الرئيسية | دين ودنيا | ما هي توبة الزوج الذي لعن زوجته؟

ما هي توبة الزوج الذي لعن زوجته؟

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
ما هي توبة الزوج الذي لعن زوجته؟
 

ليس من شك في أن كذب الرجل على امرأته ، وملاعنته لها ، وهو كاذب عليه : كبيرة من الكبائر ، وعظيمة من العظائم ، ومن البهتان العظيم ، والإثم المبين ؛ فلو أنه اعتدى على مسلم ، أي مسلم ، وبهته ، وكذب عليه في ذلك : فقد باء بإثم عظيم ؛ قال الله تعالى : ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ) الأحزاب/58 ؛ فكيف إذا كان البهتان والكذب في حق زوجته وحريمه ، التي ترجو منه أن يدفع عنها ، ويحميها ، ويستر عورتها ؟!!

وراعي الشاءِ يحمي الذئب عنها * فكيف إذا الرّعاء ، لها ذئاب ؟!

غير أن الله جل جلاله ، قد تفضل على عباده ، بمنه وكرمه ، وواسع رحمته ؛ ففتح لهم باب التوبة ، ليتوبوا إلى ربهم ، وينيبوا إليه ، ويستغفروه ، وينتقلوا عما يكره منهم من الكفر والفسوق والعصيان ، إلى الطاعة والبر والإيمان . 

وقد فتح الله باب توبته لعباده جميعا ، مهما كانت ذنوبهم وجرائمهم ، ولو كانت الشرك فما دونه ، فليس من شيء يحول بين العبد وبين التوبة إلى رب العالمين ، إذا صدق مع ربه في توبته ، وأناب إليه . قال الله تعالى : ( قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ) الزمر/53-55

وقد ختم الله تعالى آيات اللعان بما يشير إلى التوبة . فقال الله تعالى : ( وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ ) النور (10) .

قال السعدي ( ص 562 - 563) :

" ( وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ ) وجواب الشرط محذوف ، يدل عليه سياق الكلام ؛ أي : لأَحَلَّ بأحد المتلاعنين ، الكاذبِ منهما ، ما دعا به على نفسه . 

ومن رحمته وفضله ، ثبوت هذا الحكم الخاص بالزوجين ، لشدة الحاجة إليه ، وأنْ بَيَّن لكم شدة الزنا وفظاعته ، وفظاعة القذف به ، وأنْ شرع التوبة من هذه الكبائر وغيرها " انتهى .

وعَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : ( فَرَّقَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَخَوَيْ بَنِى العَجْلان ِ. وَقَالَ : اللهُ يَعْلمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ ، فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ ؟ ) رواه مسلم (1493) ، ورواه النسائي (3488) في باب "استتابة المتلاعنين بعد اللعان" .

ثانيا : 

توبة القاذف الكاذب أن يكذب نفسه ، فيقول : كذبت فيما رميتها به .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري" (6/458) :

" .. وَلِأَنَّ الزَّوْجَ لَوْ أَكَذَبَ نَفْسَهُ ، كَانَتْ تَوْبَةً مِنْهُ" انتهى .

وقال ابن قدامة في "المغني" (14/191) :

"ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَالْخِرَقِيِّ ، أَنَّ تَوْبَةَ الْقَاذِفِ : إكْذَابُ نَفْسِهِ ، فَيَقُولُ : كَذَبْت فِيمَا قُلْت .

وَهَذَا مَنْصُوصُ الشَّافِعِيِّ ، وَاخْتِيَارُ الْإِصْطَخْرِيِّ مِنْ أَصْحَابِهِ" انتهى .

وقال الشيخ محمد مختار الشنقيطي في "شرح زاد المستقنع" (13/192) الشاملة : 

"(الله يعلم أن أحدكما كاذب)؛ لأنه إما أن يكون الزوج صادقاً ، أو تكون الزوجة صادقة، ولذلك يقول: (الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل من تائب؟) . 

والتوبة هي: الرجوع، ورجوع الملاعن أن يقول: كذبت عليها فيما ادعيت من زناها، وتقول المرأة: هو صادق فيما قال ، أو فيما رماني به، ثم يقام الحد على من رجع ، سواءً كان الرجل أو المرأة" انتهى .

 

ثالثا: 

أما إذا كان المقصود من التوبة أن يتمكن الزوج من إرجاع زوجتها التي لاعنها : فهذا لا يمكن أبدا مادام قد حدث اللعان ؛ فالفرقة بينهما مؤبدة .

فعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ ، في حديث المتلاعنين : ( .. فَتَقَدَّمَا ، فَتَلاَعَنَا ، ثُمَّ قَالَ عُوَيْمِرٌ: كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنْ أَمْسَكْتُهَا ، فَفَارَقَهَا ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفِرَاقِهَا ، فَجَرَتِ السُّنَّةُ فِي المُتَلاَعِنَيْنِ ... ) رواه البخاري (7304) ومسلم (1492) وزاد ( فَلَمَّا فَرَغَا، قَالَ عُوَيْمِرٌ: كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنْ أَمْسَكْتُهَا، فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : فَكَانَتْ سُنَّةَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ ) .

وهذا التفريق بين المتلاعنين على التأبيد ، كما صرح به في رواية أبي داود (2250) :

( قَالَ سَهْلٌ: حَضَرْتُ هَذَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَمَضَتِ السُّنَّةُ بَعْدُ فِي الْمُتَلَاعِنَيْنِ : أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا ؛ ثُمَّ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا ) 

وروى البيهقي في " السنن الكبرى " (15 / 475) : أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ فِي الْمُتَلَاعِنَيْنِ إِذَا تَلَاعَنَا قَالَ : ( يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا ، وَلَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا ) . وصححهما الألباني في " إرواء الغليل " (7 / 188) .

وعلى هذا القول جماهير أهل العلم .

قال ابن المنذر رحمه الله تعالى :

" ثبت أن رسول الله قال للملاعن: ( لا سبيل لك عليها ).

وثبت عنه أنه فرق المتلاعنين ، وتفسيره في حديث ابن عمر قوله : ( لا سبيل لك عليها ) .

وجاءت الأخبار عن عمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب بأن المتلاعنين لا يجتمعان أبدا ً، وبه قال الحسن البصري ، وعطاء ، والزهري ، والنخعي ، والحكم ، ومالك ، والثوري ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، والأوزاعي ، وأبو عبيد، وأبو ثور ، ويعقوب " انتهى . " الإشراف " (5 / 334) .

والله أعلم .

 
مجموع المشاهدات: 5128 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة