نظرة في أسباب فشل إصلاحات نظام التربية والتكوين بالمغرب

نظرة في أسباب فشل إصلاحات نظام التربية والتكوين بالمغرب

مولاي علي الإدريسي

 

عرف المغرب منذ الاستقلال إلى اليوم عدة مستجدات في ميدان التربية والتكوين وكان أهمها برامج مخططات الهيكلة والميثاق الوطني للتربة والتكوين و البرنامج الاستعجالي والرؤية الاستراتيجية ( 2015-2030) ناهيك عن عما حملته هذه البرامج من حمولات بيداغوجية وديداكتيكية واستراتيجية كلها من أجل الدفع بعجلة المنظومة التعليمة والتربوية نحو غذ أفضل ومستقبل زاهر حافل بالنتائج الإيجابية للرفع من مستوى التنمية على جميع الميادين الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية ...غير أن واقع الحال لا يؤشر ولو بعشر مردودية تلك البرامج والمحاولات الكثيرة والمكلفة ليبقى السؤال المحير من المسؤول أمام فشل تلكم المخططات والبرامج؟! وماهي بعض السبل الممكنة لوضع حد لهذا التقهقر التعليمي والتربوي؟!.

 

لعل المتتبع للشأن التعليمي والتربوي ببلادنا سوف يلاحظ السرعة التي يتم بها تبني المخططات ولا تمر ولاية حكومية اٍلا ويحصل التجديد فيها بتجدد الشخصيات والوزراء وبتغير الجلابيب السياسية والقطاعية حتى أنه لا يمر على مخطط الفترة المحددة له للتنزيل والتطبيق و التقويم حتى يتم تبديله أو على الأقل تنحي مهندسيه أو المؤسسين له أو المنوطين إليهم متابعته وأجرأته مما لا يدع فرصة لهم وللبرنامج استكمال نموها وتحقيق مبتغاها .هذا الأمر كان في كثير من الأحيان سببا في خطابات جلالة الملك والتي دقت كم من مرة ناقوس الخطر في المنظومة التعليمية ودعا من خلالها اٍلى تنزيل البرامج ومتابعتها ..

 

كل ذلك يتمظهر كما يلي فمنذ سنة 1957 حيث تم إقرار اللجنة العليا لإصلاح التعليم للمبادئ الأربعة المعروفة بالتوحيد والتعريب والتعميم حيث أسيل المداد وتلقى ذلك حبرا من الانتقادات من كثير من الجهات التي شعرت بعذم الرضى وبالنظرة الدونية للمجتمع المغربي في فسيفساءه العربي والأمازيغي والإفريقي وفي محاولة للرجوع للخلف وتكريس لقومية ما كانت لتنتعش بواسطة فكر وثقافات وتاريخ غير ثقافته وحضاراته وتاريخه مما عجل سنة 1958 بإنشاء اللجنة الملكية لإصلاح التعليم والتي دحضت قرارات وتوصيات اللجنة السالفة الذكر خاصة في شقها المتعلق بالتعريب وخلال عام آخر أي سنة1959 تكونت ثالث لجنة تحت عنوان لجنة التربية والثقافة بتوجيه من حكومة عبد الله إبراهيم فيما يعرف بالمخطط التنموي حيث اعتمد على توحيد الأسلاك التعليمية والكتب المدرسية ومغربة الأطر وإنشاء مجلس أعلى للتعليم يتكون من ممثلين ومعينين وشخصيات معروفة متخصصة ومهتمة في الميدان لمدة أربع سنوات ذات صفة استشارية كما تم مواصلة التزاوج بين اللغة العربية واللغة الفرنسية بالتعليم إلى متم سنة 1964 وهي السنة التي عقدت فيه مناظرة المعمورة شهر أبريل تشكلت من شرائح سياسية حزبية ونقابية مختلفة للوقوف على مشاكل المنظومة التعليمية والتربوية وفي سنة 1970 جاءت المناظرة الوطنية الثانية وبعد ثلاث سنوات أي سنة 1973 طرح برنامجا استعجاليا فيما يعرف بالخطة الخماسية لما وقف على اختلالات تعليمية صعبة وخطيرة وجعل عمره خمس سنوات ومن أهدافه مغربة الأطر وتنمية التمدرس والحد من ولوج التعليم العالي وبعد سبع سنوات أي سنة 1980 جاء مشروع إصلاح التعليم ووضع شروط لولوج التعليم الجامعي كما توجه نحو التكوين المهني وبحلول عام 1985 حصل ما يعرف بالقويم الهيكلي والذي لايزال الكثير من معاصريه يتذكرون ما أتى به من تجهيز على العديد من المكتسبات على رأسها خفض النفقات المخصصة لهذا القطاع ومنذ ذلك الحين عرفت المدارس والمؤسسات العمومية التعليمية تكدسات عددية بسبب التدريس باعتماد الأقسام المشتركة ورفع اليد عن التعليم عبر التوجيه المقصود للمتعلمين نحو التكوين المهني والتقني وإيلاء القطاع الخاص أهمية نوعية عبر تشجيعه والتخفيف عن أعباء الدولة كشكل من أشكال التقشف

 

على حساب هذا القطاع الحيوي والعمود الفقري في أي تقدم ورقي لأي بلد متطور .ومنذ 1994 إلى حدود 1999 والملك يدعو ويشكل وبعطي تعليماته بتشكيل لجان ملكية واستشارية للتربية والتكوين والمجلس الأعلى للتعليم من أجل إيجاد حلول لكل المشاكل التي يتخبط فيها هذا القطاع وبسبب فشل كل البرامج والمخططات واللجان والمناظرات إلى إلى أن أعد الميثاق الوطني للتربية والتكوين والذي جاء في حلة جميلة شاملة وكأنه الناجي والمنقذ الأخير نظرا لما يحمله من مجالات ودعامات وتوصيات اعتبرها المحللون الخلاص والمرجع الذي لا مثيل له وخصص لذلك اعتمادات ضخمة ودعاية وتسويق مهم غير أنه بعد وقت غير طويل أعلن عن خيبة أمل الجميع وعلى رأسهم المجلس الأعلى للتعليم الذي صرح بكون الميثاق قد شابه خلل بين ولم يفلح لا على المستوى البيداغوجي ولا الديداكتيكي ولا المقاربات ولا على مستوى الوسائل فبقي التعليم رهين عاداته القديمة متمركزا على المحتويات وزاد ضعف المتعلمين لغويا ومعرفيا وكفاياتيا وجاء التقرير مهولا بسبب كوارث صفية ومدرسية على جميع المستويات التربوية والنفسية والاجتماعية والمادية وعم الكسل والغش في الامتحانات والغياب واستمر الهدر المدرسي والانقطاع عن الدراسة والفشل والغياب وتدنى دور المعلم والمتعلم والوسط التعليمي وظهرت في الأفق ما يشك على كونه سكتته قلبية في المنظومة لا سيما بين سنتي 2002 و2012 .

 

بعد ذلك أتى البرنامج الاستعجالي للإصلاح الذي حصد ملايير الدراهم وتم تحريك مساطر المتابعات ضد المفسدين فيه لكن لسبب أو لآخر تم إقبار تلك التحقيقات لحد الساعة كما بدرت أموالا ضخمة سابقة في برامج ومخططات لا مردودية لها ولا فعالية ولو تم إنفاق عشر ذلك فقط على البنيات التحتية المدرسية والتجهيزات وبناء المؤسسات والنقل المدرسي ورعاية ودعم المدرسين لما تقدم المغرب مئات الدرجات ولما أصبح يضرب به المثل عالميا.

 

وأخيرا وبسبب فشل كل ذلك مرة أخرى وبعد تعليمات جلالة الملك في خطاباته التي دائما تلح على ضرورة انقاد والاهتمام بالمنظومة التعليمية والتربوية وكذا درء كل ما هو سياسي في معالجة قضايا المغاربة سواء أثناء تغير المسؤولين أو الحكومات أو بسبب اختلاف المشارب جاءت الرؤية الاستراتيجية للإصلاح كآخر خيط من خيوط الأمل يتشبث به المغاربة من أجل الخروج من هذا التأخر والأزمة التعليمية والتربوية.

 

ذلك أنه لا يمكن لبلد أن يتقدم إلا بإيلاء العناية لمنظومته التعليمية والتربوية في شكلها الهيكلي والبنيوي من خلال تكليف أهل الاختصاص في الميدان بالمهمة ومحاربة المرتزقة والمقاولون التجاريون والسماسرة عن مجال حساس كالتربية والتعليم كما آن الأوان لوضع حد لوصاية السياسي على المجال التربوي والتعليمي واقتلاع هيمنة الأحزاب الحاكمة كل مرة عليه وتجسيد استقلالية التامة للقطاع الوصي من أجل العمل بكل أريحية في كل ما يخدم التربية والتكوين وإعادة الاعتبار للأستاذ الباحث في الميدان بعيدا عن التنظير في الأبراج العاجية واستيراد البرامج الإصلاحية والمخططات من بعيد ومن الدول التي لا تمت لبلدنا بصلة ثقافيا ولا تاريخيا ولا حضاريا ولا حتى دينيا ...

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

المقالات الأكثر مشاهدة