الرئيسية | أقلام حرة | ضياع النصيحة بين "ماشي شغلي" و"ماشي شغلك"2

ضياع النصيحة بين "ماشي شغلي" و"ماشي شغلك"2

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
ضياع النصيحة بين "ماشي شغلي" و"ماشي شغلك"2
 

تابع..

ومعلوم أن التناصح -على مرارته كالدواء- مبعثه المحبة والحرص على النجاة بمفهومها المطلق، وهي التي(النجاة) قد تبدو -لغير مدرِك- في تحقيق متعة آنية، ذلك لأن التناصح بالحق، والتواصي بالصبر على ذاك التناصح(المر المذاق لدى الطرفين)، هو ما ينقذ الإنسان من الخسران(الذي أقسم رب العزة تبارك وتعالى أنه يصيب غير المتناصحين-المتواصين)، ويحقق له النجاة والفلاح المطلقين..

إن تقديم النصح هو باب من أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الواجب شرعا، والذي يحقق خيرية الأمة، وينذر الله تعالى بالوخيم مَن عطّله. أما من يحققه فهو يستبرئ منه لدينه، ويزيحه من على عاتقه، ويتفادى، بالتالي، محاججة غير المنصوح على الإحجام عن النصح يوم الاختصام.. هذا بين العامة.. أما بين الخاصة، كالأحباب والأصدقاء والمعارف والرفقاء...، فإن النصح، إضافة إلى ما يهم العامة، هو عربون وفاء وحرص على مصلحتهم العليا، وتقديمها على استجداء المحبة الزائفة، والود الزائل..

وطبعا، فإن تقديم النصيحة وتفعيل شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يُفترض بهما الوصول بالمجتمع إلى حالة صفر خطأ.. فالخطأ بشري، غير أنه ليس من المروءة تتبع عورات الناس.. لكن من تبجح بما يناقض صحيح الدين، أو صريح القانون، أو مقبول العرف، وجب تنبيهه وتوجيهه ونصحه، وإلا عمّت الفوضى..

إن النصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إنما يروم القطع مع نمط الحياة السائد في عصر الانحطاط هذا، والذي تطبع الرداءة غالبه.. النمط السهل الميسر الخالي من أية مجاهدة.. النمط المروج له، والذي تميل له النفس والهوى، وتشجع عليه شياطين الإنس والجن،، لكنه لا يميز الإنسان المتأمل المجيد، الذي يميز نفسه عن المخلوقات الخاضعة لقوى الشهوة وتيار التقليد.. ولا يخفى أن أغلب الداعين إلى تغيير هذا النمط عاشوا النمطين كليهما: النمط المنتشر الذي ينصحون بتغييره، ونمط حياة فيه نوع وقدر من التأصيل والاجتهاد والالتزام.. وهو الذي يدعون لتعميمه وتثبيته والإغراق فيه.. ومسلّم به أن من عاش تجربتين في الحياة يكون مؤهلا أكثر ممن عاش تجربة واحدة للحكم عليهما.. وثابت أيضا أنه لا أحد يكره الحياة المادية السهلة، وإن من يعيشها يصبر على وجهها الصعب بالمجاهدة والمكابرة،، وإلا، فمن يكره حياة دون تكليف أو قيود؟؟!!!.. فالصعب إذن هو الخيار المجدّ في اقتحام العقبة، لأن صاحبه يَدين دائما نفسه، ويطمع أن يكون عمله لما بعد الموت.. وهذا هو الكيّس("المْطُوّر")، كما أخبر بذلك الصادق المصدوق، صلى الله عليه وسلم.. ذاك هو المسلم المجاهد، الذي يمكن أن "يستحق" الجنة، سلعة الله الغالية، والتي لا ترتجى إلا بالبعد عن الحياة بالتقليد والعشوائية التي نعيشها في هذا النمط المتداول، واعتماد، بدل ذلك، حياة ذات مرجعية موثَّقة مؤصِّلة لكل تصرفات المرء، يدافع بها(المرجعية) عن كل تصرف، ولا يشرد أبكما، مذهولا، مشدوها، مبهوتا عند كل مساءلة حول ممارسة معينة،، وقد كان يحسب أنه يحسن صنعا..

إن المسلمين، بوصفهم القائمين على حدود الله، وحراس شرعه وعقيدته وشريعته، والمجاهدين في سبيله، لهم أولى بتقديم النصح وقبوله.. وأسمى تجليات النصيحة والأمر بالمعروف هي الدعوة إلى الله، ما دام لا أعرَف من الإيمان بالله، ولا أَنكر من الكفر به.. فالدعوة فريضة يؤديها المسلم الدائم الاستحضار لرسالته في الكون، والتي هي دوام العبادة في كل حالاتها وجميع أحواله، بحيث يستيقن أن لا شيء لغير الله البتة، وأن دين الله يجب أن يكون نفَسا للمرء يستنشقه ليحيَى.. وهذا من مسلمات فقه العقيدة، ذلك أنه من المسلّم به، ومن المعروف من الدين بالضرورة أننا إنما خلقنا لغاية العبادة بشكل حصري، وما كل عوارض الدنيا إلا مراحل وحالات عرضية يجب أن تُعتبر وسيلة للعبادة أو حالات لها. وهي كذلك عند استحضار النية والقصد، والذيْن يجب ألا يغيبا عن إدراك واهتمام المكلف طَرفة عين..

إن الخالق سبحانه قد حدد الهدف الأوحد لوجود الثقلين، وحصَره في عبادته، وعليه، حري بالعاقل أن يقيّم عمله بملاحظة وقياس وتكميم مؤشرات وروائز نشاطه اليومي، ليعلم كم منها كان في صحيفته خالصا لله على الوجه الذي حدده صاحب الأمر، وكم منها كان هباء منثورا، ليس لصاحبه فيه نصيب.. عليه ألاّ يكفّ عن طرح الأسئلة: ماذا يجب أن يميزنا، نحن المسلمين، عن الآخرين؟ ما حظ الله والإسلام ومصيرنا الخالد من ممارساتنا اليومية؟ ما نسبة هذا الحظ من مهمتنا ورسالتنا؟... وهي الحالة التي كان عليها المعصوم صلى الله عليه وسلم، وخبِرها صحابته الكرام رضي الله تعالى عنهم، واستوعبوها وتشربتها عروقهم.. لذا كانت حياتهم خوفا وبكاء، وصارت حياتنا استخفافا وضحكا، على عظمة شأنهم بالعمل والجد، وحقارة وضعنا باللعب واللهو،، وهذا في كل مجالات الحياة.. والمقارنة والقياس ممكنيْن حتى راهنا، سواء بمقارنة استحضار الخوف من المصير الأخروي لدى المسلمين ووجلهم، مع قيامهم بالحد الأدنى من المقتضيات، وغياب ذلك الاستحضار بتاتا عند غير المسلمين، رغم عدم قيامهم بشيء، أو بمقارنة فزع المسلمين المجتهدين السابقين بالخيرات، مع اجتهادهم، واطمئنان غيرهم من المسلمين الظالمين لأنفسهم، رغم تقاعسهم..

إنا لا نقدم النصح ولا نتقبله، ولا نحترم الشرع ولا نطبق تعاليمه، بل كثير منها لا نعرفه حتى،، على أهميته في تحديد أخطر مصير، مع بحثنا الدقيق والمضني في سفاسف الأمور!!!..

انتهى..

 

مجموع المشاهدات: 6093 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة