الرئيسية | أخبار وطنية | على هامش الذكرى 48 لرحيله.. هل استشرف علال الفاسي المفاهيم الجديدة للسيادة؟

على هامش الذكرى 48 لرحيله.. هل استشرف علال الفاسي المفاهيم الجديدة للسيادة؟

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
على هامش الذكرى 48 لرحيله.. هل استشرف علال الفاسي المفاهيم الجديدة للسيادة؟
 

بقلم: د.خالد فتحي

يتردد  على مسامعنا كثيرا هذه الأيام لفظ سيادة ،فهو يأتي  محمولا إلينا  على السنة الكل, من  سياسيين وخبراء ومفكرين ،بل لقد تحول هذا الإقبال علي استعماله  إلى تفنن في اسكشاف مفاهيم جديدة له لم تكن مطروقة من قبل  ،فمع جائحة كورونا، وحرب اوكرانيا، وانكفاء الدول إلى حدودها, واضطراب سلاسل التوريد،وعودة الحمائية،  وحرب العملات والغاز ،وظهور تهديدات من أشكال مختلفة ،صحية وغذائية وطاقية و مائية ومناخية ، و مع الأزمة العميقة التي تتخبط فيها الديمقراطية،تحور معنى السيادة الكلاسيكي البسيط الذي كان يعني سيطرة الدولة على مجالها الترابي وحمايتها له من التدخل والاعتداء الأجنبي ،ليصير نحو تقمص معاني شتى .فلقد أظهرت الأزمات المتسارعة مؤخرا  حاجة الدول لحكامة المجهول ،وإلحاحية الاعتماد على نفسها،وتأكيد سيادتها التي تفرعت وتوزعت  هذه المرة على كل المجالات ،فكان أن عادت مرة أخرى  في ظل عدم اليقين للتظلل بهوياتها من جهة ،والى التثبث  صباح مساء من إمكانية الوفاء بهذه الوحوه الجديدة للسيادة من جهة أخرى  ،وهو ما جعلها تؤوب  إلى قراءة تراثها مجددا بعد أن لمست  انقطاع أنفاس  العولمة، وظهر لها وهم انتصار الرأسمالية وتهافت اطروحة الإنسان الأخير،  و خبل فكرة انهائه للتاريخ ،ولذلك ،وفي هذا السياق ،يكون  من الطبيعي أن يهرع أبناء الزعيم علال الفاسي إلى خزانة هذا المفكر والمناضل الفذ بحثا عن مايبدد شكوكهم، و يدعم لديهم صورة هذا العبقري الذي كان ذا بصيرة وذا قدرة على النفاذ والاستشراف الفكريين، باحثين عن بذور  قد يكون نثرها هذا الزعيم في كتاباته للمفاهيم الجديدة للسيادة ،لم  ينتبهوا او يلتفتوا لها .من المؤكد أن هذا التحدي يطرح لأول مرة  بهذا الشكل في وجه المنقب في فكر الزعيم  ، ويحسب لللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال أن تختبر الفكر العلالي في هذه المسألة بمناسبة ذكرى رحيله ،فالمخاطر التي نواجه  لم  تكن من قبل بهذه الحدة والجدة. والسؤال هو : هل اكتفى علال بتبني السيادة في معناها التقليدي الذي يعني عدم الوقوع تحت نير الاستعمار وممارسة الحكومة الوطنية لصلاحياتها في حدودها الحقة، كونه كان الزعيم الذي نفي إلى الغابون، وتقلب في الأرض كفاحا من أجل استقلال المغرب وكافة دول العالم العربي والإسلامي ،ام أنه كان قادرا  كمفكر المعي على أن يبصر لنا المستقبل وان ينظر في زمنه لهذه المفاهيم المستجدة للسيادة في زمننا. ؟؟

أعتقد أنه سيكون من التحذلق أن نقول إن علال قد أثار هذه الأشكال الجديدة للسيادة وسماها بمسمياتها الحالية. فعلال كان يواجه  على عكسنا نحن  استعمارا ماديا بمقيم عام وسلطة أجنبية ونهب فظيع لخيرات البلاد  ،وهذه المفاهيم الجديدة من قبيل السيادة الغذائية ،السيادة الطاقية،السيادة الصحية ....الخ لم تكن قد اختمرت بعد ،  ولكنه مع ذلك هو  علال  الذي  سك  أيضا مفاتيح فكرية تجعلنا نحن ورثة فكره نتوصل من خلال إعمالها إلى تبين مثل هذه المفاهيم السيادية الخاصة بأوقاتنا اذاقرأنا أفكاره على ضوء مشاكل وتطورات عصرنا . فقد كان ينبغي أن تقع تطورات تقنية وتكنلوجيا واستراتيجية وعولمية لتنفرز هذه الهموم الجديدة للسيادة الوطنية . لم تحضر تلك المفاهيم كمصطلحات، ولكنها كانت حاضرة لديه كمحتوى.

علال ركز على الجانب السياسي ،و اعتبر أن السيادة تعود للشعب من خلال مؤسساته التي ينتخبها انتخابا  حرا نزيها، ولذلك كانت السيادة لديه تعني نقيض الاستعمار ،وكان الاستعمار الذي يواجهه هو استعمارا من لحم ودم ،استعمارا  يحتل الأرض والإنسان. ولذلك علال  سن حربه الأساس على هذا النوع من الاستعمار . ولكن علينا نحن أن نتأسى به ،ونشن حربنا على الاستعمار الجديد الذي يحتل العقول والوجدان ويقتل القيم ويمسخها ويسلب المقدرات دون حاجة إلى أن يتواجد ماديا.

علال الفاسي لم ينس في كتابه النقد الذاتي أن يؤسس  لنهضة الأمة المغربية في المجالات الفكرية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدينية ،والذي  ضمنه بالخصوص طرائق التفكير السليم الذي يجنبنا المزالق ويقودنا إلى القرارات والبرامج الصائبة.

،فلو اعملنا منهجه في التفكير لما انتظرنا أن تندلع الازمات الحالية لنسك هذه المفاهيم الجديدة التي ننحتها للأسف في توقيت متزامن مع باقي دول العالم. تحذير علال من ارتجالية التفكير عند العرب معناه دعوتهم إلى التخطيط الاستراتيجي الذي يمتد على عقود ،  وعدم ترك الامور على الغارب إلى حين أن يتفاجئوا بالازمات الوجودية .علال دعا إلى التفكيرفي الحوادث قبل وقوعها  وبالتالي إلى نهج الاستباقية لتوفير حظوظ النجاح .هذا ما يتطلب في وقتنا هذا التفكير في أمننا القومي بمفهوم السيادات الأخرى، أما دعوته لارستقراطية التفكير  والى توجيه الرأي العام من طرف  النخبة  فتلك وصفات كانت ستقف سدا منيعا ضد التفاهة والشعبوية  والاستلاب القيمي الذي يفقدنا السيادة الثقافية والحضارية .علال الذي نادى بتوجيه الانانية التوجيه الصحيح وبالتفكير اجتماعيا لمصلحة المجموع  والتفكير شموليا أي إلى التفكير المعقد المتشابك الذي يحيط بالمواضيع كل على حدة وفي ترابطها ايضا. كان في الحقيقة ينادي إلى عدم إهمال أي جانب من جوانب السيادة .

الواضح أننا نعيش اليوم انكماشا خطيرا في مفهوم السيادة حتى لقد اصبحنا أمام سيادة مرنة او سائلة او نسبية وحتى أمام دول بدون سيادة بسبب زيادة الاعتماد المتبادل للدول على بعضها البعض ،وهو ما يؤدي إلى انكشاف سيادة بعض الدول ليس على مستوى حدودها بل على مستوى ارتهانها للخارج في قطاعات حيوية .

أن علال يمثل في هذا السياق نبعا لاينضب، اذا كنا قادرين على أن نسبرفكره وقادرين على  توليد واستنباط مفاهيم كامنة فيه من خلال قراءة علمية رصينة لاقراءة حماسية تمجيدية لاتستطيع بعجلتها استكناه المقاصد التي زرعها بين ثنايا تنظيراته.

أعتقد أن علال الفاسي سبق زمانه بكثير .لقد اعتبر أن الاستقلال المغربي يجب أن يتبعه توحيد الشمال الافريقي .ولذلك لو سارت الامور كما كان ينصح هذا المناضل والمفكر العضوي لكانت السيادة الوطنية الآن تعني لنا السيادة الوطنية المغاربية. فالمغرب العربي الكبير قادر الآن أن يحقق لنا سيادة وطنية تستوعب هذه الأنواع او التفصيلات الجديدة للسيادة.علال اعلنها صيحة مدوية بعد الاستقلال مباشرة قائلا" لم يعد هناك مجال للعزلة،ولا الوطنية الضيقة في هذا العصر.

واخيرا لقد حذرنا علال الفاسي من التخلص من الحماية الاستعمارية ،للسقوط  بعدها في براثن الحماية الفكرية للغرب .

 

ولذلك أعتقد أن علال الفاسي لوكان حيا بيننا اليوم ،لطور مفهومه للسيادة الوطنية،و لحصره في السيادة الثقافية والحضارية  ،إذ أمام مد العولمة ،يمكن لنا دائما أن نستفيد من السلع التي نحتاجها في حياتنا المادية،فتلك سلع يتوصل إليها العلم الذي يتنقل من أمة لاخرى،ولا جنسية له ،  لكنه لابد لنا أن نحتاط من السلع الثقافية لانها نتيجة للفكر والحضارة التي تختلف من أمة لاخرى وبالتالي علينا أن نحافظ على هويتنا الخالصة دون تحجر ودون ميوعة واغتراب والنهار وضعف وتبعية. أي أن نحافظ على سيادتنا الحضارية ،فبدونها سنضمحل حتى لو كنا نرفل في النعيم داخل حدودنا.  فقدان السيادة الحضرية يعصف بمفهوم السيادة الوطنية.

مجموع المشاهدات: 3171 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة