المساجد التي يجب أن نشيدها في قلوبنا

أقلام حرة

02/05/2021 18:09:00

لحسن الجيت

المساجد التي يجب أن نشيدها في قلوبنا

القاعدة الشرعية والدينية تعتبر المساجد على أنها بيوتا من بيوت الله. كما تقول نفس القاعدة على أن صلاة الجماعة يضاعف أجرها عند الله، وكل خطوة نحو المسجد تسجلها الملائكة كحسنات في ميزان صاحبها. ولربما صلوات التراويح قد يفهم على أنها هي الأخرى قد تندرج في سياق هذه القواعد لكن لا وجود لما يفيد بأن أداءها لابد أن يكون في المسجد. ونحن في هذا الصدد يجب أن نميز في تلك القواعد ما بين الفروض والسنن .

ورغم ذلك، فلكل قاعدة استثناء. وديننا ليس دين تزمت فهو دين يسر لا دين عسر. ولو كان على عكس ذلك كما يريده البعض في هذه الأيام العصيبة لتلاشت نفحاته قبل أن تصل إلينا نحن مسلمو هذا العصر. وقد استرعى انتباهي تلك الحملة التي تشنها بعض أوساط الإسلاميين الموغلين في التطرف باستخدام الفضاء الأزرق للتصدي إلى المنع الذي اتخذته الدولة بإغلاق المساجد في وجه المومنين لأداء صلوات التراويح، مدعية بأن ذلك المنع يتنافى مع الدين ويمس بالمشاعر الدينية التي يحتفظ بها المغاربة في علاقتهم مع المسجد وما يحظى به من مكانة روحية في حياتهم. وتحاول تلك الأوساط تجييش وإلهاب تلك المشاعر حينما تقف من وراء فيديوهات تظهر مساجد المغرب وهي فارغة على عكس المساجد في بقية العالم العربي وغيره وكأن المغرب حالة شاذة ينعدم فيه الإيمان. ولذلك وجب علينا أن نشير إلى أن نوايا تلك الأوساط باتت مكشوفة وأنها تستخدم الدين لأغراض سياسية يراد بها التشكيك في التوجهات الدينية لدولة طالما كانت نموذجا في الوسطية والاعتدال كما يوصي بذلك ديننا الحنيف ويدعو إليه خير الأنبياء وخاتمهم.

وليس أسهل من مواجهة أولئك الذين يتاجرون بالدين سوى الرد عليهم بالاستثناءات التي يعتد بها الإسلام منها استثناء المريض في الصيام حينما يجيز سبحانه وتعالى للمريض بالإفطار ولا يلزمه بالصيام مصداقا لقوله "ومن كان منكم مريضا أو على سفر فعدته من أيام أخر" ، بل أكثر من ذلك أن الله بعظمته وجلاله أجاز للمسافر أن يفطر وهو أقل وضعية من المريض. ومن كان مريضا بمرض مزمن يشكل الصيام خطرا على حياته فإن الله يعفيه من الصيام ويلزمه بفدية من قبيل إطعام ستين مسكينا.

الله لا إله إلا هو الرحمن الرحيم بعباده يتسامح مع خلقه ويهون عليه أداء مناسك دينه بأقصر السبل وأسهلها وفي حدود المستطاع. وهذا ينطبق حتى على الأركان الأساسية في الإسلام كالصيام كما

سبقت الإشارة إلى ذلك. وكذلك بالنسبة للصلاة ، فإن الله قد وضع أمام المريض تسهيلات لأدائها كالتيمم بدل التوضؤ بالماء إن كان مضرا، كما يجوز للمريض في حالة عجزه أن يصلي بعينيه وهو مستلق على فراش المرض. والحج الذي هو ركن من أركان الإسلام لا يلزم كل المسلمين إلا لمن استطاع إليه سبيلا. والسبيل معناه هو القدرة المادية والقدرة الجسدية. فهناك نصوص تتحدث عن سلامة وسعادة الإنسان كأولوية. "فمن منعه السفر يأخذ أجره كما لو كان مقيما ومن منعه المرض يأخذ أجره كما لو كان صحيحا. وليس بخيركم من عرف الخير ولا من عرف الشر، ولكن من عرف الشرين وفرق بينهما واختار أولهما".

لذلك، فإن الصورة التي يحاول أن يسوقها لنا سماسرة الدين حول المسجد تنطوي على مغالطات وبالتالي حمل عامة الناس على فهم ديني خاطئ بجعل ذلك البنيان الذي هو المسجد ملاذا ملزما لكل مسلم. وفي الحقيقة أن الأمر ليس بهذه الحدة ولا بدرجة هذا التزمت. وإذا كانت صلاة الجماعة لها قدسيتها فسلامة الإنسان جزء من تلك القدسية إن لم تكن أولى. فهناك أحاديث نبوية شريفة متفق عليها تتحدث عن أن الأصل في صلاة التراويح تقام في البيوت كما كان يفعل نبينا الكريم وحينما كان يقيم الليل أحيانا في المسجد لم يكن يواظب عليها خشية أن تفرض على الأمة. لكن بعد وفاته وبعد أن توقف الوحي عن النزول قيل إن عمر بن الخطاب هو الذي فرض إقامتها في المساجد لمراقبة المسلمين في دينهم بعد أن أمر جماعة المسلمين إلى الصلاة وراء إمام واحد وهو أبا بن كعب.

وعن الصلاة في زمن الأوبئة فقد أوصى الرسول عليه السلام بعدم السماح بالتنقل وملازمة أهل قرية أماكنهم إذا حل بهم وباء، وعدم السماح لغيرهم بدخول تلك القرية كي لا تنتقل العدوى في صفوف المسلمين. وبلغة العصر الحالي قد نجد الرسول عليه السلام كان أول من نصح باتباع الحجر الصحي وتجنب التجمعات التي من شأنها أن تؤدي إلى استفحال المرض وقد لا تستثنى من ذلك الصلاة في المساجد، وأن قدسيتها لن تنفع، ولن تحول في جميع الأحوال من انتشار الوباء.

المكانة الروحية للمسجد لا جدال فيها عند المؤمنين الصادقين، لكن التباكي على إغلاقها عند صلوات التراويح لعله نفاق غير مسبوق. فالعبرة ليس أن نأتي من كل صوب وحدب لنصلي في المسجد ويحمل كل منا أمام العلن سجادته على كتفه، بل العبرة أن نحمل المسجد في قلوبنا عند مغادرته وأن نبقي دائما على تلك الأجواء الروحانية التي غمرتنا في بيت الله لا أن يطويها النسيان مع أول خطوة لنا خارج المسجد. دعواتنا إلى الله عند السجود ونحن ندمدم لنزايد على بعضنا والمناكب ملتصقة يجب أن نترجمها إلى أفعال ونحن نزاول عملنا بكل إخلاص في المكتب أو في الحقل بتكريم العامل قبل أن يجف عرقه، وفي إقامة العدل بين الناس، وفي إماطة الأذى عن الطريق، وأن يخلص الطبيب في عمله وهو المؤتمن على صحة الناس لا أن تسلط عينه على جيوبهم، وكذلك المحامي المؤتمن على حقوقهم والمعلم المؤتمن على تربية الأجيال.

 

فالمسجد قبل أن يكون مكانا للعبادة فهو مدرسة لتهذيب النفوس وحثها على فعل الخير. فأين نحن من رسالة هذا المسجد التي تخرق مسامعنا صباح مساء ونحن عنها بالغافلين، وكذلك أين نحن من عبرة صلوات الجماعة ومن تلك التراويح التي ترتل فيها شفاهنا القرآن سورا وآيات وأحزابا بينما قلوبنا زائغة، عليها غشاوة لا تقوى على فعل الخير. وبقدر ما نسأل الله أن يرفع عنا هذا الوباء بقدر ما نسأله كذلك الهداية في ديننا وأن نكون على درجة من الإيمان نحفظ به هذا الدين من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. فالمسجد مكان للتعبد وليس وسيلة حصرية يلتقي فيها المخلوق مع خالقه. فالله موجود في كل مكان لكن العبد هو الذي يخلف الوعد والموعد.

مجموع المشاهدات: 1577 |  مشاركة في:
        

عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟