الرئيسية | دين ودنيا | لا ترد على الإساءة بالإساءة

لا ترد على الإساءة بالإساءة

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
لا ترد على الإساءة بالإساءة
 

* عن حُذيفة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تكونوا إمَّعةً، تقولون: إنْ أحْسَنُ النَّاسُ أحسنَّاً، وإنْ ظلموا ظلمنا، ولكن وطِّنوا أنفسكم: إنْ أحسنَ النَّاسُ أنْ تُحسنوا، وإنْ أساءُوا فلا تظلموا). رواه الترمذي.

 

فكن أخا الإسلام: منفذا لهذا النهي الصريح عن فعل هذا الخلق المذموم.. الذي يتنافى مع أخلاق المؤمنين.. أصحاب المبادئ السامية.. التي لا اعوجا فيها ولا تزييف:

 

* (وقد) يكون هذا من النفاق المشار إليه في قول الله تبارك وتعالى: ﴿يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ9/2فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ10/2وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ11/2أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ12/2وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَكِن لاَّ يَعْلَمُونَ13/2وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ14/2اللّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ15/2أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ16/2مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ17/2صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ﴾ [البقرة:8-18].

 

* (فاحذر) أخا الإسلام أن تكون منافقا بهذا الوصف القرآني الوارد في نص الآيات القرآنية السابقة.. حتى لا تكون والعياذ بالله من أهل الدَّرْك الأسفل من النار...

 

* (واحذر) بصفة خاصة أن تكون إمعة أو مذبْذباً بهذا الوصف الوارد في نص الوصية- التي ندور حولها- بمعنى أن تحسن إذا أحسن الناس، وتظلم إذا ظلموا..

 

(ولكن) وطن نفسك على أن تحسن إذا أحسن الناس، وأن لا تظلم إذا أساءوا..

 

(لأن) هذا سيكون معناه أنك لست سويّاً في شخصيتك، وأنك مع التيار إلى أي اتجاه.. وبدون مقاومة إيمانية.. في مواجهة شياطين الإنس والجن.

 

* (وكان) ينبغي عليك أن تكون صاحب شخصية مستقلة.. رائدها الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يقول: «اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشُّحَّ فإن الشُّح أهلك مَنْ كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم». رواه مسلم.

 

** (وعلى) هذا فإنه ينبغي عليك أن تكون عكس هذا.. بمعنى أن تقف بجوار المظلوم.. وأن تعينه على استرداد حقوقه من الذي اغتصبها منه مهما كلفك هذا.. (فقد) ورد في حديث قدسي أن داود عليه السلام ناجى ربه- في يوم من الأيام- فقال: «يا رب أي العباد أحب إليك؟) فقال الله تعالى: (يا داود، أحب عبادي إلي، نقي القلب، نقي الكفين، لا يأتي لأحد بسوء، ولا يمشي بين الناس بالنميمة.. تزول الجبال ولا يزول.. أحبَّني وأحبَّ من يحبني وحببني إلى عبادي) قال داود: (وكيف يحبك إلى عبادك) قال: يذكرهم بنعمي وآلائي.. يا داود: ما من عبد يعين مظلوماً أو يمشي معه في مظلمته إلا ثَبتُّ قدميه على الصراط يوم تزِلُّ الأقدام».

 

* (وكن) أخا الإسلام شجاعا في قولك وفي فعلك.. وأنت تدافع عن أخيك المظلوم.. بل وأنت تذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه».

 

** (ولهذا) فقد رأيت أن أذكرك ونفسي ببعض المواقف الشجاعية التي أرجو أن تكون سبباً في شجاعتك، حتى لا تخشى في الله لومة لائم، وحتى تقول الحق ولو كان مراً... فإليك النماذج الآتية:

 

1- الحق فوق القوة: روى ابن أبي الدنيا بسنده عن طاووس أنه قال: بينما أنا بمكة استدعاني الحجَّاج، فأتيته فأجلسني إلى جانبه، وأَتْكأَني على وسادة. فبينما نحن نتحدث إذ سمع صوتا عاليا بالتلبية.. فقال الحجاج: عَلَيَّ بالرجل. فأُحْضِر. فقال له: من الرجل؟ قال: من المسلمين.. فقال: إنما سألتك عن البلد والقوم.. قال: من أهل اليمن.. فقال: كيف تركت محمد بن يوسف؟ (يعني أخاه) وكان واليا على اليمن.. فقال: تركته جسيما وسيما، لبَّاساً حريرا، ركابا خَرَّاجاً وَلاجاً..

 

فقال: إنما سألتك عن سيرته.. فقال: تركته غشوما ظلوما، مطيعا للمخلوق عاصيا للخالق.. قال: أتقول فيه هذا وقد علمت مكانه منَّي؟ فقال الرجل: أتراه بمكانه منك أعز من مكاني من ربي وأنا مصدق بنبيه ووافد بيته؟ فسكت الحجاج وذهب الرجل..

 

قال طاووس: فتبعته فقلت: الصحبة. قال: لا حُبّاً ولا كرامة.. ألست صاحب الوسادة وقد رأيت الناس يستفتونك في دين الله؟ قلت: إنه أمير مُسَلَّط أرسل إلى فأتيتهكما فعلت أنت قال: فما بال هذا الاتكاء على الوسادة في رخاء بال؟ هلا كان لك من واجب نصحه وقضاء حق رعيته بوعظه والحذر من بوائق عسفه وتخلي نفسك من ساعة الأنس به ما يكدر عليك تلك الطمأنينة؟ قلت: أستغفر الله وأتوب إليه، ثم أسألك الصحبة، فقال: غفر الله لك، إن لي مصحوباً شديد الغيرة عَلَيَّ، فلو أنست بغيره رفضني.. ثم تركني وذهب.

 

2- جَرأة العلماء على الأمراء: حكى أن هشام بن عبد الملك قدم حاجاً إلى بيت الله الحرام، فلما دخل الحرم قال ائتوني برجل من الصحابة.. فقيل: يا أمير المؤمنين ماتوا.. قال: فمن التابعين.. فأتى بطاووس اليماني.. فلما دخل عليه خلع نعليه بحاشية بساطه.. ولم يسلم بيا أمير المؤمنين، ولم يُكنِّه، وجلس إلى جانبه بغير إذنه وقال: كيف أنت يا هشام.. فغضب من ذلك غضباً شديداً حتى هَمَّ بقتله.. فقيل له: أنت يا أمير المؤمنين في حرم الله، وحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكون ذلك فقال: يا طاووس: ما حملك على ما صنعتَ؟ قال: وما صنعتُ؟ قال: خلعت نعليك بحاشية بساطي، ولم تسلم بيا أمير المؤمنين، ولم تُكَنِّنِى، وجلست بإزائي بغير أذن، وقلتَ يا هشام كيف أنتَ.. فقال طاووس: أما خلع نعلي بحاشية بساطك، فإني أخلعها بين يدي رب العزة في كل يوم خمس مرات ولا يعاتبني ولا يغضب علي، وأما قولك: لم تسلم على بإمرة المؤمنين، فليس كل المؤمنين راضياً بإمرتك فخفتُ أن أكون كاذباً، وأما قولك: لم تكنني، فإن الله عز وجل سمى أنبياءه فقال: يا دواد يا يحي يا عيسى، وكنى أعداءه فقال: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ﴾ وأما قولك: جلست بإزائي، فإني سمعت عليَّ بن أبي طالب يقول: إذا أردت أن تنظر إلى رجل من أهل النار، فانظر إلى رجل جالس وحوله قوم قيام. فقال له: عظني.. فقال: سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: إن في جهنم حيات وعقارب كالبغال تلدغ كل أمير لم يعدل في رعيته..

 

** (فهكذا) كان العلماء والأمراء الذين كانوا على صلة بالقرآن والسنة وكانوا كذلك على صلة وثيقة بالله..

 

* (ولهذا) فقد استجاب الأمير لما وعظه به هذا العالم الرباني.. ولهذا لم يبطش به..

 

* (فأين) الثرى من الثريا...؟ 

 

3- حسن الاستعطاف: أصاب الناس مجاعة على عهد هشام بن عبد الملك.. فدخل درواس بن حبيب العجلي مع جماعة من قومه.. فقال: يا أمير المؤمنين.. تتابعت علينا وعلى الناس شئون ثلاثة: (أما الأولى): فأذابت الشحم... (وأما الثانية): فأكلت اللحم... (وأما الثالثة): فمصَّت العظم.. وفي أيديكم فضول أموالكم.. فإن تكن لله فاعطفوا بها على عباده، وإن تكن لهم فعَلامَ تحبسونها عنهم وتنفقونها إسرافاً وبدراً والله لا يحب المسرفين،وإن تكن لكم فتصدقوا بها عليهم.. إن الله يجزى المتصدقين، ولا يضيع  أجر المحسنين. (فقال) هشام: لله أبوك ما تركت لنا واحدة من ثلاث.. (وأمر) بمائة ألف قسمت في الناس.. (وأمر) لدرواس بمائة ألف درهم.. فقال: يا أمير المؤمنين لكل واحد من المسلمين مثلها؟ قال: لا، ولا يقوم بذلك بيت المال.. (قال) فلا حاجة لي بما يبعث عَلَى ذَمِّك.. فألزمه هشام بها.. فلما عاد إلى منزله قسم تسعين ألفا في أحياء العرب، وحبس عشرة آلاف له ولقومه.. (فبلغ) ذلك هشاما فقال: لله دره، إن الصنيعة عند مثله تبعث على مكارم الأخلاق...

 

* (وهكذا) أيضاً كان إخلاص العلماء.. وسخاء الأمراء الأفياء...

 

* (فأكثر) الله من أمثال هؤلاء العلماء والأمراء...

 

4- يوم الأذان: أتى سليمان بن عبد الملك برجل جنى جناية يجب فيها التعزير لا غير.. فأمر بقتله... فقال: يا أمير المؤمنين أذكر يوم الأذان؟ قال: وما يوم الأذان؟ قال: اليوم الذي قال تعالى فيه: ﴿فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ [الأعراف:44] (فبكى) سليمان وأمر بإطلاقه..

 

* (فيا ليت) جميع الأمراء يذكرون يوم الأذان- الذي هو يوم القيامة- حتى لا يظلموا أحداً من أفراد الرعية.. لأن الظلم ظلمات يوم القيامة.. ولأن الله تعالى حرم الظلم على نفسه وجعله بيننا محرما.. وقال: «فلا تظالموا»

 

5- رجل من العامة يقاضى المأمون: دخل رجل على المأمون وفي يده رقعة فيها مظلمة من أمير المؤمنين.. فقال: أمظلمة مني؟ فقال الرجل: أفأخاطب يا أمير المؤمنين سواك؟ قال: وما هي ظلامتك؟ قال: إن سعيداً وكيلك اشترى مني جواهر بثلاثين ألف دينار. قال: فإذا اشترى سعيد منك الجواهر تشكو الظلامة مني؟ قال: نعم إذا كانت الوكالة قد صحت منك، قال: لعل سعيداً قد اشترى منك الجواهر وحمل إليك المال، واشتراه لنفسه وعليه حقه فلا يلزمني لك حق، ولا أعرف لك ظلامة فقال له: إن وصية عمر بن الخطاب لقضاتكم: (البينة على من ادعى واليمين على من أنكر)، قال المأمون: إنك قد عدمت البينة فما يجب لك إلا حلفة، ولئن حَلفتها لأنا صادق إذ كنت لا أعرف لك حقا يلزمني. قال الرجل:إذن أدعوك إلى القاضي الذي نصبته لرعيتك. قال: نعم، يا غلام عَلَىَّ بيحيى بن أكتم.. فإذا هو قد مثل بين يديه فقال له المأمون: اقض بيننا، قال في حكم وقضية. قال نعم، قال: إنك لم تجعل ذلك مجلس قضاء. قال: قد فعلتُ، قال فإني أبد العامة أو لا ليصلح ذلك المجلس للقضاء.. قال: افعل.. ففتح الباب وقعد في  ناحية من الباب وأذن للعامة.. ثم دعا بالرجل المتظلم.. فقال له يحيى: ما تقول؟ قال: أقول أن تدعو بخصمي أمير المؤمنين.. فنادى المنادي.. فإذا المأمون قد خرج ومعه غلام يحمل مصلى حتى وقف على يحيى وهو جالس فقال يحيى: اجلس فطرح المصلى يقعد عليها وقال يحيى: يأمير المؤمنين لا تأخذ على خصمك شرف المجلس فطرح مصلَّى لخصمه ثم نظر دعوى الرجل وطلب المأمون باليمين فحلف ووثب يحيى بعد فراغ المأمون من يمينه فقام على رجليه.. فقال له المأمون ما هذا؟ فقال: إني كنت في حق الله عز وجل حتى أخذته منك، وليس من حقي أن أتصدَّر عليك فأمر المأمون بالمال المدَّعىَ: فقال ليحيى خذه إليك.. والله ما كنت أحلف على يمين فاجرة ثم لك بالمال فأفسد ديني بدنياي.

 

(وهكذا) كان العدل أساساً في الملك الذي ما اتسعت ممالكه إلا بسبب العدل الذي إن دام عمر.. أم الظلم فإنه إن دام دمَّر.

 

* (فعلى) الأخ المسلم أن يذكر كل هذا حتى لا يكون إمعة.. (بل) وحتى يكون شجعاعا في أقواله وأفعاله.. حتى يتعاون من إخوانه المظلومين على استرداد حقوقهم.. (وليكن) شعارهم دائماً وأبداً هو قول الرسول صلى الله عليه وسلم لعبد الله ابن العباس رضي الله عنه وهو: «احفظ الله يحفظك».

 

والله ولي التوفيق.

 

المصدر:من وصايا الرسول عليه الصلاة والسلام: جمع وإعداد طه عفيفي.

 
مجموع المشاهدات: 8587 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة