العلاقات المغربية الأمريكية: شراكة استراتيجية راسخة تتعزز بدعم أمريكي حاسم للوحدة الترابية
محمد أعزوز
تُمثل العلاقات المغربية الأمريكية نموذجًا فريدًا في تاريخ الدبلوماسية الدولية، ضاربة بجذورها لأكثر من قرنين ونصف، منذ اعتراف المغرب التاريخي باستقلال الولايات المتحدة في 20 ديسمبر 1777. هذا الاعتراف المبكر أرسى دعائم شراكة استراتيجية متينة ومتعددة الأوجه، قوامها الاحترام المتبادل وتكامل المصالح والتنسيق الوثيق في مختلف المجالات. وفي سياق تعزيز هذه الروابط العميقة، يكتسب التأكيد الأخير من وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، باعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب الكاملة على الصحراء المغربية، أهمية خاصة كدعم راسخ ومستمر يعزز الموقف المغربي دوليًا. وإلى جانب هذا الدعم السياسي الحاسم، تبرز مبادرة الكونغرس الأمريكي بإصدار مشروع قرار للاحتفال بالذكرى الـ 250 للاعتراف المغربي باستقلال الولايات المتحدة كدليل إضافي على عمق الروابط الثنائية وتقدير المؤسسة التشريعية الأمريكية للدور الإقليمي والدولي المتزايد للمغرب، مما يؤكد الإرادة المشتركة لتعزيز آفاق التعاون المستقبلي.
تمتد خيوط العلاقات المغربية الأمريكية لأكثر من قرنين ونصف القرن، لتشكل بذلك قصة فريدة من نوعها في سجلات الدبلوماسية الدولية. ففي عام 1777، استشرف السلطان سيدي محمد بن عبد الله، الذي يُسلط مشروع قرار الكونغرس الأمريكي الضوء على رؤيته الاستشرافية، آفاق المستقبل بحكمة وبعد نظر، وكان سباقًا في إدراك أهمية الكيان السياسي الجديد الناشئ عبر المحيط الأطلسي. وبذلك، أصبح المغرب أول دولة في العالم تعترف بسيادة الولايات المتحدة الأمريكية الوليدة، في خطوة جريئة لم تعكس فقط حكمة القيادة المغربية آنذاك، بل وضعت أيضًا اللبنة الأولى في بناء صرح علاقات ثنائية استثنائية صمدت عبر تقلبات التاريخ.
تتويجًا لهذا الاعتراف التاريخي الهام، تم توقيع "معاهدة الصداقة والسلام" بين البلدين في عام 1786. هذه المعاهدة، التي لا تزال سارية المفعول حتى يومنا هذا، تُعد بمثابة الدستور الذي ينظم العلاقات الثنائية بين البلدين، حيث نصت على مبادئ أساسية تهدف إلى تعزيز التبادل التجاري، وضمان حماية رعايا البلدين على أراضي الطرف الآخر، وتأمين حرية الملاحة في المياه الدولية. لقد شكلت هذه المعاهدة إطارًا قانونيًا صلبًا ومتينًا صمد أمام اختبار الزمن وتقلبات الأحداث الدولية، وضمنت استمرار روح التعاون والود بين البلدين على مر العقود.
شهد القرن العشرون محطات مفصلية هامة عززت بشكل كبير من أواصر العلاقة بين المغرب والولايات المتحدة. فخلال الحرب العالمية الثانية، لعب المغرب دورًا لوجستيًا حيويًا في دعم قوات الحلفاء، مستفيدًا من موقعه الاستراتيجي الهام على مفترق طرق بحرية وبرية. كما استضاف المغرب مؤتمر أنفا التاريخي في عام 1943، الذي جمع بين الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت ورئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل، ليؤكد على الأهمية الجيوسياسية للمغرب ودوره المتزايد في الأحداث العالمية.
ومع بزوغ فجر الاستقلال في المغرب عام 1956، كانت الولايات المتحدة من أوائل الدول التي بادرت بالاعتراف بسيادة المملكة، مؤكدة بذلك على استمرار دعمها وتأييدها لتطلعات الشعب المغربي نحو الحرية والتقدم. وفي عهد المغفور له الملك الحسن الثاني، شهدت العلاقات الثنائية نقلة نوعية هامة، حيث تميزت بالثقة المتبادلة والتنسيق المستمر في معالجة مختلف القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك. وقد تجسدت هذه الروابط القوية في الزيارات الرسمية المتعددة التي قام بها الملك الراحل إلى الولايات المتحدة، ولقاءاته المثمرة مع رؤساء أمريكيين بارزين، مما أسهم بشكل كبير في بناء شراكات استراتيجية متينة ترسخت بمرور السنوات.
وفي عهد الملك محمد السادس، تعززت هذه الشراكة الاستراتيجية وتوسعت لتشمل مجالات أوسع وأكثر تنوعًا. تميزت هذه المرحلة بتعميق الحوار السياسي حول القضايا الاستراتيجية، وتوسيع نطاق التعاون الاقتصادي والتجاري ليشمل قطاعات جديدة، وتعزيز التنسيق الأمني والعسكري لمواجهة التحديات المشتركة مثل الإرهاب والجريمة المنظمة، بالإضافة إلى الاهتمام المشترك بالقضايا الإقليمية والدولية الملحة. ويأتي مشروع قرار الكونغرس الأمريكي الأخير، والتأكيد القوي والمتجدد على مغربية الصحراء من قبل الإدارة الأمريكية، ليؤكدا على هذا التوجه الراسخ نحو تعزيز الشراكة الشاملة بين البلدين الصديقين.
في القرن الحادي والعشرين، ترسخت العلاقات المغربية الأمريكية كشراكة استراتيجية حقيقية تتجاوز الإطار الدبلوماسي التقليدي لتشمل تعاونًا عمليًا ومستمرًا في مختلف المجالات الحيوية التي تخدم المصالح المشتركة للبلدين. يشكل التعاون العسكري والأمني أحد أبرز وأهم جوانب هذه الشراكة الاستراتيجية المتينة. تتجلى هذه الشراكة في المناورات العسكرية المشتركة المنتظمة، وعلى رأسها تمرين "الأسد الأفريقي"، الذي يُعد من أكبر وأهم التمارين العسكرية متعددة الجنسيات في القارة الأفريقية، ويعكس مستوى عالياً من التنسيق والعمل المشترك بين القوات المسلحة للبلدين في مواجهة التحديات الأمنية المعقدة. وفي هذا السياق، يدعو مشروع قرار الكونغرس الأمريكي حكومة الولايات المتحدة إلى تعزيز هذا التعاون العسكري والأمني بشكل أكبر، إدراكًا للدور الهام والحيوي الذي يلعبه المغرب في الحفاظ على الأمن والاستقرار في منطقة شمال أفريقيا والساحل ومكافحة التهديدات الأمنية الإقليمية والعالمية. بالإضافة إلى ذلك، يشمل التعاون تبادل الخبرات والمعلومات الاستخباراتية في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود، وتحديث القدرات الدفاعية للمغرب من خلال صفقات التسليح المشتركة.
يمثل الاتفاق الثنائي للتجارة الحرة، الذي دخل حيز التنفيذ في عام 2006، ركيزة أساسية في تعزيز التبادل الاقتصادي والتجاري بين البلدين. وقد ساهمت هذه الاتفاقية بشكل كبير في زيادة حجم التبادل التجاري وتنويع الاستثمارات المتبادلة، وخلق فرص عمل جديدة في كلا البلدين، مما يعود بالنفع على اقتصادهما. وتماشيًا مع هذا التوجه الإيجابي، يدعو مشروع قرار الكونغرس إلى توسيع آفاق التعاون الاقتصادي ليشمل مجالات أوسع وأكثر تنوعًا، مثل الاستثمار في البنية التحتية، والطاقة المتجددة، والتكنولوجيا المتقدمة، والابتكار. ويسعى المغرب والولايات المتحدة باستمرار إلى تطوير هذه العلاقات الاقتصادية من خلال استكشاف فرص جديدة للتعاون في قطاعات واعدة تخدم المصالح المشتركة وتعزز النمو المستدام
يضطلع المغرب بدور محوري ومتزايد الأهمية كشريك استراتيجي للولايات المتحدة في منطقة شمال أفريقيا والساحل، وهي منطقة حيوية تواجه تحديات أمنية وسياسية معقدة. يساهم المغرب بفعالية في الجهود الإقليمية والدولية لمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، وتعزيز الاستقرار الإقليمي من خلال الوساطات الدبلوماسية وتسوية النزاعات بالطرق السلمية. ويشكل التوافق في وجهات النظر بين البلدين حول العديد من القضايا الإقليمية والدولية أساسًا قويًا لتنسيق الجهود والعمل المشترك لتحقيق الأمن والازدهار المستدام في المنطقة.
وفي تأكيد جديد يعكس عمق الشراكة الاستراتيجية والتوافق في الرؤى، جدد وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، خلال مباحثاته المثمرة مع نظيره المغربي، ناصر بوريطة، في واشنطن، اعتراف الولايات المتحدة الصريح والكامل بسيادة المملكة المغربية على الصحراء المغربية. يُعد هذا الموقف الأمريكي الواضح والمستمر بمثابة دعم قوي وراسخ لمغربية الصحراء، ويمثل استمرارًا للسياسة التي تبنتها الإدارة الأمريكية السابقة في عهد الرئيس دونالد ترامب، والتي أكدتها الإدارة الحالية بشكل قاطع ومتواصل في مختلف المحافل الدولية والإقليمية.
وقد شدد الوزير روبيو بشكل خاص على أن الولايات المتحدة تعتبر مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب حلاً "جديًا وموثوقًا وواقعيًا" باعتباره الأساس الوحيد الممكن لتحقيق تسوية سياسية عادلة ودائمة لهذا النزاع الإقليمي المفتعل الذي طال أمده. وتعلن الولايات المتحدة عن دعمها الكامل لجهود الأمم المتحدة الرامية إلى التوصل إلى حل سياسي نهائي ومقبول من جميع الأطراف المعنية، مع التأكيد على أن مقترح الحكم الذاتي المغربي يتماشى مع قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة. بالإضافة إلى ذلك، أعربت واشنطن عن دعمها القوي لتعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري في الصحراء المغربية، بما يعود بالنفع المباشر على سكان المنطقة ويساهم في تحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة في هذه الربوع من المملكة المغربية. تُعزز هذه التصريحات الأمريكية الأخيرة موقف الولايات المتحدة كداعم رئيسي لمغربية الصحراء، وتضع ثقلها الدبلوماسي بشكل كامل خلف مقترح الحكم الذاتي كإطار عمل واقعي وقابل للتطبيق لإنهاء هذا الملف بشكل نهائي وعادل، ويقطع الطريق بشكل حاسم أمام أطروحات الانفصال التي لا تخدم مصالح المنطقة وشعوبها وتعيق مسيرة الاستقرار والازدهار الإقليمي. هذا الدعم الأمريكي المتواصل يعكس رؤية مشتركة مع المغرب حول ضرورة إيجاد حل سياسي واقعي لهذا النزاع الإقليمي، ويعزز بشكل كبير من فرص تحقيق الاستقرار والازدهار المستدام في المنطقة المغاربية.
يظل المغرب شريكاً حيوياً وموثوقًا للولايات المتحدة في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية، وفي تعزيز الأمن والاستقرار والازدهار في منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط. ومع استمرار التنسيق والتعاون الوثيق في مختلف المجالات، خاصة في ظل التوافق الاستراتيجي المتزايد بشأن قضية الصحراء المغربية، من المؤكد أن هذه الشراكة الاستراتيجية ستزداد قوة ورسوخًا، وستساهم بشكل فعال في تحقيق المصالح المشتركة للبلدين الصديقين وتعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي.
تجسد العلاقات المغربية الأمريكية نموذجًا فريدًا للشراكة الثنائية الناجحة، التي استمدت قوتها من جذور تاريخية عميقة، وتطورت عبر محطات مفصلية هامة، لتصل إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية المتينة في القرن الحادي والعشرين. ومع إحياء الكونغرس الأمريكي للذكرى الـ 250 للاعتراف المغربي باستقلال الولايات المتحدة، والتأكيد الأمريكي المتجدد والواضح على سيادة المغرب على صحرائه، تتأكد مجددًا الأهمية التاريخية والقيمة الاستراتيجية لهذه العلاقة المتميزة. هذه الشراكة، القائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة والرؤية المشتركة تجاه العديد من القضايا الإقليمية والدولية، تظل ركيزة أساسية لتحقيق الاستقرار الإقليمي وتعزيز المصالح المشتركة للبلدين، وتفتح آفاقًا واسعة لمستقبل أكثر تعاونًا وازدهارًا، مدعومة بموقف أمريكي واضح وثابت تجاه الوحدة الترابية للمملكة المغربية.

عابر سبيل
هل امريكا حليف موثوق؟
الواقع يظهر ان امريكا تبتلع حلفاءها الضعفاء و لا تحترم الا الاقوياء، علينا أن نكون اقوياء و موحدين لمواجهة الأخطار كيف ما كان مصدرها