أخبارنا المغربية
بقلم: الصادق بنعلال
عامان مرّا على خطاب العرش التاريخي لسنة 2021، الذي خص فيه جلالة الملك محمد السادس أشقاءنا بالجزائر، في مقطع هام منه، بدعوة للاشتغال معا على تغليب منطق الحكمة وإعطاء الأولوية للمصالح الاستراتيجية المشترك، وذلك بهدف اجتياز الوضع المأساوي الراهن، غير المطابق لتطلعات وأحلام الشعبين التوأمين.
عامان اثنان يمران بالتمام والكمال على مناشدة الملك المغربي الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، "للعمل سويا، في أقرب وقت يراه مناسبا، على تطوير العلاقات الأخوية، التي بناها شعبانا، عبر سنوات من الكفاح المشترك".
وكان من المفترض دبلوماسيا وسياسيا أن يكون هناك تفاعل إيجابي مع هذه الدعوة من أعلى سلطة في المملكة، عسى أن تكون منطلقا لبدء الاتصالات واللقاءات البناءة من أجل رؤية "الضوء في آخر النفق"، وطمأنة شعوب المنطقة كافة عن حاضرها ومستقبلها، وإشعارها بأن الحياة أمل والأمل حياة!
لكن يبدو أن الرئاسة الجزائرية، أو تيارا منها على الأقل، مصرة على مسلك العرقلة وزرع اليأس والضياع والانهيار الشامل بلا حدود، إلى درجة صرح فيها رئيس الجزائر بأن هذه الأخيرة وصلت مع المغرب إلى نقطة "اللاعودة"، ومعلوم أن هذه الكلمة لا وجود لها في الميدان السياسي قديما وحديثا، حيث واصل رفضه لأي تطبيع أو حوار أو فتح الحدود مع "الجار الغربي"، وعبر في أكثر من مناسبة عن أنه لن يرضى أو يقبل بأي محاولة للصلح معه، سواء صدرت هذه الخطوة عن أشقاء عرب أو أصدقاء أجانب.
وفي المقابل تظل المملكة المغربية متمسكة بمبدأ اليد الممدودة واستنبات الأمل، إذ إنه على رغم "استعصاء" الجزائر، إلا أن المغرب يقبل وبثبات الانفتاح على الحوار مع الأشقاء، ويرنو إلى إحياء علاقة الدم والدين والتاريخ والمصير المشترك، ومستعد للتعاطي الإيجابي مع أي مبادرة صلح كفيلة بطي صفحة النزاع، والانخراط في بناء غد أكثر أمنا واستقرارا ورقيا.
السؤال الذي يطرحه المتتبعون لتفاصيل هذا الصراع إقليميا ودوليا هو: لماذا ترفض الجزائر الحوار مع المغرب والانفتاح عليه، والتطبيع معه بشكل كلي بغاية الانتقال إلى المرحلة الأخرى، مرحلة ما بعد "الاستقلال"، حيث العمل يدا في يد من أجل الإقلاع التنموي الهيكلي: اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا؟ الجواب نجده واضحا في حديث الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة، أثناء حملته الانتخابية في نهاية التسعينيات من القرن العشرين و مستهل الالفية الجديدة.
لقد كان الراحل يتحدث بلا انقطاع، ويقر في ذروة الحماس بمواقف وآراء تلخص بدقة وجلاء عقيدة البنية العميقة للدولة العسكرية، حيث أجاب "بفصاحته المعهودة" عن السؤال آنف الذكر بما يلي: "إن التطبيع مع المغرب يشكل خطرا على الجزائر"، كما أن "الطرف الوحيد الذي يستفيد من "فتح الحدود" هو المغرب، فالملايين من الجزائريين سيتوجهون إلى المدن المغربية، وسيساهمون في إنعاش اقتصاده و خزينته المالية، لأن بلدنا (الجزائر) ضعيفة من حيث البنيات التحتية والتنظيم المؤسساتي مما يجعلها عاجزة عن استقطاب "الأجانب" وإغرائهم والتأثير فيهم!"
أما الآن وبعد أن حقق المغرب منجزات استثمارية ومشاريع اقتصادية بلا نظير في الإقليم والقارة الإفريقية، فإن عقل/لاعقل الدولة العسكرية الجزائرية ينزع أكثر فأكثر نحو الانغلاق والعزلة والعداء.
لكن المؤكد هو أن المغرب سيواصل دعوة جارته الشرقية في كل الظروف إلى الإنصات إلى صوت الشعوب، ليس خوفا أو هلعا من أي "شيء"، بل تشبثا للسلم والاستقرار والعيش الكريم.
