أخبارنا المغربية ــ حنان سلامة
توالت الأصوات داخل دول "الكومنولث" الداعية إلى مراجعة مواقفها من قضية الصحراء المغربية، عقب الإعلان الرسمي للمملكة المتحدة عن دعمها الصريح لمبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، في خطوة وصفت بالتحول الجيوسياسي العميق، والمُرشحة لتُحدث تأثيراً تراكميًا في موقف باقي الدول الناطقة بالإنجليزية.
كما بدأت شخصيات سياسية ومدنية من داخل القارة الإفريقية، ولا سيما في الدول المتأثرة تاريخيًا بالنفوذ البريطاني، تدعو إلى التخلص من المواقف المتجاوزة بشأن النزاع المفتعل حول الصحراء، والانخراط في منطق الوحدة الإفريقية والاستقرار، انسجامًا مع المقاربة البراغماتية التي تبنّتها لندن.
وفي هذا الإطار، دعا الناشط الناميبي البارز، ويرنر ن. باولوس، سلطات بلاده إلى "إعادة تقييم موقفها من الصحراء المغربية"، معتبرًا أن دعم المملكة المتحدة لخطة الحكم الذاتي المغربية "يمثل حلاً عمليًا وذكيًا"، ومضيفًا أن "الوقت قد حان لناميبيا لتلتحق بركب الواقعية والوحدة والسلام".
وقد لقيت هذه الدعوة صدى لدى فاعلين آخرين داخل دول إفريقية ناطقة بالإنجليزية، حيث بدأت ترتفع أصوات تدعو إلى كسر الجمود الدبلوماسي، والتفاعل مع التحولات التي يعرفها الملف على الصعيد الأممي والدولي.
ويبدو أن الموقف البريطاني الجديد، الذي عُبر عنه في بيان مشترك وقعه وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة ونظيره البريطاني ديفيد لامي بالرباط، قد أحدث صدعًا في جدار التردد، وفتح الباب أمام إعادة الاصطفاف في هذا الملف الذي طال أمده لعقود.
وقد اعتبرت لندن، العضو الدائم بمجلس الأمن الدولي، أن مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب سنة 2007 هي "الخيار الأكثر مصداقية وقابلية للتطبيق"، مؤكدة أنها ستشتغل على هذا الأساس في إطار علاقاتها الثنائية والدولية، بما في ذلك داخل مجلس الأمن، لدعم جهود التسوية تحت رعاية الأمم المتحدة.
كما عبّرت بريطانيا عن إدراكها التام لأهمية قضية الصحراء بالنسبة للمغرب، مشيرة إلى أن إنهاء النزاع سيساهم في استقرار شمال إفريقيا، وفي تعزيز الدينامية الإقليمية وفتح آفاق واعدة للتعاون الاقتصادي.
ولم تكتف لندن بالدعم السياسي، بل أعلنت عبر هيئتها لتمويل الصادرات، استعدادها لدعم مشاريع اقتصادية واستثمارية في الأقاليم الجنوبية، في إطار تعبئة تمويل بقيمة 5 مليارات جنيه إسترليني، ما يشكل إقراراً عمليًا بسيادة المغرب على هذه المناطق.
ويُنتظر أن يُحدث الموقف البريطاني ضغطاً دبلوماسياً على عدد من حلفاء لندن التقليديين، مثل كندا وأستراليا والهند ونيجيريا، وغيرها من دول الكومنولث، التي لا تزال تتحفظ أو تلتزم الحياد في ملف الصحراء، في وقت لم تعد فيه هذه المواقف مقبولة أمام زخم الاعترافات المتزايدة بمغربية الصحراء، وعلى رأسها الولايات المتحدة وألمانيا وإسبانيا وبريطانيا.
ويرى آخرون أن الموقف البريطاني ليس فقط دعماً للمغرب، بل هو أيضًا رسالة إلى حلفائه التقليديين في الكومنولث، مفادها أن استمرار التماهي مع خطاب الانفصال لم يعد واقعياً في عالم يتغيّر سريعاً، ويبحث عن الحلول الواقعية والنهائية للمشاكل المتجمدة.
وفي خضم هذه التحولات، يُسجل المغرب نقطة استراتيجية جديدة في سجل دبلوماسيته، ويُواصل ترسيخ شرعية مقاربته تحت قيادة الملك محمد السادس، في مسار أصبح يحظى اليوم بتقدير القوى الكبرى، ويُربك حسابات خصوم الوحدة الترابية في المنتديات الإقليمية والدولية.