الرئيسية | أقلام حرة | "أخطاء" شائعة2

"أخطاء" شائعة2

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
"أخطاء" شائعة2
 

تابع..

عندنا، نحن المسلمون، ترتبط مفاهيم الفرض والندب بالحلال والحرام اللذان يحددهما الشرع.. على أن مجال الحلال فسيحا بحيث يبيح ولا يُلزم، غير أن الحرام آمر قطعي قصدي(يعيّن المحرم بذاته)، يمثل اتباعه(الابتعاد عن المحرم) واجبا وانتهاكه إخلالا.. فيكون الواجب هو امتثال الأوامر القطعية، وكذلك اجتناب النواهي القطعية أيضا.. والواجب/الحرام غير مقتصريْن على مجال مخصوص، بل هما مرتبطان بكل تصرفات المكلف، بحيث كلما أهمل واجبا فقد ارتكب حرام الترك، وكلما عمل محظورا فقد اقترف حرام الفعل: يعرّف أحدهما بنكث الآخر..

من جهة أخرى، معلوم أنه لا يصح "إلزام" الآخر بالقيام بالتطوع،، ولا يستقيم.. لأن التطوع غير ملزِم أولا، وثانيا لأن مثل ذلك الإلزام يبيح للملزَم أن يلزم الملزِم بما يراه هو جديرا بذلك.. ولا يتقبل هذا الآخر ذلك،، وقد لا يستطيع..

مناسبة الموضوع أو سبب ذكره، إضافة إلى تداخل، بل وتشويش المفاهيم المذكور، هو ذاك "الاستفزاز" شبه اليومي الذي ينتج عن "تنزيل" المفهومين(الواجب والمندوب) في الحياة الاجتماعية..

ومما يمكن أن يمثِّل لهذا التخبط في الخلط بين الفرض والتطوع وأسبقية المطالبة بأحدهما، هو مطالبة أحدهم(المعني بالأمر أو "المتدخلون بالخير") لصاحب حق أسبقية في المرور بالصبر والتسامح لصالح مغتصب لذات الحق، عوض مطالبة المغتصب بالتوقف عن تماديه، وكذلك التمثل القائم في أذهان أكثر المسلمين بـ"وجوب" الذهاب إلى المسجد أثناء التراويح،، مع الكف عن أداء بقية صلوات السَّنة في المساجد، والاكتفاء بأدائها في المنازل!!!..

ومن أوجه الفرض الجديدة التي تزيد الإبهام إبهاما عبارة: "الواجب الوطني"!!!.. وهو "مفهوم" لا يُفهم، لأن المفترض أن الواجب واحد، وهو -كما سبق التنبيه إليه- ما يفرضه الشرع على المؤمنين بشريعة دينية معينة، أو ما يفرضه القانون على المنتسبين إلى ولاية سلطته..

ويصبح المفهوم أكثر إبهاما، بل وتلبيسا، عندما يصدر من فوق منابر المفترض في معتليها معرفة أن أفعال المكلف لا تخرج عن خمسة أحكام، منها الواجب(والمندوب والمباح والمكروه والحرام)،، دون ربط أي حكم بأي سند آخر، ولا نسبته لأي معْلم غير الشرع الحنيف، والقوانين التنظيمية غير المنافية لروح الشريعة، والمنبثقة في كنفه، لأن تطبيقها -آنذاك- يعتبر تنفيذا لمقتضيات الشرع، وبالتالي يأخذ أحكامه..

على مستوى التعبير و"المنطق"، إذا جاز توصيف واجب بـ"الوطني"، فما وجه التمييز؟ وما هو المقابل؟ ما دام التمييز يكون بين المقابلات.. وإذا وُجد -مجاراة- مرجع آخر للوجوب، ألا يوجد بالضرورة تضمّن بفعل التراتب الحتمي للمرجعيات؟ مادام الشرعي يهيمن حتما على الوطني..

المنزلق يسقط فيه أيضا المنخرطون في الترويج للعبة السياسية حين يعتمدون مفاهيم من مثل "الواجب" و"الحق" و"المسؤولية" و"الشهادة"... وغيرها من قاموس القيم.. منهم من يعتمد ذلك "تبّعا" تابعين مقلدين.. وهؤلاء لا يُلتفت إليهم.. لكن الحديث هو عن بعض "الباحثين" المتأملين "المؤصلين" الذين وقع التلبيس عليهم، أو يريدون أن يوقِعوا فيه غيرهم، أو هما معا.. وهم لم ينتبهوا أنهم يضطرون مخالفيهم لاستعمال نفس القاموس فيصبحون غارقين إلى الاذقان في نواقضه.. ويتناسون أيضا أنه لن يكون من الواجب بحال التمكين لمنظومة الفساد من رقاب الناس وأرزاقهم، بل ربما يكون الأوجب هو مقاومتها وكفها عن التغول على الخلق.. فمن لم يستطع، فعلى الأقل لا يعطيها صكا..

يتبع..

 

مجموع المشاهدات: 36238 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة