الرئيسية | أقلام حرة | بين الإسلامي والمسلم1

بين الإسلامي والمسلم1

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
بين الإسلامي والمسلم1
 

كما مضى، الإسلام إذن هو وحدة واحدة شاملة متكاملة، يشمل العقيدة والشريعة، وينظم العلاقات بين الإنسان، وبينه وبين الخالق، وبينه وبين كل مخلوق، عن طريق ضبط العبادات والمعاملات..

لكن، ولتفاعل وتداخل وتظافر عدة عوامل، أكثرها ذاتي وبعضها موضوعي، عمّ الضعف والوهن والتفتت والتشتت عامةَ المسلمين وأغلبَ خاصتهم.. فخضعوا لتصنيفات من طرف أعدائهم الذين أصبحوا هم من يحددون لهم حدودَ دينهم، ويصنفونهم -بناء على ذلك- بين المعتدل والمتشدد.. فأحالوا الإسلام "إسلامات".. ففيّؤوا وأدخلوا وأخرجوا... كما تم سرد بعض ذلك في الأجزاء الأربعة للمقال السابق..

في هذا المقال، بأجزائه الثلاثة، نخص بالتأمل والتفكيك "مكونا" من المكونات التي سبق ذكرها، أي "الإسلام الحركي" وما انبنى عليه من مفاهيم واصطلاحات تخص أساسا لفظة "الإسلامي" في علاقتها بـ"غريمها"/"ندها": "المسلم"، والجدال المتعلق بتلك العلاقة الذي يأبى الأفول، أو حتى الخمد والتواري..

الجزآن الأولان سيخصصان لمحاولة تحديد المصطلح/الصفة انطلاقا من محاولة سبر غور مشروع حامله/الموصوف. أما الثالث فسيعرض مثالين أو ثلاثة لمؤاخذات بعض الناس(غير المغرضين) على "التيار الإسلامي" من حيث مبدأ الوجود..

لغويا، يأتي لفظ "الإسلامي" في محل المضاف إليه ليدل على المذكر المفرد المنسوب إلى الإسلام.. لكن عندما تأتي الكلمة مفردة عن النسبة، فإنها غالبا ما تأخذ معنى اصطلاحيا يدل على من يتبنى فهما معينا(حركيا/شموليا) للإسلام.. وبهذا المعنى غالبا ما ترد مذكرا سواء مفردا أو جمعا..

التدقيق إذن يجب أن يتعلق بالمجال الاصطلاحي أين يجب تحديد دلالة "الإسلامي"، وذلك بتحديد مطلبه، وبيان هدفه، وتشريح ما ينادي به، وتقييم ما يدعو له، وتحليل مشروعه ومعرفة ماهيته(المشروع)، حتى نتبين حكم المشروع، وبالتالي حكم الالتزام به والتموقف منه، بين الجواز والوجوب والإنكار،، ويكون التدقيق الاصطلاحي بين الكلمتين استنتاجا حتميا من جهة، ونافلة وترفا من جهة أخرى..

وطبعا، فإن الحديث عن "الإسلاميين" هنا هو حديث عن المفهوم المجرد.. أي التيار الفكري الأصيل قبل الاختراق والاختطاف والتوجيه والجنوح الذي أصاب، أو خضعت له، بعض أجنحته الزائفة، كتيارات التقوقع في أغوار "العبادات"، المنزوية عن دنيا الناس، المترفعة عن التعرض لهمومهم، الرابضة في بروج عاجية عالية.. أو تلك المنخرطة في الشأن السياسي بقواعده المقيِّدة المذلة، التي تسعى للإرباك والخلط والتوريط والتوزير(من الوزر)، وإكساب الشرعية للاستبداد وإطالة عمره.. أو تلك التي تُمضي على بياض صك غفران غير منتهي الصلاحية للمستبد، بحجة ولاية الأمر، وفقه الموازنة في درء المفاسد..

أقول، إذا كان هذا المشروع(الأصيل) بدعة منكرة، وجب فضحها ومناهضتها ومحاربتها.. وإذا لم يكن يتجاوز مسائل خلافية داخلية، كما كان الشأن بالنسبة للمذاهب مثلا، فهو لا يُلزم أحدا، معرفته كجهله واعتباره كتجاهله، ما دامت فيه فسحة الاختيار.. أما إذا اتضح أن الأمر ركن وعقيدة وشريعة ودسترة وتحكيم، فإنه يستوجب التبني والمساندة، كموقف إلزامي ملزم لكل مسلم..

مبدئيا، "الإسلاميون" هم من يَعتبرون -اليوم- الدين مهيمنا على حياة الإنسان كلها، وينظم جميع علاقاته في كل الاتجاهات وعلى جميع الأصعدة والمستويات، ويتدخل في كل شأن شاذه وفاذه، ولا تخرج من حكمه حركة ولا سكنة.. فهو -بالنسبة لهم- يضع الخطوط العريضة لتنظيم شؤون الفرد والأسرة والمجتمع والدولة والحكم... دون أن يترك أي فراغ(على مستوى النواظم الكبرى الجامعة)،، في أي مجال..

هم يعتبرون أن التشريع إنما يجب أن يستند لمصادر الشريعة الإسلامية ويراعي روحها في كل جزئية، لأنهم يعتقدون ويعتمدون قاعدة أن أفعال المكلف لا تخلو من حكم شرعي، وعليه فالأوجب على كل مسلم، قبل أن يُقبل على أي حركة أو سكون، أن يسأل عن حكمها، قبل أن يراعي جدواها.. فالغايات عندهم لا تبرر الوسائل، يجب أن يكون كلاهما مشروعا..

هم يرون أن الإسلام دين ودولة.. دين شامل لكل مناحي الحياة.. دين يؤطر الناس ويوجههم لزراعة آخرتهم في دنياهم.. دين يعمل على رفع الظلم عن الإنسان وإشاعة العدل وتحقيق أسباب السعادة في الدارين.. دين يسعى لمحاربة كل أسباب الفساد والاستبداد والريع والطغيان والاستكبار والاستعلاء والاستضعاف...، والقطع معها..

 

يتبع..

 
مجموع المشاهدات: 21215 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة