الرئيسية | أقلام حرة | الدكالي على خطى السلف الفاشل !

الدكالي على خطى السلف الفاشل !

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
الدكالي على خطى السلف الفاشل !
 

يجمع المغاربة على أن أوضاع المنظومة الصحية ببلادنا لا تقل ترديا عن نظيرتها في المنظومة التعليمية. علما أنهما يكتسيان أهمية قصوى في حياة المواطن، باعتبارهما رافعتين أساسيتين للتنمية. لكنهما لا ترقيان إلى مستوى تطلعات الجماهير الشعبية، لما يشوبهما من اختلالات بنيوية وهيكلية، عجزت الحكومات المتعاقبة عن تجاوزها. والصحة خاصة، تندرج ضمن أبرز الأولويات الجد معقدة، التي بغيرها لا يستقيم حال متعلم ولا مدرس ولا غيرهما من أفراد المجتمع. وهي من الحقوق التي يكفلها الدستور وتنص عليها المواثيق الدولية... ترى ما هي أسباب أزمة المنظومة الصحية؟

 

فما لا يستسيغه المواطن، هو أن المغرب عرف منذ الإعلان عن استقلاله في 2 مارس 1955 تعاقب 31 حكومة، من حكومة الراحل امبارك البكاي لهبيل في دجنبر 1955 إلى حكومة سعد الدين العثماني الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الأسلامية في 5 أبريل 2017، ما يعني تناوب قرابة 30 وزيرا من مختلف الاتجاهات على تدبير الشأن الصحي، وقفوا جميعا عند حدود التشخيص وإعادته، دون أن تكون لهم الجرأة الكافية على تحديد وصفة حقيقية لعلاج الاعتلالات القائمة، التي أوصلت القطاع إلى ما هو عليه من وضع كارثي.

 

وجدير بالذكر أن قدوم أول حكومة بعد "الربيع العربي" بقيادة عبد الإله ابن كيران الأمين العام السابق لذات الحزب "الإسلامي"، في ظل دستور 2011 الذي منحه صلاحيات واسعة غير مسبوقة، أعطى جرعة أمل قوية للمغاربة، فاستبشروا خيرا بتولي عميد كلية الطب بالدار البيضاء "البروفيسو" الحسين الوردي مسؤولية إدارة القطاع، باعتباره ابن الميدان المطلع على خباياه، والعارف بمتاهاته وطبيعة العاملين به من مفسدين ومخلصين، حاصل على شهادات علمية عالية وذو خبرة مهنية واسعة، فضلا عن أنه مشهود له بالحزم والجدية في تحمل عدة مسؤوليات بالقطاع. وفوق ذلك كله، حظي بثقة الملك محمد السادس في إعادة تعيينه وزيرا للصحة لولاية ثانية. قبل أن يعود إلى إقالته يوم 24 أكتوبر 2017 في إطار "ربط المسؤولية بالمحاسبة" طبقا لأحكام الفصل 47 من الدستور، على خلفية تعثر تنفيذ برنامج "الحسيمة منارة المتوسط".

 

وإذا كان الوردي بهذه المواصفات وقدم عدة إنجازات، منها خفض أسعار أزيد من ألفي دواء وتحرير محتجزي ضريح بويا عمر... الذي جعل رئيس الحكومة السابق ابن كيران يعتبره أحسن وزير صحة عرفته البلاد، قد اعترف بفشله في تدبير عدة مجالات ومعالجة مجموعة من القضايا، منها مثلا: النقص الحاد في التجهيزات الضرورية والموارد البشرية، عدم العناية الكافية بساكنة العالم القروي وحل مشاكل النفايات الطبية والتوزيع العادل للأطباء على مختلف المناطق وتأمين نظام معلوماتي للمستشفيات لتتبع أحوال المرضى، وعدم إيلاء حاملي بطاقة "راميد" العناية اللازمة وتجويد الخدمات ومحاربة مختلف أشكال الفساد المستشري بالقطاع...

 

فكيف ل"أنس الدكالي" القيادي بحزب الكتاب الذي عين خلفا له يوم 22 يناير 2018، قادما من الوكالة الوطنية لإنعاش الشغل والكفاءات "أنابيك"، التي شغل منصب مديرها العام منذ يناير 2015، أن يكون في مستوى رفع التحديات وترجمة تصريحاته المباشرة بعد تعيينه وزيرا للصحة، حيث قال بأنه "سيركز جل اهتماماته على تنفيذ التوجيهات السامية لجلالة الملك، وما جاء به البرنامج الحكومي"، وهو الذي فشل في تفعيل مقتضيات الحكامة والشفافية ب"الأنابيك" وتطهيرها من أوكار الفساد؟ إذ لو كان الأمر كما صورته له "دهشة" البداية، ما كان للملك أن يستقبله رفقة رئيس الحكومة العثماني بالرباط في نونبر 2018 بعد عشرة أشهر من تعيينه، لمعرفة الاختلالات التي تعوق تنفيذ برنامج نظام المساعدة

 

الطبية "راميد"، خاصة أن اختلالات وظيفية تعتوره منذ تعميمه سنة 2012، وتحد من فعاليته في تلبية حاجيات الفئات الأكثر فقرا وهشاشة. وأن يمده من جديد بتعليمات أخرى لتسريع وتيرة برنامج تحسين الخدمات الصحية ومواصلة البحث عن مختلف مقاربات الإصلاح الممكنة.

 

بيد أنه وفق بعض المعطيات المتوفرة، اتضح أنه يسير على خطى سابقيه الذين أخفقوا في مهامهم، وبدت حقيبة الوزارة أكبر من أن يحملها شخص مثله، لافتقاره إلى الخبرة الكافية في العمل الحكومي والإلمام الواسع بنقائص المنظومة الصحية، مما أدى إلى تناسل التنبؤات بقرب إقالته في مواقع التواصل الاجتماعي. إذ بدل الانكباب على تنفيذ التعليمات الملكية الرامية إلى النهوض بالأوضاع المزرية والدفع بقطاع "الصحة" إلى اكتساب مناعة قوية، واحتلال المكانة اللائقة به من حيث النجاعة وجودة الخدمات، انشغل بوضع المقربين من أساتذة وأعضاء حزبه في مناصب عليا بالمديريات والمستشفيات والمندوبيات الجهوية والإقليمية... فضلا عن التدبير السيء للحوار الاجتماعي القطاعي، وإخفاقه في احتواء الأزمات مع الأطباء والممرضين والتقنيين وحتى الطلبة الأطباء، وخضوعه لضغوطات لوبي الشركات الأجنبية في رفع أسعار 14 دواء، معظمها خاص بعلاج أمراض مزمنة، دون مراعاة ضعف القدرة الشرائية للمرضى، ولا أخذ بعين الاعتبار تحذيرات البرلمانيين من الأغلبية والمعارضة حول بعض القرارات غير الصائبة أحيانا...

 

 

إن القطاع الصحي كغيره من القطاعات الحيوية الهامة، لن يعرف إصلاحا حقيقيا مادامت هناك عقليات بئيسة تتحكم في مفاصل أهم المؤسسات، ولا تعمل سوى على رعاية مصالحها الذاتية والتستر على المفسدين، أمام غياب الإرادة السياسية، الحكامة، الشفافية وعدم ربط المسؤولية بالمحاسبة. ثم أين نحن من توصيات المناظرة الوطنية للصحة المنعقدة بمراكش عام 2013 والميثاق الوطني للصحة؟

مجموع المشاهدات: 640 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة