أخبارنا المغربية
وسط أمواج التغيير التي تعيد تشكيل خارطة صناعة الموسيقى العالمية اليوم، أصبحت الموهبة الصوتية مجرد شرطٍ أساسي لكنه غير كافٍ لضمان العبور الآمن نحو القمة. الحقيقة هي أن وراء كل عمل فني يكتسح القوائم ويحقق الانتشار، تقف منظومة متكاملة تشبه إلى حد كبير «هندسة صناعة النجم». وهي معادلة معقدة توازن بدقة بين صناعة الهوية البصرية الساحرة للفنان وبين المتانة القانونية والتعاقدية التي تحمي هذا النجاح.
ومن داخل هذا المعترك المهني الدقيق، اختار مبدع مغربي شاب أن يشق طريقاً استثنائياً عبر تبني "مسار مهني مزدوج المحور"، يزاوج فيه بذكاء نادر بين جماليات "الإدارة الفنية" المسؤولة عن الصورة، وبين الصرامة الاستراتيجية لـ "إدارة الحقوق الموسيقية" المسؤولة عن الملكية. وبهذا التوجه الفريد، فإنه يرسخ نموذجاً ريادياً للاحتراف المتكامل، مصمماً خصيصاً ليمنح الفنان معادلة الأمان التي تكفل له النجاح التجاري والقدرة على البقاء والاستدامة في آنٍ واحد.
هندسة الهوية البصرية
من عمق الحراك الفني في المغرب، انبثقت رحلة هذا الخبير، مبتدئاً مساره بابتكار الهويات البصرية وتصميم واجهات الألبومات لفنانين واعدين كانوا في رحلة بحث عن 'نبرة بصرية' تعكس موسيقاهم. تلك التصاميم لم تكن مجرد جماليات سطحية، بل شكلت 'نقطة التماس' الأولى والأهم في فضاء رقمي لا يرحم، تحكمه قوانين الانتباه البصري اللحظي. ولم يلبث طموحه أن كسر حاجز الجغرافيا، ليرتقي اليوم إلى مستوى الإشراف التنفيذي على مشاريع كبرى عابرة للقارات، تربط بين عراقة الإنتاج في طنجة وديناميكية الأسواق في الولايات المتحدة، عبر هندسة استراتيجيات إطلاق متكاملة الأركان تكفل للفنان هيمنة وحضوراً لا يمكن تجاهله.
الحارس الأمين
بيد أن الجانب الجمالي لا يشكل سوى شطرٍ واحد من الرواية المتكاملة. فوسط نزيف مالي مستمر يهدر ملايين الدولارات من عائدات الفنانين كل عام نتيجة الفوضى العارمة في هياكل البيانات، راكم هذا الخبير كفاءة تخصصية نادرة في قطاع 'إدارة الحقوق الموسيقية' (Music Rights Management). ومن خلال عمق خبرته، يمارس دور 'الحارس الاستراتيجي' على الأصول والأرشيفات الفنية، معتمداً نهجاً تصحيحياً يشمل: المعالجة الجذرية للبيانات الوصفية (Metadata) التي تعد العصب الحيوي والمدخل الوحيد لتحصيل العوائد، وتوثيق الأعمال وتسجيلها بمعايير دقة صارمة لدى منظمات الإدارة الجماعية للحقوق (CMOs)، فضلاً عن التنقيب في 'الصناديق السوداء' (Black Boxes) لاسترجاع الحقوق والمستحقات المجمدة. إن هذا الدور المحوري هو ما يؤسس لبنية تحتية صلبة تضمن استدامة النموذج الاقتصادي للمبدعين في خضم منظومة رقمية بالغة التشابك.
من أفريما إلى تايمز سكوير والأسطوانات الذهبية
لم تتشكل ملامح المسار المهني لكرم المختاري دفعة واحدة، بل تدرجت عبر محطات نوعية رسخت مكانته داخل المشهد المغربي أولاً قبل أن تمتد نحو الساحات العالمية. فقد برز دوره في البداية داخل الأعمال المغربية التي حققت حضوراً قوياً ضمن جوائز AFRIMA القارية، حيث شارك في أربعة ترشيحات بارزة لأعمال مع Fnaire، Aminux، وVAN، وجميعهم من حاملي الأوسمة الملكية، إضافة إلى تتويج Shayfeen بجائزة أفضل فنان في شمال أفريقيا.
وانطلاقاً من هذا الحضور القاري، توسّع تأثيره إلى الساحة الدولية، إذ حظي أحد الأعمال التي أشرف على إخراجها الفني بظهور لافت في ساحة تايمز سكوير بمدينة نيويورك، وهو ظهور عالمي رمزي يؤكد انتقال عمله من فضاء محلي إلى واجهة دولية ذات تأثير واسع، كما رسّخ كرم المختاري موقعه داخل السوق الأميركي عبر مجموعة من الإنجازات النوعية ضمن مشاريع أميركية، تمثلت في الحصول على شهادتي RIAA Gold، وبلوغ مراتب متقدمة على قوائم Billboard، إضافة إلى احتلال المراكز الأولى على Apple Music ضمن تصنيفات مختلفة.
معادلة النجاح الجديدة
إن الجمع بين هندسة الصورة ومنظومة تحصين الحقوق لا يقدّم مجرد نموذج مهني جديد، بل يرسخ مرجعية مؤثرة داخل الصناعة الموسيقية المغربية، تُعيد تعريف معايير الاحتراف وتؤكد أن الوصول إلى العالمية لم يعد يعتمد على الموهبة الفنية وحدها، بل على القدرة على بناء منظومة متكاملة تحمي العمل وتضاعف من أثره.
وتقوم هذه المرجعية على رؤية تعتبر الأغنية مشروعاً كاملاً يبدأ من الفكرة الأولى وتكوين اللحن والكلمات، قبل أن يتحول إلى أصل من أصول الملكية الفكرية، مصاغاً وفق أسس قانونية وتسويقية تضمن له قيمة تجارية مستدامة وقدرة على المنافسة داخل أسواق بالغة التعقيد. هكذا يرسخ كرم المختاري معادلة متكاملة تمكن الفنان من تحقيق حضور عالمي متين يقوم على ثلاثة أعمدة: قوة الإبداع، واحترافية الصورة، وصلابة الحقوق.
