الرئيسية | أقلام حرة | الإسلام وحدة واحدة شاملة3

الإسلام وحدة واحدة شاملة3

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
الإسلام وحدة واحدة شاملة3
 

تابع..

وهذا القسم العقدي الذي هو الأساس في تمييز المسلم عن غيره، وما ينبني على ذلك من حقوق وواجبات، لا يختص فقط وحصرا بالإيمان -"النظري"، "الموقوف"- بوجود الله تعالى بما أثبته لنفسه عز وجل من أسماء وصفات، وبتفرده ووحدانيته، والإيمان بكل مكونات الغيب الأخرى بالصفة والكيفية المحددة كما قد يُفهم، بل هو متعلق، وبالاقتضاء والاستلزام، بل وربما من باب أقوى وأولى، بكل مكونات الولاء والبراء الواردة في العقيدة الإسلامية، وروحُها إفرادُ الله جل علاه بالعبادة، وأساسا محبة الله سبحانه، ورسوله صلى الله عليه وسلم، والصالحين... والإيمان بحكمة الله ووجوب تحكيم شرعه، ورفض أي بديل عن ذلك تحت أي مسمى أو أي ظرف... ويبقى العمل من أجل تحقيق ذلك موطّنا في الصنفين الآخرين(العبادات والشريعة)، وبالتالي قابلا للتسديد والمقاربة، تعتريه عوامل الحماس والفتور والسداد والزيغ، حسب منحى ومنسوب الصعود والهبوط في الإيمان والزهد والورع والجرأة والشجاعة والإقدام والهمة والنشاط والحيوية... لكن العاطفة/الإيمان مقدور عليها دائما أبدا، وأيضا هي غير بادية "فاضحة" كي تتطلب التورية أو التقية، مما تنتفي معه أية إمكانية لإعذار غير المؤمن..

إن الإيمان بالحاكمية يشكل قطب الرحى وحجر الزاوية في المنظومة العقدية الإسلامية.. كما تشكل هذه الحاكمية -بصفتها من أهم مقتضيات الألوهية- جوهر الصراع الحضاري وحقيقته. ذلك أن أعداء الإسلام الحضاريين لهم مشكلة معها، وليس مع غيرها كالعبادات مثلا، لأنها تُمثل قمة تَمثل هذه الألوهية التي ينازعونها، ولأنها تضبط سلوك المؤمنين، ما دام السلوك ليس سوى ممارسات مضبوطة بقوانين تستند إلى مرجعية تلك الحاكمية، وأيضا لأن السلوك يمكن أن يُصوب لنفس المعتقِد لاحقا، ذاتيا عبر توبة(أو بتدخل ضبطي توجيهي خارجي، ممن يملك الصفة)، لأن صاحبه(السليم العقيدة) يدرك أنه على خطأ، ويعترف بذلك. إنما يأمل في مغالبة النفس والتغيير يوما ما.. أما المعتقَد فلا يُضمن تغييره، لأن صاحبه لا يعتقد أنه على باطل، بل يعتقد أنه على حق، وبالتالي فلا يرى داعيا لتغيير معتقده.. بل لا يستحضر الأمر أصلا ولا يفكر فيه.. وعليه فمن معاديا محاربا يجب أن يعادي العقيدة ويحاربها..

إن المسألة مسألة عقيدة بالأساس بما تحتم من إيمان بوجوب العمل على إقامة شرع الله وتحقيق الحاكمية لله كمقتضى أساسي وضروري لمفهوم الألوهية والربوبية.. العقيدة الأصلية الأصيلة المؤصلة الكاملة،، وليست "التقليدية" "المتوارثة" "المسلوقة" "المسوّقة".. العقدية التي هي مفتاح الدين ومدخله، ولا يصح شيء على الإطلاق ما لم تصح.. أما السلوك فله هامش واسع بين الواجب والمندوب والمباح والمكروه والمحظور، وفي أقبح أحواله لا يُخرج مؤمنا من الملة ولا يُدخل كافرا فيها(عكس فساد العقيدة).. فالمجازفة بها مقامرة برأس مال الإنسان وبكل ما يملك، دون إمكانية للاستئناف أو التعويض أو الحصول على فرصة أخرى.. لذا وجب تحصين المعتقَد الثابت قبل الالتفات إلى تصويب السلوك المتغير، وهو منهج الرسل عليهم السلام..

إن الإسلام ما كان يوما مختزلا في شعائر منزوية، وما كان ليحارَب بذاك التحديد.. بل تُقدَّم لمن يريد الاكتفاء بالعبادات المعزولة هبات وتشجيعات وعطايا في ربوع كل زوايا الزنازين العربية بما فيها معاقل "العلمانيين"، ويُشجع "العبّاد الدراويش"، ويكرّمون، ويثنى عليهم..

إن الدين بمفهومه، "التقليدي"، "المتوارث" هو تجربة عاشها جل المسلمين في المدى المنظور من الزمن.. وهي متاحة ميسّرة.. بل وتعمل كل أجهزة الحرس القديم وحراس المعبد العالمي العمل على ترسيخها وتكريس استمرارها بكل ما أوتوا من قوة. لكن التجربة الأخرى("الإسلام الشمولي") هي القليلة، هي المحاصرة، هي الجديرة بالتجريب والتمحيص.. فغالبية المسلمين، وبسبب التجهيل الممنهج عبر أجيال، يمارسون هذا "الإسلام التقليدي" المتداول، المسوغ.. وإن القرآن الكريم قد قرن الكثرة بالسوء، والقلة بالصلاح،، وإن العالَم المسيطر لا يحارب "دين" الناس المسوّق هذا، وإنما يستعمل كل قواه ومكره وجنوده في محاربة "الدين الآخر"، وهو ما يتماشى مع النبوءات الشرعية للقابضين على الجمر..

 

يتبع..

 
مجموع المشاهدات: 11389 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة