أخبارنا المغربية- حنان سلامة
قد لا ينتبه كثيرون إلى أنهم، وهم يتحدثون الفرنسية يومياً، يستعملون عشرات الكلمات ذات الأصول العربية دون وعي بذلك. هكذا يلخّص اللغوي والمؤرخ الفرنسي جان بروفوست مفارقته اللافتة، مؤكداً أن اللغة الفرنسية مدينة للعربية بأكثر مما يُتداول في النقاشات العامة.
ويضرب بروفوست مثالاً بسيطاً من الحياة اليومية: “في الصباح، أتناول فنجان قهوة دون سكر ومعه عصير برتقال”، ليكشف أن كلمات مثل tasse (فنجان)، café (قهوة)، zéro (صفر)، sucre (سكر) وorange (برتقال) تعود كلها إلى أصول عربية. ويعلّق قائلاً: “من دون أن ننتبه، نحن نتكلم بكلمات عربية طوال الوقت”.
ويأتي هذا النقاش متزامناً مع الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية في 18 دجنبر، حيث يوضح بروفوست، صاحب كتاب «أسلافنا العرب: ما الذي تدين به لغتنا لهم»، أن العربية تُعد ثالث أكثر لغة أثّرت في الفرنسية من حيث الاقتراض اللغوي، بعد الإنجليزية والإيطالية.
وفي السياق ذاته، كان الباحث رولان لافيت قد أكد، في تصريح سابق لإذاعة فرانس كولتور، أن ما بين 400 و800 كلمة متداولة في الفرنسية اليومية تحمل بصمة عربية واضحة، وتشمل مجالات متعددة، من العلوم إلى المطبخ والجيش والموسيقى.
ومن بين هذه الكلمات نجد algèbre (الجبر)، algorithme (الخوارزمي)، chiffre (رقم)، zéro (صفر) وazimut (السُّمت)، وهي مصطلحات دخلت الفرنسية خلال العصر الذهبي للحضارة العربية، خصوصاً عبر الأندلس. كما تعود كلمات أخرى مثل amiral إلى الأصل العربي “الأمير”، وhasard (الصدفة) إلى “الزهر”، وassassin إلى “الحشّاشين”، وإن كانت قد وصلت إلى الفرنسية عبر لغات وسيطة.
ويُميز بروفوست ست قنوات رئيسية دخلت منها الكلمات العربية إلى الفرنسية، أولها الحروب الصليبية التي فتحت أعين الأوروبيين على حضارة الشرق، ثم الوجود العربي في إسبانيا، الذي نقل تراثاً علمياً ولغوياً لا يزال حاضراً إلى اليوم. كما لعب التبادل التجاري في حوض البحر الأبيض المتوسط دوراً محورياً، حيث دخلت أسماء منتجات مثل aubergine (الباذنجان)، abricot (المشمش)، artichaut (الخرشوف) وépinard (السبانخ).
وفي القرن التاسع عشر، ساهم الأدباء والرحالة الفرنسيون في إدخال كلمات عربية إلى الأدب، خاصة مع موجة الاستشراق، كما يظهر في أعمال فيكتور هوغو ولامارتين. لاحقاً، أفرزت فترة الاستعمار معجماً جديداً مرتبطاً بالجيش والحياة اليومية، من قبيل bled، gourbi، toubib وnouba.
أما اليوم، فتؤكد الدراسات أن ثقافة الشباب وموسيقى الراب أصبحت قناة جديدة لتداول الكلمات العربية داخل الفرنسية الحديثة، من خلال مفردات مثل wesh، kiffer، seum وzouz، التي تُستعمل كما هي تقريباً دون ترجمة.
وهكذا، بعيداً عن السجالات السياسية والهوياتية، تكشف اللغة نفسها حقيقة يصعب إنكارها: العربية ليست ضيفاً عابراً على الفرنسية، بل مكوّناً أصيلاً في تاريخها، وحاضرة في تفاصيلها اليومية، من فنجان القهوة إلى لغة الشارع.
