الرئيسية | أقلام حرة | الجزائر والرهان على الوهم !

الجزائر والرهان على الوهم !

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
الجزائر والرهان على الوهم !
 

1 -  وفرة في الموارد و خصاص في التدبير

ما من شك في أن كلَ المواطنين العرب يُكنون التقديرَ البالغ للشعب الجزائري الأصيل، ويتمنون له الخير والنماء والاستقرار، بفضل تاريخه الحافل بالتضحيات والعطاء الفكري والحضاري العام. لكن في الآن عينه لا يُخفي جلُ المعنيين بالشأن العربي والدولي استغرابهم من الوضع السياسي المضطرب وغير الصحي لبلد المليون شهيد، إذ كيف بدولة مترامية الأطراف حباها الله نعَمَهُ الواسعة وتَتصدرُ موقعا استراتيجيا مركزيا استثنائيا، كيف لهكذا بلد لا يشكو من ارتفاع ديمغرافي مؤثر، وموارده الطاقية تدر عليه قدرا وفيرا من العملة الصعبة، ومواطنوه مجبولون على الابتكار والإبداع في جل الميادين العلمية والفنية والثقافية.. يقبع في أسفل لائحة الدول العربية والأفريقية؟ ما الذي يكبح جزائر ابن باديس وابن نبي ومحمد أركون وأحلام مستغانمي.. من الانطلاق نحو النهضة الشاملة، ويمنعها من أن تكون "قوة ضاربة" وقاطرة للإقلاع الحضاري الإقليمي؟

2- إجهاض أول ربيع عربي

منذ حصولها على الاستقلال سنة 1962 اختار أصحاب القرار في الجزائر عن ” طواعية ” نظاما سياسيا عسكريا ” اشتراكيا ” محكم الانغلاق ، فالديمقراطية أثناء الحرب الباردة بالنسبة للدول المنضوية في المعسكر الشرقي، كان ينظر إليها أداة ” امبريالية ” بيد دول الاستكبار العالمي، لذلك لم يكن للتعددية الحزبية موقع من الإعراب، و إثر الانفجار الشعبي الرهيب في أواخر الثمانينيات من القرن العشرين ارتأت المؤسسة العسكرية الحاكمة أن ” تفسح ” المجال لتجربة سياسية ” مخالفة “، بدأت تؤسس لمرحلة جديدة حيث السماح بتأسيس الهيئات الحزبية متعددة الأطياف، و عبّر الشعبُ الجزائري كعادته عن تعلقه ببلده، و عشقِه غير المحدود لوطنه، و انخرطت نخبه بحماس منقطع النظير في تأطير المواطنين وتأهيلهم وإعدادهم لخوض غمار انتخابات ديمقراطية حرة و نزيهة، انتهت بفوز جبهة الإنقاذ الإسلامي  المندرجة في سياق الإسلام السياسي، غير أن الجيش كان له رأي آخر: تقويض العملية الديمقراطية و رفض نتائج الانتخابات والانقلاب على الشرعية الشعبية، وإدخال البلاد و العباد في عشرية سوداء حافلة بالصور الدراماتيكية الفظيعة، وكان ذلك أول ربيع عربي يُجهَضُ دمويا في ” الوطن ” العربي !

3 – الحراك الشعبي المغدور

و بعد أن تدفقت مياه غزيرة تحت جسر” الأمة” العربية، وانفجرت ساحات التحرير في مصر و ليبيا و اليمن و سوريا .. في "ربيع" عربي ثان (2011)، مطالبة بحقها في الحرية و العدالة و الكرامة كانت الجزائر من ضمن الأقطار العربية القليلة، التي لم تشهد حراكا شعبيا آنذاك بفعل السطوة العسكرية الحديدية ، بيد أن لِمسارِ تاريخ الأمم منطق مخصوص، و على إثر ” تقديم” الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة  ترشحه للعهدة الخامسة، بعد أن أمضى عشرين سنة بالتمام و الكمال ” زعيما ” للدولة، اهتز الشباب الجزائري اهتزازا، و انفجر انفجارا في وجه الطبقة العسكرية الحاكمة، التي عرضّت صورةَ بلد الثوار للسخرية و التندر و الاستهزاء في الساحة الإعلامية الكونية، هل يعقل أن يفرض الجيشُ، رغم أنف أكثر من أربعين مليونا من المواطنين، رئيسا بلغ من الكبر عتيا، و طوقَهُ المرضُ من كل جانب، حيث لم يعد يقوى على شيء! أليس في الجزائر شباب متعلم وطني طموح مستعد لخدمة بلده بشكل أكثر حداثة وأقل مغامرة؟ هل يستحق الشعب الجزائري المحترم مثل هذه المهازل غير المسبوقة تاريخيا؟

4 - عبد المجيد تبون و"استراتيجية" قصف المغرب

وقد أصبنا بإحباط ويأس بالغين من "حكم" السيد عبد المجيد تبون، الذي كنا كمغاربيين ننتظر منه الإقدام على تغيير قواعد اللعبة السياسية ، واقتفاء سبيل الانفتاح والحرية والحوار مع الداخل والخارج وأخص بالذكر المغرب، الذي طالما وقف إلى جانب الأشقاء الجزائريين في الضراء قبل السراء أثناء مقاومة الاحتلال الفرنسي وبعدها، وذلك من أجل بلورة ملحمة النهوض التنموي الشامل وإحداث ثورة "مشاريعية" مفصلية ، تكون منطلقا لغد أكثر إشراقا، لكنه انخرط أو جعلوه ينخرط في حملة العداء الأسود والكيد الجاهلي ضد من مد له يد العون والمحبة والأخوة، وطفق يعزف ترانيم الحرب والموت والانغلاق، فلم يقتصر السيد عبد المجيد تبون على إبقاء غلق الحدود البرية بين الشعبين الأخوين التوأمين، بل إنه اجتهد اجتهادا وأصر إصرارا على حرق "كل المراكب"، فقرر قطْع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب وغلْق المجال الجوي في وجه الطيران المدني والعسكري، و"تقوية" القبضة الأمنية على الحدود الاستعمارية، والطرد الممنهج لمواطنين بسطاء ذنبهم الوحيد أنهم مغاربة، ووقف العمل بأنبوب الغاز المار إلى أوروبا عبر المغرب، والتهجم السياسي والإعلامي منقطع النظير على المصالح الحيوية للمملكة المغربية وتراثها الحضاري الزاخر بالمعارف الإنسانية الرفيعة ...  

5 من أجل جزائر الأخوة والعمل المشترك

 

وعلى ضوء ما سبق، في اعتقاد صاحب هذه السطور الذي يكن محبة بلا ضفاف للجزائريات و الجزائريين الأفاضل، أنه لا مفر من الإنصات لصوت الشعب الذي يعلو ولا يعلى عليه، و أنه لا مجال للالتفاف على مطالبه المشروعة المتمثلة في القطع مع المسلك السياسي المتقادم منتهي الصلاحية، من أجل التوافق الوطني المفضي إلى فسح الميدان للشباب و أصحاب الكفاءات،  للمساهمة في بناء جمهورية جديدة قوامها الديمقراطية المتعارف عليها أمميا، حيث المنافسة الشريفة الحرة على السلطة  بين الهيئات السياسية الوطنية دون إقصاء أو استثناء، و الفصل بين السلطات الثلاث واستقلال القضاء و الإعلام، و اقتصار الجيش على مهمته التي خلق من أجلها، حفظ الأمن و الاستقرار والالتزام بالحياد الإيجابي أثناء الصراعات بين الفرقاء المعنيين بتدبير الشأن العام، و العمل على تأسيس تجربة سياسية تكون نموذجا يقتدى به في عالمنا العربي الجريح، و لِمَ لا العملُ مع الدول المغاربية من أجل بلورة محور إقليمي وحدوي واعد.

مجموع المشاهدات: 32459 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة