معذرة إليك يا أستاذي
عبد الرحمن قريشي
"تلك وحشية تفتك بالمناضلين السلميين، يشرعها قانون الغاب، وتنفذها قوات القمع والظلام، وهذه إهانة واحتقار للتعليم وأربابه، يحب الجهلة من الساسة تكريسهما في الأسرة والمجتمع والمؤسسات، حتى لا تقوم للوعي السياسي والحقوقي قائمة، فيخضع المواطن للإملاءات ويتنازل عن حقوقه!!".
هذه الحقيقة تدور بخلدي بل تسري في دمي، وأنا أمسك عصاي الغليظة، ألوح بها في وجوهكم، وأستعد للهجوم والانقضاض على الفرائس التي لا تملك غير الحناجر الصياحة والشعارات البراقة!
ولكن التربية التي تلقيتها في التكوين تصرخ في أعماق القلب: "بل هذه بطولة وطنية، تردع المخالفين والخارجين عن القانون، يشيد بها الدستور، لي شرف الانتساب إليها، أحفظ بها هيبة الدولة، وأقيم أركانها، ألم تسقط الدول القوية بسبب الفوضى والاحتجاجات غير المنضبطة بالقانون، ومحاولة كل فئة فرض أجندتها ومطالبها وأيديولوجيتها؟ بلى! ألست بهذا المعنى بطلا وطنيا أستحق النياشين؟ أليس لي عذر أي عذر في تهشيم الأنوف وتشويه الوجوه، وتكسير العظام، بل وإزهاق الأرواح؟".
من الناس من يقول: لا ذنب لنا، فنحن مجبرون على التنفيذ، ولكن ما كل إجبار يخلي من المسؤولية، فالإجبار على الزنا والتنفيذ لا يجتمعان، لأن الانتصاب لا يكون عن جبر وقسر، بل عن رغبة واختيار وإصرار.
تناقض عشته، حين لمحت من بين المحتجين أستاذا لي وخط الشيب فوديه، وعلا محياه وقار الشيب!
علمني ودرسني قبل ما ينيف على خمسة عشر عاما، وما زال كما يبدو في شعاراته يقبع فيما تسمونه: "الزنزانة 9".
وددت لو أتخلص من هذا الزي الذي يضفي علينا مظهر الوحوش الراكضة في جنبات الأرض، يأكل القوي منها الضعيف، أو المجانين الذين يأتون من الحماقات، ويرتكبون من العنف والوحشية ما يتنافى مع الذوق والعقل والأخلاق والحقوق ــ وددت لو أتخلص منه لأعانق أستاذي عناقا أبث فيه إليه ما يعتلج في صدري من محبة وعرفان...
ولكن هيهات! فالسياسة في بلداننا كالسحر تفرق بين الشرطي وأستاذه، وتجعل بينهما جبالا من الكراهية والحقد، وبحارا من الثأر والانتقام، دون التغلب عليها وتذليلها خرط القتاد وتجرع العلقم.
هذا تجبره وظيفته على توعية الناس بما لهم وما عليهم، يريد الحرية والمساواة والعدالة، وذاك تحتم عليه وظيفته الحفاظ على وضع قائم، قد يكون على النقيض، يكرس العبودية والطبقية والجور، أنى يلتقيان؟
معذرة إليك أستاذي، إنك لن تثبت في وظيفتك وتستمتع بحقك إلا بهذه الاحتجاجات والنضالات، أعرف هذا وأعترف به كما أعترف بفضلك علي، ولكني أيضا لن أثبت في منصبي إلا بقمع هذه الاحتجاجات ووأد هذه النضالات، وذلك قدرنا، وكلنا في النهاية مغاربة!!
فهل يأتي يوم نتآخى فيه، ونتعاون على خدمة هذا الوطن كما تفعل الأمم؟ يخالجني في ذلك شك عريض، لأن امتنا لم تبرهن على ذلك في تأريخها الممتد، والعلاقة فيها بين السياسة والوعي سوداء متوترة، ولكن: ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل!
فلنأمل، ولنأمل..!
