هل هذا عام (الميكا ) لدى المغاربة كما سبقه عام (البون)وعام( الجراد) سابقا ؟
عبد الرحيم هريوى
في زمننا ونحن أطفال صغار كنا نذهب عند البقال لاقتناء حاجياتنا من المواد الغذائية وكان يضعها لنا في أكياس مصنوعة من الورق ، وكنا نسميها بعاميتنا المغربية ( الشكارة ) والتي ما زالت تحافظ على تواجدها حتى الآن عند بائع القطنيات بالأسواق الأسبوعية ، كما أن ثقافة القفة كانت سائدة في مجتمعنا المغربي التقليدي عند الأجداد ، وكان الحرفيون التقليديون يبدعون في صناعتها من مواد مختلفة سواء من الدوم أو القصب أو غيره ، وكان لا يخلو أي بيت مغربي من هذه الوسيلة المهمة التي كانت تصاحب الوالد عادة إلى الأسواق الأسبوعية ليملأها عن آخرها مما تحتاجه الأسرة من خضر ولحم ومواد أخرى أساسية ، لأن استهلاك الأسرة المغربية وخاصة في البوادي والأرياف تعودت على شراء مؤونة الأسبوع كاملة..
لكن مع التطور الإنساني والاكتشافات العلمية الدقيقة في جميع مناحي الحياة تغيرت عدة عادات وتقاليد قديمة لدى الإنسان المغربي ،وأمست حياته مرتبطة بما تنتجه الآلة التقنية وتهيئه له من منتوجات صناعية لا تخلو من سلبيات خطيرة على صحته وسلامته وسلامة محيطه البيئي والاجتماعي رغم منافعها الاقتصادية ونخص هنا بالذكر مثلا النيلون واللدائن (البلاستيك) وكلها مواد مصنعة أمست سمة هذا العصر الحديث ، وقد غزت كل الصناعات غزوا كبيرا كالمواد الطبية والأواني المنزلية ومواد التجميل والآت التصوير وغيرها، لكن المغاربة عادة ما يستعملون كلمة( ميكا ) لكل شيء مصنوع من البلاستيك وأصبح المغاربة كلهم في علاقة حميمية منذ سنين مع هذا المنتوج البخس الثمن ، مما ساهم في القضاء على أكثر من صناعة تقليدية كانت عدة أسر مغربية ( تتمعش) منها ، فقد تغيرت ثقافة المجتمع المغربي العصري رأسا على عقب ،وهجر كل ما كان يفتخر به أجداده ، وانفتح بشكل كلي و مخيف على ما تنتجه الشركات العالمية العملاقة بسبب الاستيلاب عن طريق الإشهار الجذاب وسهولة الاستعمال و انخفاض في الأسعار وأصبح المجتمع المغربي شبيه بالمجتمع الغربي باكتسابه السلوك الاستهلاكي الأعمى و اليومي وهو سلوك قبيح جدا وخاصة بالنسبة للأطفال ، وهو غريب عن مجتمعنا المغربي التقليداني . وقد توطدت علاقة المغاربة مع منتوج ( الميكا ) حتى أصبحت منتشرة في كل مكان من المعمور بل الأكثر من هذا أمست الأكياس البلاستيكية بالإضافة إلى نتائجها الكارثية على المحيط البيئي للإنسان حيث أنها لا تحلل إلا بعد مرور عقود عدة من الزمان ، تساهم في التشويه القبيح لمدننا وقرانا وخاصة في مداخلها ومخارجها والتي يجب أن تكون جذابة جدا وتعطي صورة جميلة عن الحضيرة أو القرية ، وعندما ترى من بعيد كومات من الأكياس هنا وهناك تظن نفسك أمام بساتين ملونة لكن للأسف من مخلفات هذا المنتوج العجيب . وبالمناسبة فخلال زيارتي الأخيرة لمدينة شفشاون خلال السنة الماضية، وبعدما توجهت إلى أصيلا فمررت حينذاك على مدينة تطوان ، فشاهدت منظرا اشمأزت منه نفسي كثيرا ، وهي كارثة بيئية بكل المقاييس والذي أحدتثه هذه الأكياس البلاستيكية للمنظر الخارجي لمدينة تطوان ، وقد تألمت كثيرا لما شاهدت ذلك المنظر القبيح وقلت في نفسي ما هو شعور سياح أجانب وهم يشاهدون ما أشاهده أنا الآن بأم عيني ؟؟
ولما سمعت عن القيام بحملة و طنية تحت شعار (زيرو ميكا) لجمع هذه الأكياس عبر ربوع المملكة غمرتني سعادة كبيرة وقلت في نفسي ربما نعتبرها خطوة ألف ميل. ستساهم في تنظيف محيطنا البيئي المشوه بهذا المنتوج الخطير وبعدها ربما سنكسب المواطن والمواطنة سلوكات بيئية سليمة حول كيفية القضاء على هذه الأكياس والتي ربما أضرارها أكبر بكثير من منافعها...
وكان لابد لأكثر من جهة ومؤسسة بالبلد أن تأخذ الموضوع بالجدية اللازمة في محاربة هذه الأكياس وتدفع به إلى الأمام بشتى الطرق والوسائل حتى آخر محطة له في محاربته، ولو بالعقوبات الزجرية عن طريق وضع قوانين تشريعية تمنع استعمال هذا المنتوج العجيب. ولكن للأسف أصبح المغاربة كلهم مدمون على استعمالها ، ولما تم بدء تطبيق هذا القانون في منع استعمال هذه الأكياس البلاستيكية رفع المغاربة مستهلكون منهم وباعة شعارهم ( كلشي تقيصوه إلا الميكا )ولعله عام الميكا كما ذكرونا الأجداد المغاربة في الحرب العالمية الثانية حيث جاء جفاف قاتل ضرب المغرب فسموه حينذاك (عام بوهيوف ) كما سموا عن عام آخر (عام البون) لأخذ الدقيق بالبون وحاجياتهم الأساسية الأخرى في عهد المستعمر الفرنسي بالمغرب... وفي عام هجمت فيه أسراب الجراد على مناطق كثيرة بالمغرب ،سموه المغاربة (عام الجراد) وهذا العام سنسميه نحن أيضا (عام الميكا) بامتيازلارتباطه بزيرو ميكا ومنعها أيضا من التداول بين المغاربة كأكياس بلاستيكية مضرة بالبيئة ومحيطها...
فمن عادة المغاربة أنهم كلما سمعوا بأن هناك شيء أو مادة ما ستفقد من الأسواق إلا ظهرت لديهم رغبة جامحة في جمعها والحصول على أكبر كمية منها ويلجأون إلى خزنها بكل الطرق الممكنة وتصبح لها قيمتها الغالية ومكانتها الرمزية في مجتمعنا المغربي وتصبح حديث الساعة في جل الأماكن العمومية ويتناقلون عنها ما استجد من الأخبار وينسجون عنها نكثا مغربية جديدة ، وحتى الفنانون المغاربة يستغلون الموضوع لتقديم اسكيتشات مضحكة في شأنها..
لكل هذا المغاربة غضبوا غضبا شديدا واحتجوا كل واحد بطريقته الخاصة ، وحتى إذا ما فتحت مع أحد الباعة الموضوع يجيبك بسرعة فائقة : ( وبقات ليهم عا الميكا ) (وربي بانت ليهم الميكا عا دابا ،وفين كانوا شحال هذا) ( وهاذ الميكا را ماعشين منها الفقراء مساكن )
وحتى المغربي وهو يمزح مع البقال صاحبه فيسأله مستفسرا إياه (واش عندك الميكا) وبعد هذا الهرج والمرج ، فالكل أصبح يترقب وينتظر ما ستسفر عنه الأيام القادمة بعد خروج القانون الزجري حيز التطبيق . فهناك من جمع وطم ما يكفي من الأكياس البلاستيكية لعيد الأضحى القادم في وقت كانت المفاجأة سارة للجميع بتواجدها بكميات كبيرة مع لوازم العيد الأخرى في الشوارع والأسواق الأسبوعية وبعدها تنفس الشعب المغربي الصعداء ولسان حاله يقول ( كلشي إلا الميكا)...
لكن التساؤل الذي بقي مطروحا حاليا هو هل هذه الأكياس البلاستيكية الموجودة الآن تختلف كليا عن القديمة ؟ وهل هي قابلة للتحلل بسرعة ؟ وهل ليست مضرة بالبيئة؟ أم لا شيء تغير...خاصة و(أن القانون الجديد يقضي بمنع وإنتالج واستيراد وبيع واستعمال الأكياس البلاستيكية في كل نقاط بيع السلع والمواد بمختلف أنواعها، إلا أن هذا القانون سيستثني الأكياس البلاستيكية المستعملة في الفلاحة والصناعة وكظم الحرارة والتجميد وجمع النفايات، حيث تم تحديد شروط ومعايير خاصة بها على أن يوضع عليها رمز يبين غرض استعمالها ، مع منحها بالمجان للزبناء في نقاط بيع السلع والمواد أو تقديم الخدمات بعد التلفيف.
هذا و سيعمل القانون الجديد على تشديد الرقابة وتوعد المخالفين بعقوبات صارمة تتمثل في أداء غرامة تتراوح بين 20 ألف درهم و100 ألف درهم، في الوقت الذي يغرم كل من يسعى لبيع أو توزيع الأكياس ما بين 10 آلاف و50 ألف درهم)* 1
المصادر المعتمدة :1/ تفاصيل قانون منع الأكياس البلاستيكية الذي سيدخل حيز التنفيذ بعد أسبوعين .
