أخبارنا المغربية – عبد الإله بوسحابة
كما سبق أن أشار موقع "أخبارنا" في مقال سابق، توصلت هيئة التحرير بوثائق ومعطيات دقيقة تفيد بتوصل وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار بطعن إداري رسمي بخصوص ما وُصف باختلالات شابت مباراة توظيف أستاذ محاضر (01) في تخصص الإعلام والتواصل الرقمي والوسائط المتعددة، المنظمة بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بالقنيطرة، برسم دورة 29 نونبر 2025، والتي جرى اختبار العرض والمناقشة الخاص بها يوم الجمعة 19 دجنبر 2025.
وحسب مضمون الطعن، الذي وُجّه كذلك إلى كل من مدير الموارد البشرية بالوزارة، والمفتش العام، ورئيس جامعة ابن طفيل، فإن المترشح الطاعن أكد أن مراسلته تندرج في إطار الدفاع عن مبادئ الشفافية وتكافؤ الفرص، دون التشهير أو المساس بسمعة أي طرف، مع التشديد على ضرورة التحقق الإداري في وقائع اعتبرها مثيرة للاستغراب تستوجب التوضيح.
الطعن أشار أيضا إلى معطيات متداولة داخل الوسط الجامعي تفيد بوجود شبهة تضارب مصالح محتملة، بسبب علاقة (معينة) سابقة أو متواصلة بين بعض أعضاء لجنة المباراة وأحد المترشحين الذين تم استدعاؤهم لاجتياز مرحلة العرض والمناقشة، مع التأكيد على أن وجود مؤشرات وعناصر موثقة تفرض على الإدارة المختصة التحقق من احترام واجب الحياد، والتأكد من التصريح بالعلاقات المهنية عند الاقتضاء، واتخاذ ما يلزم من إجراءات التحفظ أو التنحي، وفق المساطر الجاري بها العمل.
ومن بين النقاط التي وصفها الطعن بـ"المقلقة"، تداول اسم مترشح بعينه باعتباره الفائز في المباراة قبل حتى الإعلان الرسمي عن النتائج وقبل استكمال المسطرة الإدارية، وهو ما خلق، حسب نفس الوثيقة، حالة من الاستياء والاحتقان في صفوف باقي المترشحين، خاصة في ظل غياب أي بلاغ رسمي يوضح مسار التقييم ومعايير التنقيط والترجيح المعتمدة.
كما توقف الطعن عند مسألة جوهرية تتعلق بمدى احترام التخصص الأكاديمي المطلوب في إعلان المباراة، مسجلاً تباينًا واضحًا بين المسارات العلمية للمترشحين، إذ تضم لائحة المتبارين مترشحين يتوفرون على شهادات عليا وتكوين أكاديمي مباشر في مجال الإعلام والتواصل والوسائط المتعددة، في مقابل مسارات أخرى يطرح بشأنها تساؤل مشروع حول مدى انسجامها مع التخصص الدقيق للمباراة كما هو محدد في الإعلان الرسمي.
وفي هذا السياق، طالب الطعن باعتماد شبكة تقييم مكتوبة، موحدة، ومعلنة، مع تعليل قرار الترجيح النهائي على أساس معايير موضوعية قابلة للتتبع والمراقبة، والكشف عن نتائج التنقيط المفصلة لمرحلة العرض والمناقشة، ضمانًا للشفافية وصونًا لحقوق جميع المترشحين.
ويكتسي هذا الملف بعدًا إضافيًا، لكون صاحب الطعن يندرج ضمن فئة الكفاءات المغربية التي كانت تقيم بالخارج، واتخذت قرار العودة إلى أرض الوطن للمساهمة بخبرتها في خدمة الجامعة المغربية، انسجامًا مع التوجيهات الرسمية الداعية إلى تثمين كفاءات مغاربة العالم، غير أن ما وقع، حسب تعبيره، يعكس استمرار ممارسات من شأنها تقويض الثقة في آليات الاستحقاق داخل بعض مباريات التوظيف الجامعي.
الجديد في هذا الملف، وفق ما علمه موقع "أخبارنا"، أن القضية لم تعد محصورة في الطعن الإداري، بل انتقلت إلى قبة البرلمان، من خلال سؤال كتابي وجهه النائب البرلماني "عمر أعنان" عن الفريق الاشتراكي – المعارضة الاتحادية، إلى وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، حول الخروقات التي تعرفها مباريات ولوج التعليم العالي وطرق تشكيل لجان الانتقاء. السؤال البرلماني تحدث أيضا عن اختلالات وخروقات متكررة تمس جوهر مبادئ الاستحقاق وتكافؤ الفرص، وعن شكايات ومعطيات متطابقة تفيد بتنظيم مباريات بعيدًا عن المعايير الموضوعية المبنية على التخصص العلمي الدقيق والكفاءة الأكاديمية والتجربة المهنية الفعلية، مقابل تسجيل حالات إقصاء غير مبررة لمترشحين تتوفر فيهم الشروط العلمية والقانونية، واعتماد معايير غير معلنة أو متغيرة أثناء مراحل الانتقاء.
كما أثار السؤال البرلماني قلقًا بالغًا بخصوص أسلوب تشكيل لجان الانتقاء، في ظل غياب الانسجام بين تخصصات وكفاءات أعضائها وطبيعة المناصب المتبارى بشأنها، وغموض معايير اختيارهم، وغياب آليات واضحة لضمان الحياد وتفادي تضارب المصالح، مع الإشارة إلى مشاركة أعضاء يفتقرون للتجربة في التأطير والإنتاج العلمي، فضلاً عن معطيات تفيد بوجود ممارسات غير سليمة تؤثر على نتائج بعض المباريات، في ظل تقاعس أو تواطؤ محتمل لبعض المسؤولين، بما يمس مصداقية هذه المباريات ويقوض الثقة في الجامعة العمومية.
ووفق مصادر مطلعة، فإن صدى هذا الطعن بلغ المصالح المركزية للوزارة، حيث جرى فتح تحقيق إداري في الموضوع من أجل الوقوف على جميع الملابسات، خاصة بعد أن اتضح، حسب نفس المصادر، أن رئيس لجنة المباراة وأحد أعضائها لا تتوفر فيهما الشروط العلمية والأكاديمية اللازمة للإشراف على امتحان في تخصص الإعلام والتواصل الرقمي والوسائط المتعددة.
وتضيف المصادر أن رئيس اللجنة يشغل صفة أستاذ باحث بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين – شعبة اللغة العربية، فيما يتوفر أحد أعضائها على تخصص في "المنظومة العلامية بين البعد السيميائي والبعد الفيلمي: دراسة في الخطاب الفيلمي الإشهاري التلفزيوني"، وهو ما يطرح علامات استفهام كبيرة حول مدى انسجام تركيبة اللجنة مع طبيعة التخصص الدقيق للمباراة.
وبناء على مجموع هذه المعطيات، تؤكد مصادر "أخبارنا" أن هذا الملف بات يشكل اختبارًا حقيقيًا لمدى جدية وزارة التعليم العالي في تفعيل مبادئ الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة، وحماية الجامعة العمومية من منطق الزبونية والمحسوبية، في انتظار ما ستسفر عنه نتائج التحقيق والتدقيق الإداري الجاري، وما إذا كانت ستُتخذ قرارات تعيد الاعتبار لمبدأ الاستحقاق وتكافؤ الفرص داخل مباريات التوظيف الجامعي.
