الرئيسية | أقلام حرة | "أخطاء" شائعة3

"أخطاء" شائعة3

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
"أخطاء" شائعة3
 

تابع..

من تلك المفاهيم أيضا عبارة "العمل عبادة"، والتي يلجأ إليها الكثير لتبرير وتسويغ بعض الأحكام.. والحال أن العمل هو حالة عرضية وظيفية غير ملزمة في حياة الإنسان(الطفل، الشيخ، المرأة، غير المحتاج لدخل...)، يمكن أن يكون ضرورة، كما يمكن أن يستحيل عبادة إذا أُنجز من طرف مسلم دائم الاستحضار لرسالته في الكون، والمتمثلة في دوام العبادة في كل حالاتها وأحواله({وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}، الآية 56 من سورة الذاريات. واجتماع النفي والاستثناء يفيد الحصر، بما يعني أن كل وجود الملتزم هو عبادة. وهذا لن يُستوعب إلا باعتبار كل أفعاله عبادة(عدا عن العبادة بالمفهوم المتداول). وهذا بدوره لن يستقيم إلا باعتبار عقيدة ونية الفاعل الجامعة أثناء القيام بأي عمل..).. أما العمل -بالمنطق والمنطلق "العلماني" السائد- إنما تحكمه تعاقدات تنظمها قوانين ومساطر وتشريعات، لا تستحضر المكون الغيبي حتى عند كثير من المؤمنين، فما بالك عند غيرهم..

هناك أيضا مفهوم "الوساطة بين الناس والله"، كما يروج له بعض الناقمين المغرضين الذين يتهمون علماء الشريعة بـ"التوسط" و"احتكار الكلام عن الله".. والحال أن علماء الدين موجودون في كل "الأديان" التي ترتكز على "نصوص أصيلة غيبية"، لأن الفهم والاستنباط لا يتاحان لكل الناس، متعلمهم وأميهم.. بل يجب أن تتوفر لدى المتعامل معها(النصوص الأصلية) آليات الاستقراء والاستنتاج... كما هو معمول به في كل الأديان، بل في كل العلوم.. فالأكيد أن كثيرا منا يعجز عن فهم نص من مصادر التشريع. كما نعجز عن تأصيل حكم ولو في العبادات. ولا نملك إلا اتباع أحكام وفتاوى متعلقة بأحكام الصلاة مثلا، أو الزكاة، أو الفرائض، أو بعض صنوف المعاملات التي تخص جوانب الحياة الاجتماعية أو السياسية أو المالية ومظاهرها.. وعلى المشكك أن يرى أثر اللجوء المباشر إلى النصوص في آيات القتال مثلا، ليجزم أنّا لن نستطيع تقبل بعضنا،، ولن نتعايش آنذاك..

وفي هذا الإطار، وقصد حسن التبين، فإن المتعارف عليه أن احترام الاختصاص والتخصص شيء فضيل،، وإلا -في زماننا هذا البعيد عن الموسوعية، المرتكز على التخصص الدقيق- نولّي نجارا القضاء، وفلاحا الطب..

وبالطبع هناك هامش معين من الاختلاف في الفهم بين الأشخاص للنظريات والمعتقدات والأديان، ولن يختفي.. لأن الناس جبلوا ألّن يكونوا أبدا على عقل أو قلب إنسان واحد، نخبهم أو عوامهم أو ما بينهما، لكن يقينا اختلاف العلماء أهون وأقرب من اختلاف الكل..

المهم أن "الوساطة"(بالمعنى الدقيق) بمفهومها الكنسي أو البوذي، لا يقول بها مسلم، إذ ليس بين الله سبحانه وتعالى وبين عبده حاجب..

وقريبا من ذلك، فإن رمي البعض للبعض قدحا و"اتهامهم" المعيب بـ"النطق باسم الله" بدوره يختزل الكثير من التجني والتجاوز والتلبيس واللغط، لأن كل من يقرأ القرآن الكريم هو فعلا ينطق باسم الله، وكذلك من ينطق حكما شرعيا شرعه الله سبحانه.. وإلا ما يتوجب على المسلم في هذه المواقف فعله حتى لا "ينطق باسم الله"؟؟!!!..

نعم، من حق المؤمن، بل وواجبه أيضا، الحرص على ألا يتم التقول على الله سبحانه وتعالى، وهذه إمكانية متاحة للجميع ما دامت النصوص بين الأيدي..

ونختم بأمثلة لتعابير خاطئة من نوع آخر، وفي مجال آخر، يرددها الكثير من الناس على اختلاف مستوياتهم التعليمية، بل والثقافية، مع أن القليل من التركيز والتأمل يعصم من الوقوع في زللها.. وهي تعابير دارجة قد يختلف تداولها بين منطقة وأخرى، لكن مضمونها موجود بصيغة من الصيغ..

تعابير "شعبية"، "شعبوية" تورط قائلها -مع صفاء النية وغياب القصد- في خلل عقدي لا يعلم مستقره، كـ"اليتيم يبكي وربي يزيدو"، و"ربي كيعطي الفول غ ل اللي ما عندو سنان"، و"الحمد لله ف هاد الساعة"(مع أن الحمد لله دائما أبدا)، و"جاب لي الله" و"غ كيجيب لك الله" اللتان تقالان عند إرادة تصحيح خطأ ناتج عن الوهم... وتعالى الله الحكيم عن هذا علوا كبيرا، وتجاوز عنا، وأصلح بالنا..

في "منزلة بين منزلتين"، نجد تعبير: "ما دّير خير، ما يطرا باس"!!!.. في منحى راديكالي مطلق للنهي عن المعروف.. وللتعبير جوانب وردت منظومة، كقول زهير ابن أبي سلمى: وَمَنْ يَجْعَلِ المَعْرُوفَ فِي غَيْرِ أَهْلِـهِ *** يَكُـنْ حَمْـدُهُ ذَمـاً عَلَيْـهِ وَيَـنْـدَمِ، وقول المتنبي:

إِذا أَنتَ أَكرَمتَ الكَريمَ مَلَكتَهُ *** وَإِن أَنتَ أَكرَمتَ اللَئيمَ تَمَرَّدا، لكن العيب هنا هو أساسا في الإطلاق دون قيد أو شرط..

على مستوى آخر، وإن كانت اللهجات الدارجة لا يتم تمحيصها على العموم، إلا أن التحوير الذي طال بعض كلماتها أو جملها، ونظرا لخطورة أو أهمية مجال استعمالها، فإنه يجب العمل على تفاديها، كما هو الشأن بالنسبة لـ"إن شاع الله"، و"الله ينعلك"... ولا نعلم أصل التحوير، ولا مَن وراءه، ولا القصد منه!!!..

في الأخير، أذكّر بمثالين كنت قد تعرضت لهما في ملف التواصل، وهما غير خاطئين في ذاتهما، لكنهما غالبا ما يستعملان استعمالا خاطئا حينما يصبحان "لازمة" عند كل تدخل، إما من طرف المتكلم: "في رأيي"، أو من طرف المحاور: "هذاك رأيك".. والحال أن الكلام غير المسنود للغير بالاستشهاد أو الاقتباس أو التنصيص... يكون طبعا وحتما رأي المتكلم، دون حاجة إلى تذكير ولا إلى إلحاح.. فيكون التعبيران "لغوا" و"مناورة" وتشويشا،،، وفي أدنى الأحوال حشوا وإطنابا وكلاما زائدا لا محل له ولا فائدة منه..

على النقيض، هناك بعض "الإحلال الحميد" الناتج -ربما- عن الرغبة في تهذيب وتليين وتلطيف الكلام، كما هو الشأن لـ"العافية" بدل النار، و"العسل الكحلة" بدل القطران، و"الصليح" بدل "الزبل"(القمامة)، شرف الله قدركم.. والمثال الأول وجدت له استعمالا كثيرا في الشمال، أما المثالين الأخيرين فلم أعلم لهما استخداما خارج الجهة الشرقية(وجدة والنواحي)..

 

انتهى..

 
مجموع المشاهدات: 33702 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة