع في أي وقت وأي مكان، وهذا عكس ما كان في الماضي تمامًا، لأن الأبحاث كانت تُنشر في مجلات دورية محدودة بالشكل الذي يجعلها بعيدة بعض الشيء عن متناول الجميع، في سنة 2018، أطلقت جامعة أكسفورد مشروعًا يهدف إلى استخدام الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات الكبرى في مجال الأبحاث الطبية، بحيث استخدم الباحثون تقنيات الذكاء الاصطناعي (big data)لتحليل الآلاف من الدراسات العلمية حول الأدوية والعلاج، مما ساعد على اكتشاف أنماط جديدة في العلاج والوقاية من الأمراض التي لم يكن من الممكن اكتشافها باستخدام الطرق التقليدية، ولكن على الرغم من هذه التحولات الهائلة في وسائل البحث، إلا أن هناك تحديات جديدة ظهرت أيضًا، ففي عالم مليء بالمعلومات المتاحة على الإنترنت، أصبح من الصعب التحقق من مصداقية المصادر، فالمعلومات الخاطئة أو المشوهة قد تنتشر بسهولة عبر الشبكة العنكبوتية، ما يجعل الباحث تائهًا بين التصديق أو التكذيب. لهذا، عليه إدراك مدى ضرورة التمييز بين ما هو موثوق وما هو غير موثوق، و نود الإشارة كذلك إلى ضرورة التحلي بالمهارات النقدية بهدف فرز المعلومات واختيار ما يناسب البحث بشكل دقيق.
في النهاية، يمكن استخلاص أن البحث الأكاديمي قد شهد تحولًا عميقًا من مرحلة الاعتماد على المصادر التقليدية إلى استخدام تقنيات مبتكرة ومتطورة تساعد في تسريع وتحسين العملية البحثية، لكن يبقى السؤال المطروح: إذا كان هذا التطور قد غير بشكل جذري شكل البحث الأكاديمي، فما الذي قد يحمله المستقبل من تحديات وفرص جديدة لهذه العملية؟
الحموشي حفيظة
للتشجيع
أحسنت ، ومسيرة موفقة بإذن الله