السلوك العدواني بين الوجود الافتراضي والمجتمع الاستهلاكي

السلوك العدواني بين الوجود الافتراضي والمجتمع الاستهلاكي

أسامة عريوي

بين الوجود المزدوج الواقعي والافتراضي يتأرجح سلوك الإنسان المغربي، بين واقع وهمي تحتل فيه صور الجمال مكانة سامقة، تتربع على رأسها ثقافة الاستهلاك والاقتناء المفرطة، مولدة للفرد وللجماعة رغبات استهلاكية لا محدودة ولا متناهية، بعضها أو البسيط منها يمكن تحقيق جزء منه، والبعض الآخر يدخل في خانة المستحيلات. هذه الازدواجية في الوجود هي التي زعزعت بناءاتنا النفسية، ولعلها اليوم هي التي أدت إلى تنامي ظواهر العنف في المجتمع المغربي. فتعالوا بنا لنتساءل عن ماهية العلاقة بين المجتمع الاستهلاكي وبين انتشار ثقافة العنف في الوسط المغربي؟

    في دائرة تحكمها متغيرات ثلاثة: المثالية الافتراضية أولا، الرغبة في الاستهلاك ثانيا، البطالة ثالثا، هذا الثالوث المدنس حينما يجتمع في ذات إنسانية ضعيفة يُصرف إلى عنف تختلف حدته باختلاف سيكولوجيا الفاعلين، فحينما نتحدث عن مثالية الافتراضي الدسمة التي تسوّق لمظاهر "العالم زين"، والتي يستعرض من خلالها المشاهير والمؤثرون - رجالا ونساء ومثليين - كما يتوهمون أنهم كذلك، يومياتهم وسفرياتهم واقتناءاتهم من ملابس وما طاب ولذّ من المأكولات، وكذا يومياتهم في المطاعم والمقاهي والفنادق والمراكز التجارية الكبرى، هذه الحفلة التنكرية الزائفة المعروضة على خشبة الافتراضي لها وقع جد خطير على سيكولوجية النشء، وبالتالي تصبح هي الغاية المنشودة من العموم، وعلى رأسهم جيل المراهقين، هنا نفتح الباب أمام المتغير وهي الرغبة المرضية في الاستهلاك وفي عيش حياة المشاهير الواهمة.

     إن هذه الدافعية الخفية المستوحاة من الافتراضي، حينما تصطدم بالمجال الواقعي وبالواقع الاجتماعي للأفراد، وفي غالب الأحيان تحتك بمتغير الفقر والبطالة والهشاشة، تكون النتيجة هي ما يشهده المجتمع اليوم أكثر من أي وقت مضى من مظاهر العنف المرعبة، سواء في أوساط كانت تعد مجالات للتربية على المواطنة والحس الإنساني من قبيل المدرسة والأسرة والشارع.

   تحت وطأة هذه التأثيرات المتبادلة بين الدافعية الاستهلاكية والرغبة الواقعية والتسمم الافتراضي، ينفجر السلوك العدواني في رغبة جامحة من أجل الحصول على ثروة ولو سريعة، شبيهة بالوجبات السريعة التي لا تسد رمق الجوع ولكن تسهم، مع مرور الزمن، في تشكل خلايا سرطانية في جسد الإنسان تؤدي حتما إلى نهايته.

    إن هذه النهايات المأساوية هي نتاج سلوكيات عدوانية تزج بصاحبها إما في السجن، وإما في مستشفى الأمراض النفسية، وإما في مجمدات الموتى. ويبقى هذا الفهم ضعيفًا، ينقصه الكثير حتى نتمكن من وضع الإصبع على الجرح بغرض تمضيضه والحد من هذا النزيف القيمي والأخلاقي الناتج عن هذا التخبط الأعمى في مجتمع استهلاكي لا يرحم.

 

 

 

 

 

 

 

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات