من يحاسب النقابيين ؟

أقلام حرة

16/09/2014 15:19:00

أمل مسعود

من يحاسب النقابيين ؟

 

"منذ اليوم، لا وجود لنقابة الاحتجاج من أجل الاحتجاج ولا لنقابة الإضراب من أجل الإضراب ولا وجود لنقابة من أجل الطموحات الشخصية والمصلحية، ولاماكن لمعامل تقام على حساب العمال، ولا وجود لمعامل لاتحترم قوانين الشغل ولا باطرونا ضد النقابة، ولا نقابة ضد الباطرونا"...

هكذا تحدث حميد شباط سنة 2009 ، إثر تعيينه كاتبا عاما  في المؤتمر التاسع للاتحاد العام للشغالين بصوت قوي و حماسي. هذه الجملة وحدها كان لها تأثير عجيب على القاعة، فبدل أن يصفق المؤتمرون و يهلهلون كعاداتهم ، كان لهم رد فعل مختلف، إذ عم القاعة الصمت العميق و توتر غير مبرر، و بين الفينة و الأخرى تسمع بعض الهمهمات و كأن المؤتمرون متذمرون حائرون لم يفهموا من المقصود بهذه الجملة؟ و كأن  بعض المؤتمرين  شعروا بالخوف و تساءلوا بحيرة فيما بينهم هل سيفعلها شباط؟ هل سيخدعهم و بعد أن ضمن  منصبه ككاتب عام للنقابة  يريد أن يضمن لنفسه اسما في التاريخ على حسابهم كأول زعيم نقابي مغربي أحدث رجة في العمل النقابي و أعاد له نبله و فضائله ؟

الجملة في ثناياها تحمل اتهاما مبطنا و دراية بسلوك و أساليب بعض النقابيين و وعي بأن العمل النقابي اصبح مميعا و يعتمد على أساليب لا أخلاقية من استفزاز  للسلطات العمومية و ابتزاز للباطرونا و خيانة للطبقة العمالية و الاهتمام بالمصالح  و الحسابات الشخصية الضيقة على حساب المصلحة العامة.

فهل شباط وقتها كان فعلا يطمح إلى التغيير و الإصلاح النقابي؟ الجواب خرج من القاعة ،  خرج من حلق امرأة سمراء ذات ملامح صلبة قاسية في عقدها  السادس تقريبا.  المرأة الستينية و بصوت رقيق حاد صلت على النبي الهادي  و أطلقت بعدها زغرودة قوية  ثم غادرت القاعة بلامبالاة و بطريقة كوميدية دون أن تنظر لأحد.  و هكذا تم تكسير حاجز الصمت و التوتر بزغرودة  السيدة الستينية ليعم  بعدها المرح و الضحك.  و بدا في تلك اللحظة بالذات بأن الجد و الهزل وجهان لعملة واحدة.

و لتتحول جملة حميد شباط إلى  مجرد خبر بارز غطى  جل أغلفة الجرائد و إلى بروباكندا إعلامية و دعائية لمرحلة جديدة لنقابته هو الكاتب العام فيها.

منذ 2009 إلى اليوم، عرف المغرب أحداثا كثيرة متتالية، و عرف أوراشا إصلاحية في مجالات متعددة، كما طالب الشعب بإصلاحات سياسية و طالب بإصلاح الأحزاب و لكن و لا أحد طالب بالإصلاح النقابي أو محاسبة النقابيين . و تبقى كلمة حميد شباط دون النظر إلى الهدف الحقيقي من ورائها هي الأكثر ثورية  و الأكثر نضجا و معرفة بالواقع النقابي المخزي و بطرق إصلاحه أيضا.

فلا يخلو بيان نقابي من المطالبة بربط المسؤولية بالمحاسبة، و لكن من سيحاسب النقابيين أنفسهم؟

فالحادثة الأخيرة التي تداولتها أجهزة الإعلام المتعلقة بتهديد عامل الرحامنة من طرف بعض نقابيي الاتحاد المغربي للشغل  و ذلك عبر تسخير امرأة له لتقوم بابتزازه  و عبر توصله بأكثر من 560 مكالمة هاتفية في منتصف الليل كلها سب و شتم و تهديد بالقتل ،  تطرح أكثر من تساؤل.

فإذا كان بعض النقابيين وصلت بهم الجرأة حد مضايقة المسؤول الأول بالعمالة و الذي يعتبر ممثل صاحب الجلالة بالإقليم، فأي وسائل خبيثة يعتمدها هؤلاء النقابيين للهيمنة على مدراء و مسؤولي و موظفي  المؤسسات العمومية لإيقاعهم في شباكهم و ذلك للتحكم فيهم و في المؤسسات التي يديرونها؟

و العجيب في هذه القضية التي تبدو و كأنها مستوحاة من الأفلام المصرية، انه لو لم يتصرف عامل الرحامنة بحكمة و ضبط نفس و لو لم يلجأ إلى القضاء و لو لم يتصرف بأسلوب حضاري و عقد ندوة صحفية، فإن القضية كان من الممكن أن تأخذ أبعادا نقابية و حقوقية خطيرة، و كان من الممكن أن تغطي جرائد الأسبوع صفحتها الأولى بعناوين مثيرة على شاكلة " عامل الرحامنة ضد النقابة و ضد العمال" " عامل الرحامنة يقوم بالتضييق على عمل المناضلين الشرفاء الأحرار" " عامل الرحامنة ينهج سياسة التركيع و الترهيب في حق النقابيين"، و كان من الممكن أن تدخل جمعيات حقوقية على الخط و يتحول هؤلاء النقابيون إلى أبطال و مناضلي مبدأ و قضية.

إننا نحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى، أن ننخرط جميعا في العمل السياسي و النقابي لأنها الوسيلة الوحيدة التي ستضمن للمؤسسات استقلاليتها الحقة و ستمنح للمسؤولين النزهاء و الغيورين على هذا البلد الدعم المعنوي و المادي ليواصلوا مسلسل الإصلاحات و ليتغلبوا على كل الضغوطات و المكائد التي تحاك ضدهم. إن الحزب الصامت الأغلبي و المشمئزون من العمل النقابي لا يمكن أن يستمروا في لامبالاتهم إلى الأبد. لأن معركة المغرب اليوم هي معركة إصلاح. إن الحزب الصامت الأغلبي و الغير المبطقون نقابيا عليهم اليوم أن يتحلوا بالشجاعة ليعبروا عن مواقفهم و خياراتهم في كل منعطف حاسم.

 

 

 

 

مجموع المشاهدات: 886 |  مشاركة في:
        

عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟