الرئيسية | اقتصاد | إلى حكومة "العثماني"...هل يكون التضامن بإفراغ جيوب المغاربة دائما؟

إلى حكومة "العثماني"...هل يكون التضامن بإفراغ جيوب المغاربة دائما؟

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
إلى حكومة "العثماني"...هل يكون التضامن بإفراغ جيوب المغاربة دائما؟
 

بقلم : إسماعيل الحلوتي

على بعد أزيد من سنة، كانت حكومة الأمين العام لحزب "العدالة والتنمية" ذي المرجعية الإسلامية سعد الدين العثماني، قد قامت خلال شهر شتنبر 2019 في إطار ما دأبت عليه من تخبط وارتجال في اتخاذ القرارات اللاشعبية، والبحث المستمر عن الحلول السهلة، بفرض رسم ضريبي على المغاربة تحت مسمى "التضامن ضد الكوارث الطبيعية"، وهو رسم تخصص مداخيله بموجب القانون لفائدة صندوق يتكفل بتغطية الخسائر المادية والبشرية الناجمة عن الكوارث الطبيعية من فيضانات وزلازل وغيرها...

ولأنها تكاد لا تختلف عن سابقتها بقيادة سلفه الأمين العام السابق لذات الحزب عبد الإله ابن كيران، من حيث الافتقار إلى الحس الإبداعي والقدرة على الابتكار وإنتاج الثروة، فإن الحكومة عادت ثانية إلى ديدنها في خضم الأزمة الصحية الخانقة التي تجتازها بلادنا منذ مطلع شهر مارس 2020، جراء تفشي جائحة "كوفيد -19" وما خلفته من تداعيات اجتماعية واقتصادية قاسية، يصعب التعافي منها على المديين القريب والمتوسط، من خلال طرح ضريبة أخرى على أنظار البرلمان تندرج ضمن مشروع القانون المالي لعام 2021 تحت عنوان "المساهمة الاجتماعية للتضامن على الأرباح والدخول"، تطبق على الأجراء والموظفين باقتطاع نسبة 1,5 بالمائة من الدخل الإجمالي السنوي الصافي الذي يعادل 120 ألف درهم وبعض الشركات ولا تستثني حتى المتقاعدين، ابتداء من يناير 2021 على مدى سنة كاملة، من أجل تحصيل ما يناهز خمسة مليارات درهما قصد تعزيز رصيد "صندوق دعم الحماية الاجتماعية والتماسك الاجتماعي" الذي تم إحداثه في عهد الحكومة السابقة سنة 2012 ولم يعد أحد يسمع عنه أي شيء.

وهي الضريبة الجديدة التي وإن كان مهندسوها يزعمون أنها تهدف إلى توفير موارد مالية إضافية لصندوق التماسك الاجتماعي، وأن جزءا منها سيوجه إلى دعم الحماية الاجتماعية للعاملين في القطاع غير المهيكل لمواجهة تداعيات الوباء الفتاك، فقد أججت نيران الغضب في صدور المواطنات والمواطنين، وأثارت جدلا واسعا في منصات التواصل الاجتماعي انضاف إلى ما أحدثته تصريحات القيادي في حزب "المصباح"، الوزير السابق وعمدة فاس ادريس الأزمي الإدريسي حول معاشات البرلمانيين والجمع بين التعويضات واتهاماته للمؤثرين الاجتماعيين بالشعبوية المقيتة من ردود فعل غاضبة. إذ كيف للمواطن الاستغناء عن الفضاء الأزرق، في ظل غياب معارضة برلمانية قوية تتصدى للهجومات الحكومية المتوالية؟ فالحكومة على غرار سابقتها لم تفتأ تستهدف جيوب المواطنين وتعمل على إفراغها بدعوى الحاجة إلى تغطية عجز الميزانية المزمن، عوض البحث عن بدائل أخرى كاللجوء إلى تضريب الثروة ومراجعة الأجور العليا وإلغاء المعاشات الاستثنائية والحد من الامتيازات الضخمة وتعدد التعويضات والأجور، إذ طالما امتدت عملية الاستهداف إلى ملايين الفقراء عبر الزيادة في رسوم بعض المواد الأساسية، دون أن يقابل ذلك تحسن في مستوى الخدمات الاجتماعية، كما هو الحال بالنسبة للبلدان التي تحترم شعوبها.

والتضامن فضلا عن أنه من أبرز مظاهر التكافل بين أفراد المجتمع في مواجهة الشدائد والأزمات الإنسانية، ويقصد به التعاضد ومساعدة الإنسان الغني أو القوي للإنسان الفقير أو الضعيف عند الحاجة، وبما يساهم في رفع المعاناة عنه والتخفيف من آلامه وأحزانه، إذ تتحقق من خلاله بعض صور التكافل النبيلة وتتعزز قيم التعاون والتآزر، لاسيما أنه يستمد قواعده من التعاليم الدينية والوثيقة الدستورية

والمواثيق الدولية، فإنه يعد من أبرز شيم المغاربة وما عرفوا به من خصال حميدة ورثوها عن أجدادهم، ويدركون جيدا أنه قيمة رفيعة ومسؤولية تقع على عاتق الأفراد والجماعات حسب قدراتهم ومواقعهم.

ويشهد تاريخ الأحداث أن المغاربة كانوا ومازالوا حريصين على التضامن بمحض إرادتهم مع بعضهم البعض وحتى مع غيرهم من الشعوب الأخرى كلما دعت الضرورة إلى ذلك، خاصة عند اشتداد الأزمات وحدوث بعض الكوارث الطبيعية وحوادث السير وأثناء الحروب وغيرها. وبدا ذلك واضحا خلال هذه الظروف العصيبة التي تمر منها بلادنا جراء تفشي جائحة "كورفيد -19"، التي أحيت فيهم ثقافة التضامن المتجذرة في أعماقهم والمتأصلة في دينهم وتقاليدهم، وأبوا إلا أن ينخرطوا بكل تلقائية في مساعدة الفئات الهشة والمتضررة والمساهمة قدر المستطاع في صندوق كورونا، المحدث بتعليمات ملكية من أجل مواجهة تداعيات الوباء والحفاظ على السلامة الصحية للمواطنات والمواطنين...

إن المغاربة لا يرفضون أبدا التضامن الطوعي مع المصلحة العليا للوطن كلما دعت الضرورة إلى ذلك، لكنهم يرفضون أن تظل حكومة بلادهم بدون خيال سياسي وهي على بعد أمتار قليلة من بلوغ خط النهاية، حيث أنها رغم خضوعها ل"عملية جراحية" من أجل تلميع صورتها والرفع من أدائها، مازالت تتخبط في أوحال الارتجال والقرارات العشوائية، وغير قادرة على ابتكار الحلول الملائمة للمشاكل المطروحة وتجاوز الأزمات الطارئة. ويرفضون كذلك ألا تنتقي من الدستور إلا ما تراه قمينا بإسعافها، والسعي الحثيث نحو إخلاء التضامن من دلالاته العميقة وحمولته الإنسانية البليغة، وتحويله إلى مجرد عنصر ابتزاز ووسيلة لإفراغ جيوب المواطنين عبر الاقتطاعات الضريبية المتوالية والارتفاع الصاروخي في الأسعار، ليس فقط لمواجهة الكوارث الطبيعية وانتشار الأوبئة، بل حتى في تجاوز الاختلالات المترتبة عن سوء التدبير والتقدير. فأين نحن من العدالة الضريبية واسترجاع الأموال المنهوبة ومحاربة الفساد والريع وخلق ضريبة على الثروة...؟

مجموع المشاهدات: 5564 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (9 تعليق)

1 | Aziz
التضامن بطريقتهم
التضامن هناك من يزكي على امواله بطيب خاطره اما الاخذ بهذه الطريقة !!
مقبول مرفوض
3
2020/10/20 - 12:09
2 | محمد
الإعلام المجاور والكارطوني
يجب الثناء على هذه الخطوة من الحكومة. لأنها خطوة تضامنية. واش الي عندو 120000 الف درهم وعطا 1.5منها غيتاتر الدخل ديالو . خصوصا إلى مشا هاد الدعم لخوتو
مقبول مرفوض
-19
2020/10/20 - 12:22
3 | مواطن
مصلحة عامة
التضامن الحقيقي هو الشروع في ورش القضاء على الريع والمؤذونيات بجميع اشكالها. وكذا الشروع مستعجلا باتخاذ التدابير بإعادة الأموال المنهوبة والاموال التي لاتستفيد منها الدولة جراء التهرب الضريبي .وكذا القطع مع تقاعد الوزراء والبرلمانيين والقطع مع التعويضات المترتبة عن جمع الوظائف والمسؤوليات.... وكذا معاقبة كل مظاهر الاثراء الغير مشروع النانتح عن الغش والرشاوي .. واخيرا اتخاد التدابير لمنع استعمال البنزين وسيارات الدولة في الأغراض الخاصة.. غير هذا سنظل ندور حول موطن الداء في حلقة مفرغة...
مقبول مرفوض
8
2020/10/20 - 12:32
4 | عبد
التضامن
نعم يكون التضامن من جيوب المواطنين في حالة ان يكون التضامن بين الحكومة و البرلمان يجوز. هل كل من يتعدى راثبه 10الف درهم شهريا مريح .لماذا ننظر للمداخيل و ننسى المصاريف .هل يعلم هؤلاء المتضامنين ضدنا ان اغلبية الناس يتكفلو بالوالدين و الاخوان و الاخوات والاجداد و الاحفاد.
مقبول مرفوض
3
2020/10/20 - 12:38
5 | متتبع
Pas de respect
Quand un gouvernement ne manifeste aucun signe de respect envers le peuple, il ne doit pas s'attendre à ce que le peuple le respecte
مقبول مرفوض
4
2020/10/20 - 12:43
6 | مغربية
حكومة القهر
لاحول ولاقوة الابالله حكومة الاقتطاعات بامتياز في الازمات تتسول وتخرج من جيوب الموظفين المورد السهل. عوض إيجاد حلول جذرية تلجأ للترقيع وكأنها تعاقب هاته الفئة: الضريبة على الدخل الجد مرتفعة ، صندوق التقاعد الذي نهب ولم يحاسب المسؤولون.... حكومة عشوائية في تسييرها اعلموا أن هاته الفئة تساند فئات هشة . أغلب الموظفين يدرسون ابناءهم في المدارس الخاصة لاسيما السلكين الابتدائي والاعدادية يوفرون على الدولة مصاريف باهظة. الحساب يوم الحساب
مقبول مرفوض
0
2020/10/20 - 03:30
7 | Kar
Pourquoi la rente
Personne ne parle des rentes des parlementaires des directeurs de cabinets des salaires des offices publiques des hauts fonctionnaires qui touchent plus de 45000 dhs à 400000 dhs par mois vous ne voyez que le smicard ou le petit fonctionnaire qui touche au max 5000 dhs. Vous n avez pas honte le peuple est le petit mur
مقبول مرفوض
1
2020/10/20 - 06:32
8 | احمد محمد
Biliqui
المغاربة في سبات عميق، وعلى رأسها النقابات المتواطئة. نستحق هذه الاقتطاعات، الزيادة في كل مصاريف الحياة ...محكومة فاشلة بكل المقاييس، لك الله يا وطن...
مقبول مرفوض
1
2020/10/20 - 07:46
9 | امثدار
ياربي ياسيدي الطف بنا
حكومة اللحزاب تزيد اثقالل على المواطن للتبرع احزابها بالدعم وبالاجور والتعويضات الخيااية للحزبيين ..والباقي الفقايس. فاللهم انك رقيب على هذ ا الظلم فانتقم لنا منهم ....وحوه التعاسة والمكر والخديعة والنحس
مقبول مرفوض
-2
2020/10/20 - 08:02
المجموع: 9 | عرض: 1 - 9

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة