الرئيسية | أقلام حرة | كورونا الفصل الأخير من الحكاية

كورونا الفصل الأخير من الحكاية

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
كورونا الفصل الأخير من الحكاية
 

فجأةً وبدون مقدّمات ولا حتى أيّ سابق إنذار، تغير وجه العالم، وهذا لم يحدث أبدا في التاريخ، ولم يسبق لجائحة ضربت العالم أن أحدثت رعباً كالذي أحدثه هذا الوباء.

 

كل شيء تغيّر بفعل كورونا، تغيّرت سلوكاتنا، وتغيّرت وجوهنا، وتغيّرت نظرتُنا لأنفسنا، ولهذا العالم الذي لم نكن نعتقد أنّ فيروساً لا يرى بالعين المجرّدة قادر على أن يقلب هذا العالم رأساً على عقب.

 

ومن أكبر حسناته أنّه كشف عن معدن كثير من الدّول، التي كانت تدّعي الدّيمقراطية والتّعاون، وحرصها على مصلحة الشعوب، لتسقط من أبراجها فجأةً في أول اختبار .

 

بغضّ النّظر عمّن كان وراء هذا الفيروس، أكانت الصّين أم أمريكا، أم هو غضب إلهي، بغضّ النّظر عن كلّ هذا، فإنّ الفيروس غيّر كلّ شيء، وأسقط الأقنعة عن كلّ شيء، ووحّد الكون كلّه، وجعله ينتظر نفس المصير المجهول .

 

لطالما عَملت الدّول على إغلاق الحدود، ولطالما شدّدت من إجراءاتها لحماية نفسها، ولطالما افتعلت الأزمات من أجل الحصول على المكاسب. لكنّها فجأةً تهاوت بفعل كورونا، وأعلنت عن عدم قُدرتها على مواجهة هذا الفيروس، الذي لا يعترف بالحدود الجغرافية، ولا يُميّز بين الأعراق والألوان، ولا يُعير اهتماماً للاتفاقيات ولا للمعاهدات الدولية.

 

من يتخيّلُ قبل كورونا أنّ دولاً أوروبيةً كان يُضرب بها المثل، في الديمقراطية، و التقدم، والحضارة، سقطت سُقوطاً مُدوّياً بفعل كورونا، وبِقُدرة قادرٍ أصبحت تطلب العون من دول ،كانت على الدّوام تعتبرها دولاً ديكتاتورية.

 

من كان يظنّ أنّ وباءً مثل كورونا، سيجعل دولاً تقف عاجزةً عن مواجهة هذا الوباء، مع أنّ أكثرها كان دائماً السّبّاق إلى الكشف عن الأمراض والقضاء عليها.

 

هل تخّيلتم أنّ فيروساً بذلك الحجم الذي لا يرى بالعين المجردة كما سبق أن قلنا، سيدفع دولاً إلى استعمال جميع الوسائل حتّى لو كانت غير أخلاقية، بعدما فقدت السّيطرة على الوضع، فأنكر بعضها علاقات الصّداقة والود ، وقطع بعضُها الصّلة بأخرى، وسقطت كلّ التّحالفات، وذهب بعضُها بعيداً في ذلك، حتّى وصل به الأمر إلى اعتراض السُّفن المحمّلة بالأدويّة والاستيلاء عليها.

 

بل من كان منّا يتخيّل أنّ دولاً في عالمنا العربي وفي دول المغرب الكبير، والّتي كانت على الدّوام سيفاً مسلّطاً على شُعوبها تَنهبُ ثرواتها، وتَكبِت حرّياتها، وتُهرّب أموالها إلى الخارج، أصبحت منكسرةً بفعل هذا الوباء، وراحت تنتظر مصيرها المحتوم، مع أبناء الفقراء تحت سقف واحد.

 

لم نكن نتخيّل أن يحدث هذا، ولم نكن نعتقد أبداً أنّ من كانوا يستأسدون على شعوبهم، خفتت أصواتهم، وراحوا يبحثون عن سبيل يشاركوننا فيه موتنا الذي نواجهه بصدور عارية، بعد أن أُغْلِقت في وجههم جميع المنافذ. ومن سُخريّة هذا الوباء، أن جعلهم يُدركون أنّ ما هرّبُوه من أموال، وما كنزوه من عَرَق الفقراء لن يغني عنهم شيئاً .

 

كورونا درسٌ لكلّ الأُمم في كلّ أصقاع الأرض . درسٌ للدّول المتقدّمة لتغيير منطقها الأناني، الذي طالما فرضته قهراً على العالم بأسرِه، ودرسٌ لكل الدّول الّتي مازالت شعوبها تعيش تحت وطأة الظلم والاستبداد، لتُفكّر جليّاً في تغيير طريقة تعاملها مع شعوبها، وأن تتجاوز مبدأ "أنا ومن بعدي الطّوفان " الّذي طالما جعلته منهج حياة، لأنّ الطّوفان في النّهاية لا يختار، وإنّما يأتي على الجميع.

 

 

كورونا رسالة عظيمة، ودرسٌ بالغ الأهميّة فهل من متعظ .

مجموع المشاهدات: 715 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة