ماذا تعني محطة العيون، في مسار اتحاد كتاب المغرب؟

أقلام حرة

20/01/2023 15:36:00

محمد فاهي

ماذا تعني محطة العيون، في مسار اتحاد كتاب المغرب؟

يبدو أن مستقبل اتحاد كتاب المغرب، هو أكبر من مجرد مسائل تنظيمية أو إطارات(قد تسمى لجنة تحضيرية أو لجنة مؤتمر أو لجنة حكماء...) فهذه الوسائط وغيرها هي مجرد وسائط للتدبير المؤقت والظرفي، و هي ليست غايات في ذاتها. وبناء على ذلك، فإن اختزال هوية مؤسسة الاتحاد في هذه الوسائط التي كانت أو يفترض أن تكون، يعني أن هوية المؤسسة تتوجه بالتحديد توجها شخصيا. ويمكن أن يعد ذلك مدخلا إلى تتفسخ الهوية إلى سلطة ملتبسة، ضمن سياق أيديولوجي أكثر التباسا، مادامت هذه الهوية تستعيد صراعات سابقة، وما دامت تنطلق من مواقع ومرجعيات سياسية لها تاريخ.

   وبما أن هوية الاتحاد هي أكبر من هذه الوسائط، على أهميتها وشرعيتها، فإن الذي يصح التوجه إليه الآن ليس هذه الوسائط، بل الهوية ذاتها، التي هي حياة الاتحاد وتاريخه ومصيره.

  وتعد محطة العيون( بغض النظر عن مصدر اقتراح تاريخ ومكان المؤتمر) أفقا لتدبير هوية الاتحاد، ضمن هوية وطنية أكبر، في نوع من الجدل والدينامية الدائمين.

  وفي الوقت الذي على الاتحاد أن يكون جبهة وطنية للمساهمة في الدفاع عن قضايا الوطن داخليا وخارجيا، فعليه في المقابل أن يكون، وبصفة خاصة منذ الآن، جبهة ثقافية داخلية وخارجية أيضا، مواصلا دوره في ترسيخ الحداثة والتنوير والانفتاح...

  لقد استجدت أمور كثيرة في العالم الثقافي، كما لا يخفي، فإلى جانب ( الساحة الثقافية) التقليدية، ظهرت فضاءات رقمية وعالم افتراضي، فضلا عن فضاء ثالث يعد جسرا بينهما. وتبعا لذلك، تغيرت الكثير من المعايير الثقافية المألوفة، بما في ذلك هوية المعارف وحدودها، ناهيك عن الظهور المتسارع لأشكال وأنواع من ا لعلوم والمعارف، تترك المجال لأشكال وأنواع أخرى، قبل التقاط الأنفاس.

 لكل ذلك فإن مؤسسة الاتحاد مطالبة بالتدبير والمتابعة، ضمن هذا الأفق المتغير والشمولي والمتعدد، ليس من أجل الوصاية والاحتواء، ولكن من أجل تدبير الهوية الثقافية الوطنية، ووضعها في الإطار الصحيح، ضمن الثقافة العالمية بروافدها الكونية الأساسية، وفي خضم هذا التغير المتسارع الذي لن تستطيع المؤسسات التقليدية مواكبته بأسلحتها المألوفة كالأسرة والمدرسة وغيرهما من المؤسسات. بمعنى آخر فإن على اتحاد كتاب المغرب الانخراط في الهم التربوي الذي يعد واجبا في سلم الواجبات الوطنية.

  ولقد آن الأوان ليساهم اتحاد كتاب المغرب، في إخراج المنتوجات الثقافية من (نخبويتها) والسعي إلى نشرها وتعميمها والترويج لها وتوصيلها إلى أكبر قاعدة من المتلقين، عبر وسائط التواصل المتاحة. كل ذلك للمساهمة في تدعيم القيم المعرفية والجمالية والأخلاقية، إضافة إلى ترسيخ تقاليد القراءة والتعلم الذاتي والرفع من قيمة المنتوج الثقافي المحلي، والمساهمة في تدبير الاختلاف والتعدد الثقافي.

 وفي هذا الإطار لا مناص للاتحاد من التنسيق والحوار والتواصل مع مختلف الجهات والمؤسسات، لتنفيذ المشاريع واقتراح الأفكار. وهذا يبين أن سياسة الاتحاد تقوم هنا على المشاركة والحوار والتفاعل والاقتراح، في إطار من استقلالية التفكير والتخطيط والمبادرة.

   ويقتضي مثل هذا الطرح التمسك بمدونة التزام، أو دفتر تحملات ثقافية وإدارية وتنظيمية. والأمر المختلف هنا هو بناء الأفق النظري ورسم الاستراتيجيات والمخططات الثقافية، التي وفق الالتزام بتنفيذها، ينتخب الأعضاء المستعدون لتحمل المسؤولية، وليس انتخاب المسيرين قبل (الحين والصالحين) كما يقول المثل الشعبي.

   وتبعا لذلك، فإن المساهمة الحقيقية للفروع والأعضاء هي وضع التصورات الثقافية للاتحاد، على المستوى النظري وعلى مستوى التدبير، مركزيا وجهويا ومحليا:

 - وفق عمل ثقافي تحركه حوافز وطنية مستديمة، بغاية تحقيق الأمن الثقافي والمناعة الذاتية والحفاظ عليهما.

- الاهتمام بالهوية الثقافية والقيمية التي تمس الوجود الفردي والجماعي.

 - استثمار الرصيد الثقافي الوطني في مختلف المجالات.

- السعي إلى ضمان الكرامة للأدباء المنتمين للاتحاد أو المرشحين للانتماء إليه.

     إن محطة العيون ليست فقط تموضعا جغرافيا، لتكريس فكرة الجهوية الموسعة، بل هي تموقع حضاري، من أجل الانفتاح على الجوانب المعتمة والمنسية من المكونات القارية للذات الوطنية. وفي هذا الانفتاح حفز للإرادة، من أجل الاعتماد على الذات والتخلص من التبعية ورفض الخضوع للاستغلال.

  وتعد هذه المحطة مناسبة لتفعيل وطنية مستديمة، ثقافية وسياسية، تتغذى باستمرار من المكونات الجهوية ومن الروافد الثقافية المتعددة، وتتوجه إلى الخارج بالقدر المعقول من الانفتاح والحوار. وفي هذا الإطار يفترض أن تتحرك سياسة الاتحاد لدعم المنشورات والمساهمة في تنشيط الحياة الثقافية ودعم القيم التربوية والجمالية والأخلاقية والروحية...

   ومحطة العيون من جهة أخرى، هي منعطف تاريخي للقطع مع أنواع الصراعات التقليدية، القائمة على أسس أيديولوجية أو شخصية او عصبية مضمرة. فالمفروض أن يكون الاتحاد نموذجا ومثالا في التسيير وتدبير الاختلاف، لا أن يستعيد نفس أجواء التنافس والصراع السياسي الضيقين، حينما يكون الخطاب "المثقف" في واد، بينما يكون "الواقع" في واد آخر. هذا إن لم يسع الخطاب المثقف التقدمي إلى تبرير الفعل المتأخر.

 

مجموع المشاهدات: 6019 |  مشاركة في:
        

عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟