الرئيسية | أقلام حرة | الـثـورة الـتـكـنـولـوجـيـة بـيـن الأمــس والـيـوم

الـثـورة الـتـكـنـولـوجـيـة بـيـن الأمــس والـيـوم

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
الـثـورة الـتـكـنـولـوجـيـة بـيـن الأمــس والـيـوم
 

بعد حوار طويل دار بيني وبين أحد معارفي تناولنا خلاله الحديث حول ماضينا وحاضرهم فوجئت به يقول لي بأسلوب مفعم بالانتصار حقا أننا جيل محظوظ من الله عليه بالتمتع والتنعم بمعطيات هذا العصر الذي نتواجد فيه ونتعايش مع ثورة التكنولوجيا، وقمة الاختراعات ومجد الكمبيوتر والأقمار الصناعية، وسيادة الانترنيت الذي أصبح العالم بواسطته قرية صغيرة وتابع كلامه قائلا، أننا ننعم بما توفره لنا الحياة الحديثة بمعطياتها المتعددة الأشكال والأهداف.

سرحت بخيالي بعيدا وأخذت أحدث نفسي قائل للأسف الشديد لم يدر بخلد جيل هذا العصر المعبأ بالمتناقضات ، أن المدينة الحديثة والحضارة السائدة التي نعيشها اليوم سحقت معاني كثيرة جميلة واغتالت مشاعر إنسانية رائعة واجتثت قيما وروابط كثيرة من أصولها في عالمنا، وكذلك سرقت منا كنوز القناعة ، وتركت جرذان الأنانية تجوب طرقات واقعنا واقتلعت عواصفها سنابل الطمأنينة من صدورنا وزرعت مكانها  بذور القلق والجشع.

من أبرز ما أفرزته معطيات هذا العصر سيادة المادة التي أصبحت كل شيء في حياتنا بالرغم منا والبوصلة التي تحدد تحركاتنا، حلنا وترحالنا رحيلنا واستقرارنا، فالكل يجري ويلهث وراء المادة من يملكها ومن يفتقر إليها، فسيادة العالم أصبح محورها الأساسي الاقتصاد والمادة تلك التي سلبت إرادتنا بحكم من مجريات العصر ، وتنفيذا لذلك الحكم تغربنا وناضلنا وذقنا طعم القتر بوجود المادة ووفرتها انحرفت فئة من الناس وتشردت أخرى وكثرت المشاكل ووقعت خلافات مضنية بين فئة وأخرى.

ومن قمة المآسي اغتيلت أرواح وأزهقت من أجل المادة، وبكل أسف حكمتنا المادة وبحكمها استقر الكثيرون في زنازن السجون.

قد حرمتنا المادة من المصالحة مع أنفسنا، وحرمنا أنفسنا أجمل ما منحتنا إياه وهو الشعور بطعم الحياة الحقيقي الخالي من المنغصات وشعور الأمن والأمل بمستقبل مشرق زاهر.

كما حرمتنا الاستقرار النفسي والابتعاد عن التفكير الجاد بما يحمله الغد لنا من مفاجآت مختلفة.

أننا نعيش في عصر زاخر بمتناقضات كثيرة لا حصر لها، كالصراع بين الخطأ الذي وجد له أرضا خصبة نما وترعرع عليها، وبين الصواب الذي تاه بين منعطفات الحياة ولم يعد له مأوى متين على صفحاتها.

وأيضا الصراع الداخلي بين حقيقة ما يجب أن يوجد وبين ما هو موجود بالفعل فالجيل الحالي يعاني من التيارات التي تتقاذفه، والثقافات الغربية البعيدة عن واقعنا وتقاليدنا المكتسبة عن أسلافنا تلك التي تزحف إليه متسللة من خلاله وسائل الإعلام المختلفة، وتعمل على اجتذابه نحوها وتراه يعاني من ذلك التناقض الواضح بين ما يسمعه وما يراه، بين ما يكتسبه من البيت والمدرسة وبين ما بتعايشه واقعا خارج محيطهما، كما أنه لم يعد يستطيع تحديد هويته وسط ذلك الكم الهائل من المعطيات.

تلك الهوية التي راضعناها ورضعها أسلافنا منذ الولادة ولم يشعروا بفقدانها، لقد فقد جيل هذا العصر أكثر معاني الحياة وأجلاها.

فقد المعنى الحقيقي للترابط الأسري فقد تلك الحميمية والعمق في العلاقات العائلية، فقد بهجة الحياة ومعاني البراءة التي سلبتها منه لصوصية العصر وتركته يعيش متأرجحا بحبال التشتت والضياع.

لقد وجد كل شيء وفقد الاهتمام بكل شيء والحماس لأي شيء غير أنه يعاني من الإجهاد النفسي الذي أصبح سمة لمعظم أبناء هذا العصر، الذي لم يعرفوا معنى لتلك الأمراض النفسية التي تفشت في معظم المجتمعات ويمثل القلق أبسطها ، والذين فقدوا الشعور بالألم تجاه المعذبين في الأرض من جراء ويلات الحروب التي أفقدتهم كل شيء عدا المرارة والانكسار ولم يرف له جفن لدى رؤيتهم تلك المذابح والمجازر التي تقوم ببثها ونقلها الشاشات الفضائية فجيل العصر الحالي محروم من الكثير من الجماليات والمشاعر الإنسانية ومن الروابط الاجتماعية ودفء العلاقات الأسرية كما ذكرت في البداية. 

فالمدينة الحديثة والحضارة السائدة حملت لنا الراحة المادية والجسدية ولكنها حرمتنا الراحة النفسية، وتركتنا نلهث ونحن لا نعلم ما نهاية الطريق وندوس لهاثنا على الكثير من القيم ولا نشعر بقيمة الكثير من الأشياء وقد نسينا أنفسنا وتركنا رياح الأيام تعبث بها كيفما تشاء لا نشعر بأحد ولا أحد يشعر بنا، ولم نعد نلتقي بذوي النسب والقربى إلا في المناسبات الهامة "الأفراح أو الجنائز" حفظنا الله مما يخبئه لنا هذا العصر.

 
مجموع المشاهدات: 530 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة