الرئيسية | أقلام حرة | حرب المصطلح بين "الإرهاب" و"الكفر"2

حرب المصطلح بين "الإرهاب" و"الكفر"2

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
حرب المصطلح بين "الإرهاب" و"الكفر"2
 

تابع..

مصطلح "الإرهاب" يفيد إذن معنى أُمرنا بتحقيقه في القرآن الكريم(بل وتسعى إليه حتى الدول العظمى فيما تسْميه بـ"الردع الاستباقي")، ذلك أن الله تعالى قد أمرنا أن نعد العدة ونقيم القوة لتحقيق هدف إرهاب أعداء الله، والذين هم بالضرورة أعداءنا، بنص قرآني قطعي الثبوت والدلالة.. فالإرهاب بمعناه الكافّ للأذى ورد به الأمر في القرآن الكريم،، ولا يمكن لمسلم أن يتبرأ من مصطلح أُمر بتحقيقه نصا في الذكر الحكيم.. وعليه لا يمكن اعتماد اللفظ وترديده هكذا دون أدنى تقييد أو تمحيص، ضدا على ما ينافيه -ذاك الاستعمال- من مرجعيتنا نحن المسلمين، وإلا يكون استعمال اللفظ بهذا المعنى السلبي المحض والحصري المسنود له، يكون شيئا شائنا، مقززا، بغيضا...

لذا، فإنه يستفزني غاية الاستفزاز أن يستعمل المسلمون أنفسهم(المفترض فيهم أن يكونوا هم "حماة الحمى") كلمة "الإرهاب" مجاراة للغير/الخصم(وأحيانا العدو)، خاصة في ما يحمّلون الكلمة -في ذاتها، وبإطلاق- من حمولة سلبية قدحية، تكرس رفضها -ككلمة- وإدانتها والامتعاض والنفور منها في المطلق،، في حين أن وجها اشتقاقيا لها ورد -كما سبق- في كتاب ربهم، بمعنى وفي سياق إيجابيين، يفترض أن يجعل المسلمين يعتزون ويفتخرون باستعمال الكلمة بكل مشتقاتها!!!..

بل إن هؤلاء الحماة -وغالبيتهم ليسوا من العوام- يستعملون اللفظ(طبعا بالحمولة القدحية المذكورة) هكذا دون حتى أن يحمّلوا أنفسهم عناء تحديد ما يمكن أن يكون سياقا لحظيا عابرا، قد يحدد مجال النبذ ويبرر دواعيه في ذاك السياق المحدد.. بل لا يضعونه حتى بين مزدوجتين، تعبيرا عن اعتراض أو تحفظ أو تهكم ضمني... أو غير ذلك من الأغراض التي قد يقتضيها مجرى الكلام..

إن التحفظ على هذا الاستعمال المفرط، المغرض، المشبوه، أكثر ما يروم تقييد المطلق. فإذا ما تحقق التقييد انتهى الخلاف. لأن الاعتراض قائم على استعمال المصطلح بهذا الإطلاق الذي يسند له ذلك المعنى القدحي الحصري -كما قلنا- الذي يجعل تداوله مستنكفا، مستهجنا، مشمَأزا منه.. وفي الأقل الممكن يمكن تمييز "الإرهاب المرفوض" عن "الإرهاب المقبول". هذا إذا كان ضروريا استعمال ذاك المصطلح بالذات، ولا يمكن الاستعاضة عنه بغيره.. أما أن يجعلني عدوي، بخبثه ومكره، أستهجن وأتبرأ من لفظ ذُكر في كتابي، وأمتعض من ذكره، فلست له تابعا..

إن المسلمين غير مضطرين ولا مجبرين ولا ملزمين بمجاراة غيرهم في استعمال مصطلحاتهم ومفاهيمهم بحمولتها التي يحددونها هم،،خصوصا إذا كان هذا الغير عدوا، أو خصما، أو مخالفا، أو منافسا حضاريا على الأقل..

الإشكال أن هناك العديد من الألفاظ التي يمكنها أن تؤدي المعنى، وربما بشكل أدق، ودون إضافة قيود أخرى تحدد مجال الفعل أو حيثياته. فلماذا يتم تجاهلها والتشبث المصر بهذا المصطلح القرآني؟؟!!!.. ألا يمكن أن نستعمل ترجمة أخرى، كـ"الترويع"، أو "الإفزاع"، أو "الإرعاب"... مثلا لهذا "TERRORISME" غير "الإرهاب"؟؟!!!.. لماذا هذا الإصرار الملح على فرض هذه الترجمة بالذات؟؟!!!..

إشارة عابرة في الأخير، وهي أن هذا كان على مستوى اللفظ فقط، أما على مستوى المضمون، فإنه موضوع آخر طويل عريض، أكتفي هنا بالتذكير بالمفارقة والنفاق والتحيز السافر في نسبة ووصف كل حدث اشتبه أن أحد المسلمين قام به، نسبته ووصفه بـ"الإرهاب" وما يقابلها في كل لغات العالم، ونفي تلك النسبة والصفة والحكم عما يقوم به غير المسلمين، ولو كان نفس الحدث..

أما بخصوص المثال الثاني لهذه المناكفات اللغوية والاصطلاحية، وإذا كان أساس السابق هو فرض استعمال مصطلح بذاته لا يلائمنا استعماله، فإن الأمر هذه المرة هو على النقيض من ذلك، إذ يتعلق الأمر بالمسايرة في الحرص على تجنب اعتماد كلمة الـ"كفر" في السياق المطلوب..

والحق أنه لا يُفهم هذا التحفظ على استعمال المصطلح لنعت غير المسلمين،، مع أن "الإسلام" و"الكفر" هما مفهومان نقيضان، وهما -بقول المناطقة- لا يرتفعان ولا يجتمعان.. وعليه فإنه من الطبيعي أن يكون من ليس مسلما كافرا بالنسبة للمسلم، وبدهي ومسلّم به أن يصنَّف المسلم مسلما والكافر كافرا، إذ ليس متاحا توصيف غير هذا، وإلا ماذا يمكن أن يكون غير ذلك؟ يُنعت الكافر بالمسلم والمسلم بالكافر مثلا؟! وإذا كان غير المسلم مسلما، فماذا عساه يكون المسلم؟ مسلم++ مثلا؟.. ماذا عساه يكون من يأتي بنواقض الإسلام ويقترفها؟ هل يستقيم أن نوصّف المسلم والكافر بنفس التوصيف؟؟!!!.. لماذا التوجس والتحرز والتحوط من نعت الكافر بالكافر، ما دام هو غير مؤمن؟؟!!!..

إن الإسلام والكفر هي مفاهيم قاعدية محددة الدلالة، يستعملها العام والخاص.. و"الكفر" هو الاصطلاح الأكثر استعمالا وفهما للتمييز بين مختلف الملل حتى غير الإسلام، ذلك أن في عرف "رجال الدين" من "الأديان الأخرى" يسمى غير المنتمي لدينهم كافرا، لأن كل مؤمن بدين هو بالضرورة كافر بغيره..

وفي القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة، وفقه العلماء... تُستعمل ثنائيتي المسلمين والكفار لفرز الضدين "المفهومييْن"، وهذا في كل ما مضى من نسخ الإسلام السابقة(اليهودية والمسيحية).. وعليه يكون غير المسلمين كفارا. ولا يمكن أن يكونوا إلا كذلك. بل لا يجوز التشكيك في ذلك، بسوء نية،، ولا حتى بحسن نية، إذ لا يجوز للمسلم أن يشكك حتى في عقيدته كأن يقول مثلا: "أظنني مسلما".. والتشكيك في كفر غير المسلم هو بالضرورة تشكيك في إيمان المسلم.. فليس هناك -بالنسبة للمسلمين- إلا الإسلام والكفر، والكفر ملة واحدة، وليس بعد الكفر ذنب.. ولا يطرح الأمر أدنى إشكال، وليس معيبا ولا شذوذا ولا خطأ أن يسمي المسلمون أنفسهم بالمسلمين ويسمّوا غيرهم بالكفار..

إن الانتقاد المتزايد لاستعمال مصطلح "كافر" يوحي -بقصد أو بدونه- بتهكم أو تشكيك في المعنى المتضمن في مفهوميْ الكفر والإيمان!!!..

انتهى..

 

مجموع المشاهدات: 5407 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة