02/07/2020 14:20:00
عبد اللطيف مجدوب
رحم الله المجانية !
إلى عهد قريب كانت الدولة ؛ وبين الفينة والأخرى ؛ تلوح بشعار "خوصصة التعليم" ، " وسحب مجانيته" بعد أن لاحظت الفشل الذريع الذي واكب مسلسل إصلاحاته والأعباء المالية التي كانت تتكبدها الخزينة العامة ، فقد رصدت لهذا القطاع ميزانية 72 مليار و424 درهم ، برسم السنة المالية (2019 ـ 2020 ) ، أي ما يشكل نسبة مائوية هامة في الميزانية العامة ، بيد أن الدولة ستلجأ إلى أسلوب المناورة بعد أن أرهقها الحوار الأخرص والمضني مع الأطراف الفاعلة في الميدان ؛ من مهنيين ونقابيين وجمعويين ، للقبول بسياسة الخوصصة وسحب المجانية من القطاعين التعليم والصحة .
وفي ظل سياسة اعتقال "المعلومة" والتعتيم على مصادر الأخبار وما يجري في كواليس الحكومة تجاه هذين القطاعين التعليم والصحة ورافديهما العمومي والخاص ، ظلت ؛ وحتى الآن ؛ عقلية المخزن تعتقد أن التحكم في القطاعين ليس هو بالضرورة تدبير سياسته وترشيد نفقاته بقدر ما كان يهدف ؛ في المقام الأول ؛ إلى لعب دور طرف آخر كتاجر " بالمفهوم المالي الانتفاعي الضيق " الذي يرجح ملفا على ملف ـ دائما في القطاعين العمومي والخاص ـ بانتقائية بشعة قائمة على صك "من يدفع أكثر" ؛ بغض الطرف عن المؤهلات والحكامة في الفصل بين الفرقاء في القطاعين والارتقاء إلى النزاهة في خدمة المواطن وتبصيره بمستوى الجودة من عدمها ؛ كما تنص عليه المذكرات التشريعية التي تماثل نجوم السماء في عددها وتراكماتها .
بيد أنه ؛ ورغم هذا التعتيم المضروب على الفعل الحكومي ؛ يأبى الواقع والأحداث بصورة خاصة إلا أن تفضح هذه السياسة الانتقائية وتكشف مساحة الضرر والحيف التي يتخندق داخلها المواطن المغربي ، في احتكاكه اليومي بهذين القطاعين .
التعليم وترجيح أطروحة الخصوصي
يعلم الرأي العام الوطني أن قطاع التعليم الخصوصي شهد طفرة نوعية وهيمنة غير مسبوقة على الساحة ، بعد أن لجأ أربابه وممولوه وحماته ( وكلهم يحتلون مراكز حكومية حساسة ، منهم البيجيديون في وزارات عديدة ) إلى إطلاق حملة "حماية القطاع الخصوصي " من أي تبعات اقتصادية أوسياسية مالية ، فمعظم مؤسساته تشتغل بسياسة ومناهج تربوية لا دخل للوزارة الوصية بشأنها ؛ تنتقي المناهج وتفرض الرسوم وتبرمج الاختبارات وتقرر النتائج .. وفق هواها وتماشيا مع منطق الربح الذي يخوله لها قانون الاستثمار ، وحتى الرقيب أو ما يدعى "بالتأطير والمراقبة التربوية " يتم تعيينه تبعا لأرادتها وبشروطها الخاصة .
ولا يمكن ؛ في عجالة ؛ تشريح هذا القطاع لمعرفة السياسة التي تحكمه وتدير شؤونه وكذا نتائجه ومخرجاتها ، وأثر ذلك كله على الأطر المغربية ومؤهلاتها ، فقط سنكتفي بتقريب القارئ إلى هذا القطاع من خلال هذه المؤشرات :
* التعليم العمومي ؛ ولأسباب عديدة ؛ وقع التآمر عليه ليلفظ أنفاسه أمام غريمه التقليدي التعليم الخصوصي ؛
* تملص العدد الأكبر من مؤسسات التعليم الخصوصي من أداء ما تجمع بذمتها من استحقاقات ضريبية تصل عشرات المليارات ؛
* اختلالات في ضبط ملف التأمينات الصحية ، تكشف عنها أعداد المسجلين من التلاميذ والعدد المصرح به ؛
* التعليم الخصوصي يعتبر قطاعا استثماريا ربحيا ، يتعارض مطلقا مع الجانب التربوي ؛
* رسومات التعليم الخصوصي تخضع لحرية "الأسعار والمنافسة" وفيها إجحاف وضرب للقدرات المالية المحدودة التي تنتمي إليها جل الأسر المغربية ؛
* ليس هناك دورات تكوينية لفائدة العاملين بالقطاع ؛ علاوة على أن معظمهم طالبات قدمن من التعليم الثانوي أو مستوى البكالوريا
* ليس هناك قانون للضمان الاجتماعي يحمي هؤلاء العاملين بهذه المؤسسات ، والحال أن معظمهم لا يتجاوز مرتبه 2500,00 دهـ/شهريا ؛
* ليس هناك تعليم بهذه المؤسسات ، بل هناك ترويض التلاميذ على أداء بعض المواد الدراسية ، والتركيز على برامج المراقبة والاختبارات الانتقالية ؛
* لا وجود لجمعيات آباء وأولياء التلاميذ تابعة لهذه المؤسسات ، وحتى أدوارها غير مفعلة ؛
* المراقبة الصحية الدورية لهذه المؤسسات بالكاد غير موجودة ، وتتحجج إداراتها بأنها من مهام الأكاديمات الجهوية للتعليم ؛
* معظم نتائج هذه المؤسسات تخضع للنفخ Gonfler لتصل النسبة العامة للنجاح 100% .
أخطر من هذا والتعليم الجامعي الخصوصي !
* عدد مؤسسات التعليم العالي (جامعات ومعاهد عليا) التابعة للقطاع الخاص 229 ، بينما العدد التابع للقطاع العام 192 ؛
* عدد مؤسسات التكوين المهني (قطاع خاص) 581 مقابل 239 (قطاع عام) ؛
* عدد مؤسسات التعليم الأولي 20511 (قطاع خاص) مقابل 7667 (قطاع عام في التعليم الأولي والتعليم الابتدائي) ؛
* عدد مؤسسات التعليم الثانوي الإعدادي العمومي 1927 مقابل 654 في الخصوصي ؛
استنتاجات
نلاحظ ؛ من خلال الأرقام أعلاه ؛ أن التعليم الخصوصي زاحف وكاسح للميدان ، وتظل في سياقه "المجانية" مجرد شعار انقضى زمنه ، وبات على الأسر المغربية تبني والرضوخ للقطاع الخصوصي مهما ضعفت قدراتها المالية ، أي تبني التعليم بالمقابل وسحب المجانية . كما أن الحكومة تقف حامية لهذا القطاع بغض الطرف عن مستواه ومستلزماته وتكلفته ، كما لاحظ الرأي الوطني باندهاش كبير تغول هذه المؤسسات في ظل الحجر الصحي وباتت تنادي الأسر بتحصيل مستحقاتها من الرسوم الشهرية ، غير عابئة بالظرفية الاقتصادية الحرجة التي تجتازها في محنتها مع فيروس كورونا .
القطـــــــــاع الصـــــــــحي
لجأت وزارة الصحة مؤخرا إلى إغلاق بوابة التخصص أمام طلبة كلية الطب ، مؤملة أن تدفع بالقطاع العمومي إلى التقاط أنفاسه وتحريك خدماته ، لكن وبالمقابل فتحت أبواب التوظيف أمام القطاع الخصوصي في الطب العام لفتح العيادات والمراكز الاستشفائية ، جلهم وردوا من كليات الطب الخاصة ، وبذلك ليغرقوا الميدان ويضيقوا الخناق على الأطباء خريجي كليات الطب العام الذين يواجهون مأساة أخرى ؛ تتجسد في اكتساح أطباء القطاع الخصوصي للمجالات الاستشفائية ، فضلا عن صعوبات مالية لفتح العيادات .
كما أن هناك كليات الطب الخاصة ، وضعت تسهيلات جد مغرية أمام تسجيل الطلبة ، ولو بميزة (مقبول) في البكالوريا والقادرين على دفع رسوم التسجيل المقدرة ب 13 مليون سنتيم/سنة ، خلافا للمذكرة الوزارية التي تشترط معدلا لا يقل عن 14,40 ، مع احتساب نقط الامتحان الوطني ب 75% والامتحان الجهوي ب 25% .
استنتاجات عامة
* توافق الفرص منعدمة بين القطاعين ، والفرص دوما مرجحة لفائدة القطاع الخصوصي ، في التعليم أو الصحة ؛
* التوظيف مفتوح بامتيازات لصالح الطلبة خريجي المعاهد الخاصة ؛ احتكاما للكوطا أو المعدلات المحصل عليها ؛
* رسوب معظم الطلبة خريجي القطاع العام ، ولقاؤهم المصير المجهول ؛
* هناك إجراءات تنظيمية تتمسك بها الوزارة الوصية ، تمنح هامشا لترجيح التأهيل المهني والولوج إلى الوظائف العمومية فقط لصالح القطاع الخاص ؛
* مخرجات التعليم الخصوصي ؛ في مجملها ؛ لا تتوافق مطلقا مع معايير الولوج إلى سوق الشغل ، فأطرها تعاني من خلل في تدبير الملفات وسوء الجودة في أداء الخدمات ؛
* دبلومات وشواهد (المغرب عموما) غير معترف بها لدى سوق الشغل ، في العديد من دول العالم ؛
* أكدت مجموعة من النقابات التعليمية ذات الصيت الدولي " أن الدولة المغربية مسؤولة عن ضمان حق التعليم وعدم المتاجرة به " لافتة الانتباه إلى أنها تكرس لخلق مجتمع غير متوازن من خلال قطاعين متباعدين في التكوين (قطاع عمومي وقطاع خصوصي) .
... تفاصيل أكثر
... تفاصيل أكثر
عدد التعليقات (0 تعليق)
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟