الصين تتكيّف مع الحرب التجارية: استراتيجية ثلاثية لمواجهة التصعيد الأمريكي
أخبارنا المغربية - وكالات
اعتمدت الصين نهجاً استراتيجياً ثلاثي الطبقات لمواجهة تداعيات الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، وفق ما أفادت به الباحثة ليدزي لي في مقال نشرته مجلة ذا ديبلومات. وتؤكد لي أن بكين لم تعد ترى في الصراع التجاري انحرافاً عن المسار الطبيعي، بل تعتبره جزءاً من المشهد العالمي الجديد، وتسعى للتأقلم معه عبر إعادة تموضع اقتصادي ودبلوماسي محسوب.
في المقام الأول، ركّزت الصين على تعزيز مرونتها الداخلية من خلال تحفيز الاستهلاك المحلي، الذي انتقل من كونه هدفاً اقتصادياً إلى ضرورة استراتيجية. وقد بدأت الحكومة تنفيذ حزمة واسعة من السياسات تشمل إعانات مالية مباشرة للأسر، وتوزيع قسائم استهلاك، وتسهيلات في سوق العقارات، إلى جانب خفض الفوائد وتوسيع الائتمان للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة. كما تحوّل تركيز النمو نحو قطاعات الخدمات والسياحة، لتقليل الاعتماد على التصدير وتقوية قاعدة الطلب الداخلي.
في المستوى الثاني، صعدت بكين ردودها التجارية تجاه الولايات المتحدة من خلال فرض رسوم جمركية تصل إلى 125% على الواردات الأمريكية، وتشديد الرقابة الجمركية على المنتجات الاستراتيجية مثل أشباه الموصلات والمكونات الجوية، إضافة إلى فرض قيود على تصدير معادن نادرة مثل الغاليوم والغرافيت. إلا أن الصين تجنبت حتى الآن استخدام أدواتها الاقتصادية الأكثر تأثيراً، مثل حظر صادرات البطاريات والمكونات الصيدلانية، لتفادي زعزعة سلاسل التوريد بشكل قد يرتد سلباً على الداخل الصيني.
في الوقت ذاته، تعمل الصين على تعزيز نفوذها الدبلوماسي الإقليمي، مقدّمة نفسها كقوة مسؤولة وأكثر قابلية للتنبؤ، لا سيما في مواجهة الضغوط الغربية. وقد ظهر هذا التوجه جلياً في مؤتمر الحزب الحاكم الأخير حول دبلوماسية الجوار، وفي الزيارات التي أجراها الرئيس شي جين بينغ لدول آسيوية مثل فيتنام وكمبوديا وماليزيا، ساعياً إلى ترسيخ شراكات توازن النفوذ الأمريكي في المنطقة.
ورغم هذه التحركات، تواجه الاستراتيجية الصينية تحديات داخلية كبيرة، أبرزها تفاوت الدخل، وضعف شبكات الأمان الاجتماعي، وهيمنة الدولة على النظام المالي. وتُضاف إلى ذلك القيود التي تفرضها القومية المتصاعدة، إذ تعزز الحكومة سردية "الصمود الوطني" في مواجهة "الابتزاز الأجنبي"، مما يضيق هوامش المناورة الدبلوماسية ويُعقد أي احتمال لتقديم تنازلات مستقبلية.
على المستوى العالمي، تسعى الصين لإبراز نفسها كمدافع عن العولمة وشريك منصف، لكنها لا تزال تُواجه سجلّاً حافلاً من الضغوط الاقتصادية على دول مثل أستراليا وكوريا الجنوبية والفلبين. ويبدو أن كثيراً من الدول باتت تتحوط وتفضل عدم الانحياز لأي طرف، خاصة مع عودة دونالد ترامب التي تُضيف طبقة جديدة من عدم اليقين للتوازنات الجيوسياسية.
في المحصلة، لا تراهن بكين على حل تفاوضي شامل ولا تسعى للعودة إلى الوضع الذي سبق 2018، بل تصوغ استراتيجيتها على أساس "الصمود الذكي" واحتواء الخسائر، مع تركيزها على تعديل التوقعات محلياً ودولياً. الحرب التجارية لم تعد حدثاً عارضاً، بل باتت - في نظر الصين - سمة دائمة للمشهد العالمي الجديد، تتطلب استعداداً طويل الأمد ومناورة محسوبة على جميع الجبهات.
