الرئيسية | أقلام حرة | إفلاس الإعلام الغربي وتسويق الإبهار بالذات

إفلاس الإعلام الغربي وتسويق الإبهار بالذات

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
إفلاس الإعلام الغربي وتسويق الإبهار بالذات
 

نعود إلى ملفنا المتعلق بإفلاس قيم الغرب المتغلب ونفاق وتدليس قيادييه ونخبه، ونعطي مثالا هذه المرة بالإعلام و"نفخ صورة" مواطنيه، حتى لا يبدو "الشعب الغربي" جماعة من الناس كباقي الناس، فقط الإمبراطوريات الإعلامية التي طورتها حكوماته هي ما رفعت قيمته وأعلت منزلته،، ولو كان، في حقيقة الأمر، مجرد نمور من خشب..

ولأني أعرف ذلك، ولأني أبحث عمّا يصدّقه، ولأنه ليس في فضائيات العرب ما هو جدير بالمشاهدة، فإني مدمن على مشاهدة بعض القنوات "الوثائقية" و"العلمية"(المؤدى عنها).. وأهم ما يستهويني فيها برامجها القصيرة نسبيا التي تصور حياة الناس في ظروف أو مؤسسات معينة، بما يعتبر توثيقا تلفزيا لواقع الناس، خاصة ما يتفلت منها لسلطة "الرقيب"، فيتجلى فيها ما "عف الضبع" من معادن القوم!!!..

ولأن البرامج/الشواهد كثيرة ومتنوعة، فإني سأكتفي بضرب مثالا هنا بآخر ما شاهدت، وهو برنامج عن خدمات مراكز الاستماع والمستعجلات(العامة وليس الطبية فقط: حوادث، حرائق، سرقة، اعتداء...) في إحدى "أرقى" الدول الغربية، حيث يمكن تسجيل ملاحظتين أساسيتين بخصوصه:

- الأولى تتعلق بمستوى الخدمات التي توفرها تلك المراكز لمواطنيها، بدء بمراكز الاتصال عبر الرقم المحدد، وانتهاء بالتدخل وتقديم الإسعاف أو الخدمة المطلوبة، طبية كانت أو أمنية أو مدنية... فلا يملك المرء إلا أن يرفع القبعة لعناية تلك الأجهزة وانضباطها وسعة صدرها وتفانيها...

- الثانية، وهي الشاهد هنا، متعلقة بسذاجة ذاك الشعب(وفق جزء مهم من العينة المتصلة) وجبنه واتكاله ونذالته وحمقه، إذا أخذنا المتصلين كعينة للدراسة ومؤشر على "المستوى العام" للناس...

شعب يتصل بمركز الاتصال لوجود عنكبوت فوق الكنبة بحجة أن المتصلة - بالغة، سليمة- وحيدة في المنزل!!!..

شعب يتصل بمركز الاتصال لأن صاحب المقصف أراده أن يؤدي ثمن حلوى قدمها غير مكتملة النضج(مع أنه أكلها)!!!..

شعب يتصل يبحث عن رقم هاتف صديقه!!!..

شعب يتصل كي يحصل على دولارين فكة من أجل الفاكس، لأن صاحب الفندق لم يسمح له أن يستعمل جهاز الفاكس مجانا، وليس لديهما الفكة!!!..

وغير هذا من الترهات(مما لا يصح سرده) كثير...، مما يكرس بوجه خاص مكون الاتكالية في شخصية الفرد الغربي، ويؤكد فرضية أن الشعب الغربي لا يمكنه العيش دون حكوماته، والمقصود بـ"حكوماته" أنه لن يعيش لا وحده، ولا مع "حكومات" كالتي نعيش نحن في ظلها ونتعايش في كنفها!!!..

وعليه، فلا علاقة بين الصورة النمطية التي يقدمها لنا الإعلام الغربي عن الشعب الغربي والصورة الحقيقية لهذا الشعب، رغم أن الكثير ممن حولنا منبهرون بذلك الشعب ويصدقون ما يقال عنه، وهذا طبعا نتيجة نجاح سحر الآلة الإعلامية الغربية في تسويق الإبهار كضربة استباقية في المناكفات الحضارية، مما يؤكد أن الانطباع السائد لدينا عن الشعب الغربي، سواء فيما يتعلق بالذكاء والنباهة والعقلانية، أو فيما يتعلق بالاستقامة والنزاهة وتمثل القيم وترسخها من خلال التربية، هذا الانطباع سرعان ما يُنقَض من القواعد، عندما يشاهد المرء بعض برامج تلفزيون الواقع المقدمة عن ذلك الشعب، ومنها برامج الكاميرا الخفية مثلا، ليكتشف أن ذلك الانطباع ما هو إلا صناعة إعلامية كعامل لكسب الاحترام، وخلق خط دفاع بعيد يعتمد على الوهم وجعل الآخر يحتقر ذاته ويقدس الغرب، وهذا بحد ذاته ردع قبلي مجاني..

بل إن ممارسة التدليس والنفاق في الأذرع الإعلامية للمنظومة الغربية، لم تنج منه حتى قنواتهم "الوثائقية"، ولا قنواتهم لـ"البحث العلمي" الشهيرة، والتي تنهج -بدورها- نهجا دعائيا منحرفا وغير عادل ولا معتدل.. ذلك أنها تواجه أصحاب القرار في تحديد قيم وقوانين وسياسات العالم، وتعبئ ضدهم كل المنظمات البيئية والثقافية المطالبة بالحفاظ على أصالة الكون وعراقة ثقافات سكانه، من أجل الضغط للمحافظة على عذرية البيئة، وأثالة العادات والتقاليد، وتلادة القيم والعقائد... وهذا في كل سوءات وسيئات أدغال إفريقيا والأمازون والهملايا وغينيا الجديدة... ولدى كل المجتمعات البدائية التي قد لا تكون بعض ممارساتها وعقائدها وتقاليدها تمتّ للإنسانية بصلة، بما تمثله من خرافات وشعوذة وممارسات منحطة وبدائية ومهينة للكرامة الإنسانية.. بل تشكل في كثير من جوانبها تنكيلا وإيلاما لبعض الفئات في مراحل معينة من حياتهم، كطقوس "ترسيم" البلوغ لدى بعض القبائل مثلا..

كل ذلك تعتبره "كنوزا" وجبت المحافظة عليها كما هي، دون تدخل من "الإنسان الأبيض"(على حد تعبير القنوات نفسها).. حتى إذا تعلق الأمر بمعتقدات المسلمين أو ممارساتهم، فإن الخطاب يُعكس ليصبح ذلك تخلفا وبربرية وامتهانا ورجعية... وجب على قوى ومنظمات وفعاليات العالم المتحضر أن تعمل على مكافحتها!!!..

إن الانحطاط متجذر في الغرب حتى على مستوى السلوك الفردي الذي كثيرا ما يتغنى المنبهرون به، حيث أن الجرائم -بمختلف أنواعها- التي يرتكبها أفرادهم، سواء في بلدانهم، أو في بلدان "العالم المستباح"، هذه الجرائم هي أفظع كثيرا من تلك التي يرتكبها مواطنو العالم الثالث، مع فارق المستوى المادي والتعليمي والتربوي... الراجح لصالح الغربيين بما لا يقارن.. ولعل تصرفات مثقفيهم وسياسييهم، بل ولاعبيهم والمشجعين -أثناء المباريات، وعلى الهواء مباشرة- تعتبر مؤشرا جيدا للتقييم،، مع أنهم يعلمون أنهم مراقبون بكاميرات احترافية عالية الدقة!!!..

إن المتغلب ليفرض النموذج، والغرب متغلب، الآن، متفوق في كل مجال، وهو بذلك يستغل تفوقه الإعلامي المسيطر ليصنع الصور والتصورات.. فيصنع صورة لغيره عبارة عن تخلف وفوضوية ووحشية وبربرية وبدائية وخرافية..، ويصنع صورة لشعبه تعبر عن عكس كل ذلك، فيظهره في منتهى الذكاء والعقلانية والخيرية والانضباط...

يقوم بهذا في أفلامه ومسلسلاته وتحقيقاته ووثائقياته... وكل ما طالت أيديه..

إلى جانب ذلك، هو أسطول مفلس. مهووس بخلق عدو إلى درجة تفوق الخيال. مدمن على إنتاج برامج مضمونها خلق وضعيات يجب أن يكون فيها الإنسان مصارعا من أجل البقاء، مواجها لعدو ما، مرة من خارج الكوكب، ومرة دمار مفترض، وأخرى مرض ماحق، وأخرى هجوم حيوانات، وأخرى أحوال طقس متطرفة في اتجاه ارتفاع درجة الحرارة وحلول الجفاف، أو في اتجاه الأعاصير والفيضانات...!!!..

 

يكفي مؤشرا على عمالة ودناءة وسفالة وخسة النموذج الإعلامي الغربي المسيطر أنه قلب الأولويات والقيم، وجعل أعلاها التفاهات والخلاعة والعبث..

 
مجموع المشاهدات: 12794 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة