الرئيسية | أقلام حرة | هل فعلا فشلت النخبة السياسية في تدبير الشأن العام 2012-2019 ؟

هل فعلا فشلت النخبة السياسية في تدبير الشأن العام 2012-2019 ؟

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
هل فعلا فشلت النخبة السياسية في تدبير الشأن العام 2012-2019 ؟
 

تداولت الصحف بكل أصنافها موضوع التعديل الحكومي وذلك في ظل الجدال السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي أصبح عليه المغرب، ولقد أصبح هذا الموضوع قاب قوسين أو أدنى بعد الخطاب السامي لصاحب الجلالة بمناسبة الذكرى العشرون لتربع جلالته على العرش، إذ بات من المؤكد أن هذا التعديل أصبح أمر قطعي وواقع ليس له من مفر، وهو ما يدل على أن النخبة السياسية التي تحملت تسيير الشأن العام المغربي منذ المصادقة على دستور 2011، برهنت على فشلها حينما لم تستطع إيجاد الحلول الناجعة لوضع سياسي واقعي يتماشى والتطور الاقتصادي والاجتماعي من خلال ابتكار مخرج لائق للوضع الراهن الذي يهيمن على الساحة السياسية والاقتصادية، حيث المجتمعات تتغير بتغير الظروف وعوامل الزمان والمكان، وتتحكم في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بخلق مجتمع  حضاري يعرف كيف يتغلب على الظواهر الطبيعية المتوقعة، سواء منها السياسية أو الاجتماعية، أو الاقتصادية بمواجهة تحديات الظروف والتغيرات، وبالتالي الحفاظ على الاستقرار في إطار استراتيجية شاملة تنظم الحياة اليومية في المجتمع سواء كجماعات و أفراد.

ولتحقيق هذه الغاية من الواجب على الأحزاب السياسية أن تؤطر الإنسان كيف يعيش في روابط وثيقة مع أبناء جنسه، لأنه إذا عاش الناس معا وتبادلوا الاعتماد بعضهم على بعض، لابد أن يحتاج الأمر إلى عدة عوامل وقواعد لبناء وضبط السلوك، ومن هنا، فإن الحكم السياسي يصبح لازم من لوازم الحياة الإنسانية، ولما تكون القواعد والقوانين التي يحيى بها البشر هي من صنع الإنسان فهو الذي يقرر ما يشاء من أفعال وتصرفات سياسية، وبالتالي فإن السياسة تصبح عملا إنسانيا صرفا خلقه الإنسان، وتركز حول الإنسان، وهذه قواعد ومرتكزات يجب أن يتقيد بها الإنسان حسب موقعه ومسؤولياته السياسية والاجتماعية، حيث ان آليات السياسة تنطوي على قيم وأخلاقيات، وهي القيم التي تعكسها المؤسسات السياسية في تنظيمها وممارستها، لأن السياسة والديمقراطية شيئان لا ينفصمان، ومن هنا فإن الحكومة أكانت ديمقراطية أو سلطوية فإنهما تعملان بالقيم لكنها قيم مختلفة وقد تكون متضاربة، ويلزم أيضا أن نلاحظ أنه لا ديمقراطية خالصة، ولا ديكتاتورية خالصة، فالديمقراطية والسلطوية هما طرفان لامتدادات تملأ الفراغ السياسي.

ومن هذا الواقع، فالديمقراطية أساسا منهج نسبي عملي منطقي إلى حد ما يدرك أن المعرفة البشرية معرفة نسبية قابلة للخطأ، وتصحيحها من خلال التطبيق.

إن الديمقراطي يخلق أهدافه وأغراضه ويقيم وسائله كلها إذا دعت الضرورة، وقد يكون متفائل أو متجاوزا لحدود الأمل في توقعاته، ولكنه يرفض اليقين الحديدي الذي تمليه العقائد والمذاهب.

والديمقراطية الحقة تجعل الناس جميعا على قدم المساواة من الاستحقاق والجدارة بغض النظر عن ظروفهم في الحياة، وهو يؤدي إلى الاعتقاد بأن الناس قادرون على حكم أنفسهم.

يمكن القول أنه من الأسباب التي أدت إلى فشل النخبة السياسية في المغرب وأساسا الأحزاب التي تعاقبت على الحكومة منذ 2012-2019 هي أنها لا تعمل في إطار ما نشأت من اجله الأحزاب السياسية في المغرب، على الرغم من أن الدولة تمنحها كل الإمكانيات التحفيزية وتقدم لها كل المساعدات الضرورية لتلعب دورا محوريا في تاطير المواطنين سياسيا وتكوينهم تكوينا صحيحا يتناسب والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، كما أن الأحزاب السياسية لا تعمل على إغراء الشباب للانضمام إلى صفوفها بتطبيق الديمقراطية.

بصفة عامة من اللازم على الحزب السياسي بما انه يأخذ مقابل من الدولة، عليه أن يقوم بتقديم حلول ناجعة لعدد من القضايا والمشاكل والسياسات العمومية العريضة التي يهتم بها السواد الأعظم من المجتمع ويقوم بتنظيم صفوفه وجهوده لتولي المناصب العامة وصياغة السياسة وإدارتها، بالإضافة إلى ذلك أنه ناقد لشتى الأوضاع لاسيما السياسية، وتوليه عملية التثقيف السياسي للمواطنين بالنسبة للقضايا التي تتعرض لهم، وتؤثر في مجريات حياتهم، وهي مسؤوليات تقع على عاتق الأحزاب السياسية بحيث قد يفي بها وقد يتخاذل في شأنها، وهنا الفراغ السياسي يتضح عند فشل الأحزاب في معالجة القضايا المطروحة من خلال المطالب الملحة للمجتمع، وقد تنحط هذه الأحزاب في بعض الحالات إلى مستوى الاستغلال والشراهة النفعية من خلال انتشار الفساد، وبالتالي لا تصبح أحزابا بالمعنى الصحيح بل مجرد جماعات طفيلية في جسم الأمة.

وهناك صلة بين الأحزاب وما يعرف بجماعات الضغط اللوبي السياسي أو اللوبي الاقتصادي، وهي الهيئات أو الجماعات التي تمثل مصالح معينة تضغط من اجل تحقيقها.

ومن خلال هذه اللوبيات تقع الأحزاب السياسية في قفص الاتهام بالتقصير أو العجز عن إيجاد الحلول الناجعة وبالتالي تضعف وتفشل عندما ينفر منها المجتمع بصفة عامة، حيث أن الأحزاب تهمل الاعتراف بكرامة الإنسان وأهميته كعنصر أساسي من عناصر الحكم وعضو نافع في المجتمع، وهو ما يتطلب من الحزب السياسي النهوض والهبوط إلى الساحة، ويطلع عن كثب على الحاجات الملحة للمواطنين، وفي بعض الأحيان لا يعد اعترافا بكرامة الإنسان بقدر ما يعد اعترافا بمكانة الجماعة المتسلطة.

ومن الأسباب التي عرضت الأحزاب السياسية للفشل هي عدم التدخل الايجابي عند قيام مظاهرة أو احتجاج مشروع و سلمي، وإيجاد الحلول والبدائل التي هي موضوع هذا الاحتجاج.

والحزب الناجح هو الذي تتوفر فيه الخصائص التالية:

الأموال، المواهب، القوى الانتخابية، المرشحون الذين يتمتعون بالنزاهة والشفافية، بالإضافة إلى شعبية أو جاذبية خاصة، لا تهدف إلى تحقيق المصالح الخاصة الذاتية.

وعندما يقال إن الأحزاب السياسية فشلت، بمعنى لا تقوم بالواجب المطلوب أو لا تساهم في تنظيم وتمثيل المواطنين تمثيلا سليما يخدم المصالح العامة للمجتمع ويتمثل هذا في عدم:

- تعميق الثقافة السياسية في تنظيم وإنعاش المشاركة الفعالة للمواطنين.

- تكوين وإنشاء نخب قادرة على تحمل المسؤوليات العمومية.

- المساهمة في إجراء انتخابات حرة ونزيهة وديمقراطية وشفافة.

- ربط الاتصال الدائم بين المواطنين والمؤسسات الدستورية وتنشيط الحقل السياسي.

ومن أهم ما يؤدي بالأحزاب السياسية إلى الفشل الذريع والسخط العارم من طرف المواطنين هو التراجع عن وعودها التي حددتها في برنامجها الانتخابي، وبالتالي يؤدي إلى عدم مصداقية الحزب السياسي، ويتجلى هذا في غياب تنظيم الأنشطة السياسية والتواصل مع المواطنين في الأحياء والمدن والقرى وذلك بالحوار البناء، وتبادل المعلومات، ونشر الوعي السياسي والاجتماعي داخل صفوف المجتمع المدني، وان يعمل الحزب السياسي وفق انتظارات المواطنين.

و بالعودة إلى السؤال الذي هو، هل فشلت النخب السياسية المشاركة في الحكومة و إلى جانبها المعارضة الصفراء  والنخب السياسية؟ هو أمر لا يختلف مع الأحزاب السياسية يمكن القول أن سبب الفشل متأتي من الأسباب التالية:

- عدم المسؤولية والفهم الجيد للديمقراطية وعدم القدرة على استيعاب مضامين الخطابات السامية لجلالة الملك، وأساسا منها خطابات 2017-2018 و 2019.

- عدم تفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة، أو الإفلات من العقاب بطرق احتيالية على القانون.

- تراجع المصداقية والتخلي عن الكرامة وبناء الإنسان بناءا سليما.

- التخلي عن حماية هيبة الدولة وردع الخارجين عن القانون أو اللذين يحسبون أنفسهم أنهم فوق القانون.

- التهاون في القضاء على الفساد بعفى الله  عما سلف، والفساد هو أخلاقي، اجتماعي، اقتصادي، سياسي، إداري. 

- عدم معالجة غلاء المعيشة والقدرة الشرائية والحصول على السكن اللائق للمواطن ذا الدخل المحدود.

- العجز على ايجاد الحلول الناجعة للفوارق الاجتماعية الصارخة.

وهذه كلها عوامل تدخل في خانة الوظيفة النبيلة للأحزاب السياسية، وقد جاء فشل النخبة السياسية لأنها لم تؤطر تاطيرا سليما من لدن الأحزاب السياسية، التي لم تسعى في أدبياتها إلى التخلص من معضلة الفوارق الشاسعة الاجتماعية ومراجعة الأجور العليا، وضبط السوق، بتحديد الأثمان والسهر على حاجة السوق، وحماية حقوق المستهلك في كل القطاعات التجارية، لأن تحرير المواد الاستهلاكية يؤدي إلى الفوضى في الأسعار، وبالتالي تهدر الحقوق حينما لا تلتفت الحكومة إلى الحاجة إلى إصلاحات اقتصادية واجتماعية.

وهذه الظواهر تجرنا إلى التعديل الحكومي المقبل في أفق الدخول الاجتماعي،

في رأيي الخاص تفاديا لانتخابات مبكرة، ولو أن أمرها مستبعد جدا لأسباب اقتصادية، ولكن إن اقتضى الحال ذلك فلا مهرب منها، وهي فرضية محتملة، وللحيلولة دون ذلك، تشكيل حكومة تقنوقراطية لا تتعدى 21 وزيرا بما في ذلك رئيس الحكومة، مع تقليص الحقائب الوزارية بإدماج البعض في البعض الآخر، وإعادة النظر في منظومة هياكل الوزارات وإحداث مناصب مديرين ذوو تجربة عالية منسجمة مع الرزانة والشخصية الحكيمة المتريثة في اتخاذ القرار الخاطئ من خلال خلية التفكير التي يحدثها الوزير من أوساط السادة رؤساء الأقسام اللذين مارسوا الوظيفة حسب القطاع لمدة لا تقل عن 25 سنة من التجربة المهنية.

وأنا أنهي هذا المقال المتواضع، إذ خطر ببالي كذب بعض المسؤولون على المواطنين، عندما يعدوهم بتحقيق هدف معين يهم المصلحة العليا، وهذا المسؤول يعلم أنه غير قادر على تحقيق ذلك الهدف، دون أن يكلف نفسه عناء كلمة الواقعية "نعدكم بالاجتهاد والتفاني في العمل في إطار الممكن ممكن والغير ممكن غير ممكن، وسنطلعكم بما استطعنا إليه سبيلا، والكمال على لله" لأن المغاربة مؤمنون والثقة هي زادهم الروحي، فهم يثقون جدا وويل لمن حاول استحمارهم أو قلل من عقلانيتهم أو بخس ذكائهم، فهم كالبركان ضد من كذب عليهم وهنا يحضرني الحديث الشريف، عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال، قال رسول الله (ص) "عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال العبد يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا"

والكل يعلم أن الصدق هو مطابقة الخير للواقع، وهو مطلوب في الإنسان في قوله وعمله واعتقاده، وصاحبه من الأبرار في دار النعيم "على الارائك ينظرون" "المطففين23" تعرف في وجوههم نظرة النعيم يسقون من رحيق مختوم ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون "المطففين 24-25-26"

وقال عليه السلام للحسن بن علي رضي الله عنهما "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة وكلما أفرط المرء في الكذب فلا يقام له وزن ولا يأمنه أحد على شيء، فإن كان عالما اتهم في قلمه ولسانه، أو تاجرا اتهم في مكياله أو ميزانه، أو صانعا اتهم في امانته وقدرته، فالكذاب يجني على نفسه قبل أن يجني على غيره، ولاسيما إذا تحرى الكذب حتى يكتب كذابا في السماء وكذابا في الأرض.

 

"وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون"  (النحل).

مجموع المشاهدات: 782 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (1 تعليق)

1 | محمد
المشهد السياسي
مشكلة الكائنات التي تؤتت المشهد السياسي المغربي مردها كون هؤلاء الكائنات تبدي قصارى جهدها في التقرب من مركز القرار لتنال رضاه لتحصل على نصيبها من كعكة الريع.
مقبول مرفوض
0
2019/08/09 - 10:34
المجموع: 1 | عرض: 1 - 1

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة