الرئيسية | أقلام حرة | متخبطو الداخل الإسلامي2: بين الدين والمنطق

متخبطو الداخل الإسلامي2: بين الدين والمنطق

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
متخبطو الداخل الإسلامي2: بين الدين والمنطق
 

تابع..

نبدأ إذن بالدين، وما أدراك ما الدين..

إنه ذلك المكون "الغريزي" الفطري الذي جبلت عليه الأنفس البشرية، بحيث لا يكاد يختفي من حياة أمة(وهذا العموم والشمول يعتبر قرينة على صحة الدين من حيث مبدأ الوجود، وأيضا على وجود خالق وحيد فاطرٍ، فطر الناس عليه كحاجة للسكينة والاطمئنان)..

بل، وبما أن الدين يرادف الإيمان بوجه اصطلاحي معين(على الأقل من جهة التضمن، إذ يعتبر الإيمان راكز الدين وركيزته وعموده)، فإني أعتقد أنه لا تخلو نفس من اعتقاد ما، لأني أزعم أنه لا وجود لـ"اللاإيمان"، ما دام أن عدم/انعدام الإيمان بشيء هو نفسه، وبالضرورة، إيمان.. بمعنى أن عقيدة ما لا محالة كامنة في جوف الإنسان، مسيطرةٌ على خالجه. والخلاف فيها متعلق فقط بالمعتقد به/فيه ولو كان لا شيء..

فعدم الإيمان هو إيمان بالعدم، وعدم الإيمان بوجود خالق هو في حد ذاته إيمان بعدم وجود خالق، لأن الشي وضده يجب أن يكونا من نفس الجنس، والضد أو النفي يبقي النقيضين في نفس المجال. أي أنه لا ينفي إيمانا إلا إيمان.. وعليه تكون دعوى "العقلانيين" الذين ينكرون على "العقديين"،، ويتباهون بالتجرد من أية عقيدة بصفتها -بإطلاق- قيدا وموجِّها ينافي التحرر، وبالتالي الموضوعية في التداول، تكون دعوى، عدا عن عيب الإطلاقية، ادعاء باطل، لأنهم بدورهم يؤمنون بالعقل..

إن الدين هو أسمى منظومة للقيم المعنوية، ومعاييره وضوابطه تعتبر مطلقة عند المدينين به. وإن كانت هناك منظومات قيمية أخرى، اجتماعية/عرفية أو فكرية/إيديولوجية، تحدد بدورها السلوك البشري وتهيمن على توجهاته، ومنها ما يرقى إلى درجة العقيدة عند من يتبناها.. أي، وفي كل الأحوال، السند المعنوي العقدي هو ما يؤطر التصرفات البشرية.. وبالتالي فهو ليس فقط موجودا، بل وأيضا مسيطرا، حيث أنه، عدا عن الحركات اللاإرادية والأفعال المستجيبة لحاجات الجسم البشري البيولوجية والمعيشية، فإن باقي تصرفات البشر لها باعث عقدي، يمكن أن يكون ذو ارتباط ديني، وهذا هو الغالب، بغض النظر عن الدين أو مصدره(بما فيه -كما سبق- "اللادين"، والذي بدوره يشكل عقيدة)، كما يمكن أن يكون ذو ارتباط بقناعة أو التزام قيمي معنوي، عرفي أو فكري... بل حتى من لا يحبذون هذا التأطير أو ينفونه أو يحاربونه، يفعلون ذلك بوازع عقدي قائم، وخلفية لادينية،، متفردة أو جماعية..

إن الدين، بالنسبة للمؤمنين به، هو الصواب المطلق، والخلاص المطلق،، وفي المطلق، وإن لم يتم "الالتزام الحرفي" به..

من جهة أخرى، يعتبر التسليم والغيب مكونيْن مشتركين ثابتين في الدين.. وبالتالي فإن "منطَقة" الدين بالمنطق العقلاني المجرد(لأن المنطق يختلف حسب مجال التعريف الذي ينتمي إليه ويستخدم فيه(منطق العمليات الحسابية على الأعداد يختلف بين مجموعة الأعداد الطبيعية ومجموعة الأعداد النسبية مثلا)، حيث نجد، في الدين غير "الممنطق" بطبيعته، نجد داخله منطقا معينا)، أقول: هذه المنطقة بهذا التحديد لا تصح.. ولو أُخضع(الدين) لهذا المنطق لرُفض من المبدأ، ولو كان منطقيا لما سمي إيمانا، بل لسمي اقتناعا، ولاقتنع به علماء المنطق والعلوم الدقيقة المبنية عليه قبل،، وأكثر من غيرهم.. لكنه إيمان جاء لينزع تأليه أي شيء بما في ذلك الهوى والعقل..

فالإيمان، شأنه شأن المواقف، وبما أنه يدخل ضمن المكون العاطفي للشخصية، لا يبنى على المنطق بالمفهوم السائد، والذي يبنى بدوره على الكفاءة العقلية ونسب الذكاء المتداولة في قيم البشر، وإلا كان جهابذة المناطقة ونوابغ العلوم الكونية النظرية الدقيقة أولى بالإيمان بالله وأسمائه وصفاته كما أخبر عز وجل عن نفسه، وبدينه الذي ارتضى لعباده.. لكن عدل العدل، سبحانه، جعلها متاحة حتى للأبله،، إلا من أبى..

غير أن الدين، رغم هذه الغيبية وهذا التسليم، يظهر أحيانا أكثر "منطقية" حين يعصم "المؤمن" من الوقوع في العجز أو الحيرة أو التناقض، ما دام يعتمد بالضرورة على الغيب الذي يلجأ إليه المؤمن لإسناد فعل ما أو تفسير شيء ما، على الأقل في مرحلة من المراحل.. أما صاحب المنهج العقلاني فإنه يسقط مدويا في كثير من الحالات ما دام لا يستطيع إسناد ولا تفسير كل شيء..

إن للغيب مجاله، وللعاطفة محلها، وللعقلانية مُقامها، ولا ينفي وجود أي منها وجود الآخر، ولا يمنعه،، ولا يقوم مقامه.. بل الحيز يسعها جميعا، والضرورة تقتضيها كلها، على الأقل لتوازن الشخصية، واستقامة فهمها، واعتدال مواقفها..

وأهم مظاهر الضياع ودلائل التيه هو استعمال أحدها مكان الآخر، أو سيطرة إحداها على الأخرى، أو انتفاء بعضها تماما.. ويعظم التيه حسب الاحتمال المتحقق..

 

يتبع..

 
مجموع المشاهدات: 35631 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة