الرئيسية | أقلام حرة | هل عيد الأضحى كبير حقا؟ !

هل عيد الأضحى كبير حقا؟ !

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
هل عيد الأضحى كبير حقا؟ !
 

مما لا جدال فيه أن الله سبحانه وتعالى شرع الأعياد الدينية لحكمة راقية ومقاصد سامية. لذلك يعتبر العيد لدى المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها عرسا جماعيا، تعم فيه البهجة قلوب مختلف الفئات الاجتماعية والعمرية. وهو فرصة لتعزيز أواصر المحبة والعلاقات الإنسانية بين الأهل والجيران، وتكريس قيم التعاضد والتوادد. وفيه يسارع الناس على اختلاف مستوياتهم الاجتماعية إلى التزين بأنظف وأفخر ما يملكون من ملابس، ويحرصون على تبادل التهاني وإصلاح ذات البين وإحياء صلة الرحم مع الأقارب...

 

وإذا كان عيد الفطر، الذي يحل في اليوم الأول من شهر شوال بعد انصرام أيام شهررمضان المعظم قد سمي ب"العيد الصغير"، باعتباره عيدا خفيفا لا يدوم الاحتفال به سوى يوما واحدا، ولا يتطلب من المصاريف المالية عدا إخراج زكاة الفطر لتطهير صيام الشخص عن نفسه وزوجته وكل من يوجد تحت كفالته من أبناء ووالدين، والتي لا يتجاوز مقدارها عليهم جميعا في أغلب الأحوال أكثر من مائة درهم، مع ما يلزم من كسوة للأطفال إن وجدوا وتحضير القليل من الفطائر والحلويات...

 

فإن عيد الأضحى الذي يصادف العاشر من شهر ذو الحجة، يأتي بعد انتهاء وقفة يوم عرفة ويدوم أربعة أيام، يسمى "العيد الكبير". وهو من الشعائر الدينية ذات الاهتمام الواسع لدى الشعوب المسلمة. ورغم تعدد مظاهر الاحتفال بمختلف الأقطار العربية والإسلامية، إلا أنها تتفق جميعها على أنه يجسد أنبل القيم الإنسانية من تكافل اجتماعي ونكران الذات وطاعة الرحمان، ويتسم بالعبادات والعطاء والوفاء، والرحمة بالفقراء والمعوزين، وينطوي على شتى الحكم الإلهية البليغة والمعاني البديعة والأسرار الرفيعة، التي لا تعرفها باقي الأمم في سائر أعيادها. وفضلا عن ذلك كله هو يوم الإخلاص والتقرب من الله تعالى، يحل بيننا مرة في كل سنة هجرية لتجذير أواصر المودة بين العائلات والجيران وتطهير القلوب وإشاعة روح التسامح والتقارب وتقوية اللحمة الاجتماعية. يبدأ فيه المسلمون بصلاة العيد جماعة في المصليات، ثم ينصرفون إلى نحر أضاحيهم في أجواء من الغبطة والسرور.

 

وعيد الأضحى ما كان ليسمى ب"العيد الكبير" لولا ما يحمله من رمزية دينية عميقة، إذ يذكرنا بسمو معاني الفداء والتضحية والطاعة والأخلاق الفاضلة، لعلنا نستخلص أفضل الدروس والعبر من قصة البلاء المبين، عندما رأى سيدنا ابراهيم عليه السلام في منامه أن الله يأمره بذبح ابنه اسماعيل، الذي لم يتردد في الامتثال لوالده بالقول: "يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين" وما إن أوشك الأب على ذبح ابنه استجابة لأمر الله حتى جاءه النداء من السماء ونزل كبش الفداء، مصداقا لقوله تعالى: "وفديناه بذبح عظيم"، ومن ثم أصبحت سنة النحر مؤكدة، تؤدى في الحج عند البيت الحرام ولدى كافة المسلمين في الأرض.

 

بيد أن جهلنا بأمور ديننا وسوء تمثلنا لتعاليمه وتدبر معاني النصوص القرآنية في غياب تربية دينية حقيقية، كلها عوامل طالما أفقدتنا طعم الفرح والاستمتاع بأعيادنا الدينية وساهمت في تحريف مقاصدها النبيلة. وجعلتنا نفرغ العيد من رسالته السماوية والروحية، وننفخ فيه رياح تخلفنا بابتداع عادات تافهة، حين أبينا إلا أن نحوله إلى هم كبير وحمل عسير، ليصبح بذلك عيدا كبيرا بالمعنى السلبي. وإلا ما كان ليشغل بال الكثيرين منا ويقض مضاجعهم حتى قبل نهاية شهر رمضان. حيث ينصب كل تفكيرنا على خروف العيد أكثر من أي شيء آخر، ننسى عطلة الصيف السنوية، نتجاهل شبح الدخول المدرسي، ونتفرغ للحسابات والحديث عن الخرفان والتساؤل حول وفرتها من عدمها وكيف ستكون أثمنتها؟ وكم ستكلف باقي اللوازم من توابل وخضر وواجبات الذبح والتقطيع...؟

 

وبمجرد ما يبدأ العد العكسي لحلول يوم العيد وتغزو الغنم المرائب في الأحياء السكنية والشوارع وتتعدد نقط البيع في القرى والمدن، حتى ينطلق السباق المحموم بحثا عن "الحولي"، سواء عبر ترقب تقديم الراتب الشهري والمعاش بالنسبة للموظفين والمتقاعدين، أو باللجوء إلى الاقتراض لدى المؤسسات الصغرى دون اكتراث بنسب الفائدة المحرقة، أو بيع بعض أمتعة البيت وتجهيزاته...

 

وزاد العيد "تضخيما" ظهور مهن صغرى بين جحافل الشباب من عاطلين وطلبة وتلاميذ وأطفال قاصرين، منهم من يسعى إلى مساعدة أسرته في مصاريف العيد والإعداد للدخول المدرسي أو السفر، ومنهم من يعمل فقط على تدبر مصروفه اليومي لتناول السجائر والمخدرات. حيث تصبح أحياؤنا وأزقتنا عبارة عن مخيمات للاجئين، أو أسواق عشوائية لكثرة الخيام المنصوبة والسلع المعروضة على قارعة الطريق: من تبن وفحم وملح وبصل وقضبان وحبال ومناديل... كما تزدهر حرفة شحذ السكاكين والسواطير، وعملية نقل الأضاحي في العربات اليدوية والدراجات ثلاثية العجلات. ناهيكم عن مخلفات العيد من تلويث البيئة بأدخنة شي الرؤوس وتراكم آلاف الأطنان من الأزبال وانتشار الروائح الكريهة، وما لذلك كله من عواقب وخيمة على صحة الإنسان.

 

 

إن عيد الأضحى سنة مؤكدة، مستحبة وليست واجبة إلا على من هو قادر عليها، فلم اللجوء إلى تحويل الفرح بهذه المناسبة إلى قرح؟ أما آن لنا أن نتخلص من عقدنا وعاداتنا السيئة؟ وإذ نهتبل هذه الفرصة لنشكر عمال النظافة على ما يبذلونه من جهود جبارة في تطهير أحيائنا من القاذورات، فإننا ندعو المواطن إلى ضرورة الالتزام بواجباته في المحافظة على البيئة، والإلمام بشؤون دينه...

مجموع المشاهدات: 402 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة