"صفقة أبراهام" تحسم ملف الصحراء المغربية .. الكابرانات يبحثون عن مخرج لتبرير إهدار 500 مليار دولار من أجل قضية خاسرة
أخبارنا المغربية ـــ عبدالإله بوسحابة
يعيش المشهد الدولي منذ أسابيع على وقع تحوّل واضح في مقاربة قضية الصحراء، تحوّلٌ يعكس انتقال موازين النقاش داخل الأمم المتحدة نحو حلول واقعية تتقاطع في جوهرها مع المقترح المغربي للحكم الذاتي.
وتشير تقارير إعلامية إلى أن المداولات الأخيرة داخل مجلس الأمن، وما تسرب من صيغٍ أولية لمشاريع القرارات، تُظهر أن قوى دولية كبرى باتت يعتبر أن استمرار الوضع الراهن لم يعد ممكناً، وأن الحل السياسي يجب أن يُبنى على أرضية واقعية تحفظ الاستقرار الإقليمي وتُراعي موازين النفوذ القائمة.
في خضم هذا التحول، تبدو الجزائر أمام معادلة معقدة: فبينما تتجه الدبلوماسية الدولية نحو تثبيت منطق "الواقعية السياسية"، تجد المؤسسة الحاكمة نفسها مضطرة إلى البحث عن سردية داخلية تبرّر تراجع موقعها في هذا الملف. وقد برزت في هذا السياق محاولات إعلامية وسياسية عديدة تروم ربط الموقف الدولي المتجدد باتفاقات إقليمية، وعلى رأسها "صفقة أبراهام"، في محاولة لتأطير التحولات الجارية ضمن إطار المؤامرة أو العقاب السياسي على مواقف الجزائر من قضايا التطبيع.
هذا الخطاب التبريري، وإن كان يجد صدىً لدى بعض الأوساط الداخلية، إلا أنه يتجاهل السياق الأوسع للتحولات الجيوسياسية التي أعادت رسم أولويات الفاعلين الدوليين. فالمواقف الداعمة للحل المغربي ليست وليدة "صفقة" ظرفية، بل هي امتداد لتوجهات دبلوماسية متراكمة منذ اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، وتنامي القناعة لدى عدد من الدول الأوروبية بأن المقاربة المغربية توفر مخرجاً عملياً لتسوية نزاع طال أمده.
في المقابل، يطرح هذا المشهد أسئلة داخلية متزايدة حول حصيلة الخيارات الجزائرية في هذا الملف، وحول حجم الإنفاق ( أزيد من 500 مليار دولار) الذي تم تخصيصه طيلة عقود دون تحقيق نتائج ملموسة. فمع تصاعد الوعي الشعبي وارتفاع منسوب النقاش العام، لم يعد ممكناً تجاهل تساؤلات الرأي العام حول جدوى الموارد الدبلوماسية والمالية المسخّرة، ومدى كفاءتها في الدفاع عن المواقف الرسمية.
ما يثير القلق أكثر هو أن استمرار اعتماد نفس الأساليب التبريرية، القائمة على استحضار "المؤامرات الخارجية"، قد يعمّق الهوّة بين الدولة ومواطنيها. فالمجتمع الجزائري بات أكثر اطلاعاً على مسارات القرارات الأممية وتفاصيلها، ولم تعد الشعارات كافية لتغطية العجز في النتائج.
وعموما، فالمرحلة المقبلة ستفرض على الجزائر مراجعة حقيقية لطريقة إدارتها للملف، ليس فقط على مستوى الخطاب الخارجي، بل أيضاً في ما يتعلق بآليات الشفافية والمساءلة الداخلية. لأن أي تراجع جديد في الموقف الدولي لن يمكن تغطيته بإعادة إنتاج نفس السرديات، بل سيفرض مواجهة الأسئلة الجوهرية التي تراكمت حول الكلفة والجدوى والمسؤولية.
في النهاية، يبقى ما يُروَّج له اعلام الكابرانات حول ارتباط تطورات الصحراء بـ"صفقة أبراهام" محاولة لتهدئة الرأي العام أكثر منه قراءة واقعية لما يجري على الساحة الدولية. أما الحقيقة فهي أن التحول الحاصل اليوم نتاج توازنات دولية جديدة، وأن مستقبل هذا الملف سيتوقف على قدرة الجزائر على قراءة هذه التحولات ببراغماتية، لا بردود فعل دفاعية، وعلى استعدادها لفتح نقاش داخلي صريح حول اختياراتها ومردودها الدبلوماسي خلال العقود الماضية.

