إيجو" قصة تسول بنكهة المطاردة"

إيجو" قصة تسول بنكهة المطاردة"

أخبارنا المغربية

أخبارنا المغربية:أحمد الهلالي

ما أن تطأ قدميك المحطة الطرقية بمدينة إنزكان ،حتى تستقبلك "إيجو" بلباسها الرث والممزق،الذي يوحي لك أنها خلصت للتو من معركة حامية الوطيس،لتمد لك راحة يديها الخشنتين من نافدة سيارة الأجرة ،التي قادتك الأقذار لإمتطائها مستعطفة إياك درهم أو درهمين.

إيجو أو "إبا إجو" كما يحلو لمستخدمي سيارات الأجرة مناذاتها،ليست الوحيدة التي تمتهن التسول داخل هذه المحطة التي تتوسط قلب العاصمة الإقتصادية لسوس ،فهناك العديد من النساء اللواتي قدفت بهم الأقدار لمطاردة كل دخيل لهذا المكان.

إيجو بين سندان الترمل وويلات الزمان وغدر الأخوة

إيجو نموذج للمرأة القروية التي كافحت منذ نعومة أظافرها من أجل تربية إخواتها الصغار وضمان قوت يومهم بعد وفاة الأم، لما يحثمه عليها واجبها كإبنة بكر فبعينين ذابلتين وغارقتين في جحرهم تتراقص فيهما دموع الآلآم والآسى تسترجع شريط ذكريات طفولتها وشبابها الذي أفنت أريجه في رعاية إخواتها الصغار حتى نسيت نفسها فكانت بمثابة الشمعة التي تذوب وتحترق لتضئ الطريق للآخرين ، وبنفس عميق وكلمات متقطعة ومبعثرة تكتم حزنا وجرحا دفينا تحكي كيف تخلى عنها من سهرت الليالي الطوال على تربيتهم وتركت أمعائها لتعزف سمفونية الجوع لأيام عديدة لإطعامهم،  وما أن إشتد عودهم حتى هجر الكل صوب المدينة للعمل وتركوها وحيدة بين جدران بيت طيني وقد بلغ منها الشيب عاتيا...ولم تجد من يؤنس وحشتها غير الفئران شتاءا والزواحف السامة صيفا..لتقرر حزم كومة مليئة بملابسها فوق ظهرها وتنتظر بالقرب من الطريق المعبد المخترق لقريتها لإمتطاء أول "حافلة" تلوح بين عتمة ظلام الفجر صوب "المدينت" كما تنطقها بلهجتها الأمازيغية.

إستعطاف لقمة العيش وراء زجاج سيارة الأجرة

تمشي بخطى متسارعة لتعانق باب سيارات الأجرة وترمق أيادي ركابها عساها تمتد لجيوبها لتخرج منها درهم أو درهمين تضيفها لمحصولها اليومي الذي يقل أو يزيد مع غروب كل يوم، فغلاء المعيشة وقلة اليد وخذلان قوى الجسم جعلت "إيجو" تطارد كل السيارات الداخلة والخارجة من محطات إنزكان فكل سيارة بالنسبة لإيجو هي بمثابة درهم لها وعليها أن لا تغفل عنها في صراع مع باقية من هن يمدن أيديهن مثلها.

 

عيون رحيمة وعيون مشمئزة

إيجو تدري أن سباقها مع سيارات الأجرة داخل هذه المحطة من أجل جمع دريهمات تقيها لهيب المعيشة المفرطة ليس بالأمر المفروش بالورود فوسط شرود وصمت شبيه بالموت تحكي عن ما تعرضت له صيف العام الماضي بعدما ألحت على سيدة يبدو أنها الطبقة الثرية أن تمدها ببعض النقود لتتفاجأ بردة فعلها التي لم تكون في حسبانها وما جعلتها تفكر يوما ما في ترك جدران بيتها الطيني بالقرية،وبتقاسيم وجه حادة تمني النفس لو أن قواها الجسمية ما خانتها لتنقض على من بصقت في وجهها وأشبعتها وبيل من السبب والشتم.

وفي خضام الحديث إبتسمت إبتسامة مغشوشة لتتذكر سيدة أخرى جاءت بحثا عنها ومدتها ببعض الملابس وطرد بريدي به "بركة" أنستها مطاردة "الطاكسيات" خلال ذاك اليوم ورجعت أدرجها لغرفتها التي تكتريها بنواحي أيت ملول لتمنح لخديها المنكمشين دفء الوسادة وراحة ليوم واحد في إنتظار معاكسة دخلاء المحطة ومطاردة عجلات سيارات الأجرة المتسارعة ....

حلم مؤجل

تجمع "إيجو" أنها لم ترضى يوما أن تمد يديها لزجاج السيارات لإستعطاف الركاب ما تسد به رمقها، وأن تحرم نفسها الراحة والعيش في بيئة يتوفر فيها الحد الأدنى لضروريات الحياة.

وتمن النفس في التفاتة من المسؤولين ومن المحسنين، آملة أن يتم النظر إلى أحوالها وإخراجها من حياتها التي تستثنيها من العيش كمسنة مغربية كريمة، وفي انتظار تحقق ذلك ما عليها سوى النهوض باكرا وملاحقة سيارات الأجرة في رحلة ركض قد لا تنتهي إلا بانتهاء حياتها التي تدور في دائرة البؤس السرمدي.


هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات
المقالات الأكثر مشاهدة