الصكوك الإسلامية هي الحل
عادل هلول
تعتبر الوضعية الاقتصادية في المغرب متدهورة إلى حد بعيد، فمعدل النمو بطيء جدا، و البطالة مستفحــلة، و البنية التحتية ضعيفة جدا، و المستوى التعليمي هابط إلى درجات الصفر، و الصحة عليلة، و كل ما يعد مقياسا للتطور مؤشره عندنا ضعيف إن لم يكن منعدم.
و إذا أردنا البحث عن الحلول الناجعة لهذه المشاكل المستعصية فلابد من الأخذ من تجارب الدول التي كانت في طريق النمو، و هي الآن من الدول المتقدمة؛ كتركيا و ماليزيا و غيرهما.
و من أهم العلاجات التي اتخذتها هذه الدول من أجل إنعاش اقتصادها؛ إصدارها للصكوك الإسلامية التي عادت عليها بالنفع الكثير.
فمثلا في ماليزيا واصلت الحكومة الحفاظ على مكانتها كأكبر سوق لإصدار الصكوك الإسلامية على مستوى العالم، بمبلغ إجمالي تجاوز 151 مليار دولار منذ انطلاق هذه الصناعة فيها، مما ساعد على نمو أفضل للاقتصاد الماليزي.
و شهدت دولة الإمارات باعتبارها البلد المنشئ لأول بنك تجاري في العالم يتعامل مع الجمهور بما يتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية، -وهو بنك دبي الإسلامي- وذلك في العام 1975م، زيادة مستمرة في عداد بنوكها الإسلامية البالغة ثمانية بنكا إسلاميا بانضمام مصرف عجمان الإسلامي وبنك الهلال في أبوظبي، والتي أسهمت إسهاما مباشرا في ارتفاع إصدارات وقيم الصكوك فيها، مما يسارع في دفع عجلة التنمية الاقتصادية من خلال تمويل المشاريع الكبرى ومشاريع البنية التحتية فيها.
و قد تم إصدار صكوك في دولة الإمارات بقيمة 7 مليار دولار في العام 2006م وبقيمة 12 مليار دولار خلال العام 2007م. ومن المشروعات الضخمة في أبو ظبي والتي تم تمويلها عبر إصدارات الصكوك مشروع ميناء خليفةوالمنطقة الحرة بحوالي 10 مليار دولار.
إن الصكوك الإسلامية لعلاج ناجع لمعضلة السيولة النقدية في المغرب، فعندما قلصت الحكومة برئاسة بنكيران من نفقات الاستثمار للعجز المتراكم في الميزانية؛ فقد كان الأولى أن تطرح الصكوك الإسلامية كي تتدفق الأموال - خصوصا الأجنبية - على بلدنا.
فلو طرحت الحكومة المغربية هذه الصكوك الموافقة للشريعة الإسلامية– خصوصا مع المرجعية الإسلامية للحزب الحاكم - ستجد نفسها في وقت وجيز قد ملأت خزينتها من الأموال التي ستعود على سائر القطاعات بالنفع.
تعريف الصكوك الإسلامية:
الصكوكفي الاقتصاد الإسلامي يقابلهاالسندات المالية في الاقتصاد التقليدي، والفرق بين الصكوك الإسلامية والسندات الصكوك التقليدية،هو أن الصك الإسلامي ملكية شائعة في أصول أو منافع، وبالتالي فهي متوافقة مع القاعدة الاقتصادية الإسلامية التي تحرم الربا المتمثل في ضمان عوائد ثابتة؛ بغض النظر عن الربح أو الخسارة. فالصكوك الإسلامية تعطي دخلا لمالكيها مقابل تجارة معينة أو تأجير لأصل أو غيره من أنواع الصكوك المتاحة، و يتميز الصك بضرورة وجود الأصل فإن السندات التقليدية قد تصدر بضمان المنشأة فقط، وعرفت هيئة المحاسبة والمراجعة للمصرفية الإسلامية الصكوك الإسلاميةأنها وثائق متساوية القيمة، تمثل حصصاً شائعة في ملكية أو نشاط استثماري، وذلك بعد تحصيل قيمة الصكوك وقفل باب الاكتتاب واستخدامها فيما أصدرت من أجلها.
خصائص الصكوك الإسلامية:
هناك خصائص تميز الصكوك الإسلامية عن غيرها من أدوات الاستثمار الأخرى،ساهمت في انتشارها انتشاراً واسعاً، تتمثل في:
- تقوم على مبدأ المشاركة في الربح والخسارة: إن مقتضى المشاركات التي يقوم عليها مبدأ إصدار الصكوك من حيث العلاقة بين المشتركين فيها هو الاشتراك في الربح والخسارة بصرف النظر عن صيغة الاستثمار المعمول بها، حيث تعطي لمالكها حصة من الربح، وليس نسبة محددة مسبقاً من قيمتها الإسمية، وحصة حملة الصكوك من أرباح المشروع أو النشاط الذي تموله تحدد بنسبة مئوية عند التعاقد، فمالكوها يشاركون في غنمها حسب الاتفاق المبين في نشرة الإصدار، ويتحملون غرمها بنسبة ما يملكه كل منهم ، وفقا لقاعدة الغنم بالغرم.
- وثائق تصدر باسم مالكها بفئات متساوية القيمة:تصدر الصكوك بفئات متساوية القيمة لأنها تمثل حصصاً شائعة في موجودات مشروع معين أو نشاط استثماري خاص، وذلك لتيسير شراء وتداول هذه الصكوك، وبذلك يشبه الصك الإسلامي السهم الذي يصدر بفئات متساوية ويمثل حصة شائعة في صافي أصول الشركة المساهمة، كما أنه يلتقي في ذلك مع السندات التقليدية والتي تصدر بفئات متساوية.
- تصدر وتتداول وفقا للشروط والضوابط الشرعية:تخصص حصيلة الصكوك للاستثمار في مشاريع تتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية، كما أنها تقوم على أساس عقود شرعية وفقاُ لصيغ التمويل الإسلامية كالمشاركات والمضاربات وغيرها، بضوابط تنظم إصدارها وتداولها.
- تمثل حصة شائعة في ملكية أصول أو منافع أو خدمات يتعين توفيرها، ولا تمثل ديناً على مصدرها لحاملي الصكوك.
إن هذه الصكوك الإسلامية لكفيلة بسد حاجيات الدولة من النقود التي تستثمر في مشاريع عملاقة تعجز عن إنجازها كالطرق السيارة و المطارات و الملاعب الرياضية و المستشفيات و الجامعات و غيرها من البنية الحيوية للدولة.
و في اعتقادي؛ يمكن طرح الصكوك في مجال التعليم كبداية أولى، و لكون تقدمه يؤدي إلى تقدم سائر القطاعات بالضرورة. فمجتمع واع هو مجتمع راق؛ قضاؤه عادل، صحته سليمة، أمنه ممتاز، و شوارعه نظيفة. و بالتالي تقليص نفقات الدولة الذي يعود بالنفع على سائر مكوناتها.
نحتاج شجاعة حقيقية:
على الحكومة طرح صكوك إسلامية لبناء مدينة جامعية عملاقة متميزة على الصعيد العالمي، و تحوي كل التخصصات العلمية في المعمور.
يعينوزير التعليم العالي لجنة كبرى من أجل تدارس هذه التخصصات، و بعد حصرها توفر الدولة الحيز المكاني لهذه المدينة. إما أرض ممتلكة للدولة، و إلا فلتقتن الدولة هذه الأرض الذي ينبغي أن تصل إلى مئات الهكتارات.
تطرح الصكوك لبناء هذه المدينة بناء على قاعدة المشاركة في الربح و الخسارة بين حامل الصك و بين الدولة بحسب النسبة التي يرتضيانها. كل ذلك وفق المنهج التالي: ( مبادرة شخصية فقط؛ غير مبنية على دراسة علمية دقيقة)
- كل جامعة عالمية أو مستثمر يحق له المشاركة في اقتناء الصكوك.
- كل مشارك له الحق في بناء الفرع الذي يريد وفق التصميم المختار بعد موافقة الحكومة.
- تهتم الجامعة المستثمر بجلب الأساتذة عبر العالم، و يتفقان على الأجرة بينهما بحسب الصيغة و المبلغ المتفق عليه.
- الرسوم و الكلفة المطلوبة للتسجيل يجب أن تكون منخفضة مقارنة مع ثمن السوق ( 10.000 درهم ) سنويا في أقصى الأحوال بالنسبة للمغاربة.
إذا طلبت الجامعة مبلغا أكبر حسب ضرورة كل تخصص حسب العرض و الطلب، فإن الدولة تتكلف بأداء ما زاد على 10.000 درهم، على أن يكون هذا المبلغ المضاف منحة لا يستحقها إلا المتفوقون.
هذه فقط إشارات قابلة للتعديل، يمكن من اللجان الخاصة أن تعدل من هذه البنود وفق ما تقتضيه المصلحة العامة.
و يمكن بعد طرح الصكوك لبناء هذه المدينة الجامعية العملاقة، أن تتوالى المشاريع وفق هذه الطريقة الشرعية الأصيلة. قال تعالى: "يمحق الله الربا و يربي الصدقات" (سورة البقرة الآية 276). صدق الله العظيم.
