الرئيسية | أقلام حرة | محمد رويشة.. الرقم الكبير في معادلة الأغنية الشعبية.. وذكرى رحيله تمر في صمت مطلق

محمد رويشة.. الرقم الكبير في معادلة الأغنية الشعبية.. وذكرى رحيله تمر في صمت مطلق

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
المكي أخنوز المكي أخنوز
 

*بقلم: المكي أكنوز

  خلال مشواري الفني الذي يرجع إلى ثلاثة عقود، تعرفت وتعاملت مع عدد كبير من الفنانين والفنانات بالأطلس المتوسط، وكل واحد من هؤلاء له مكانة في قلبي، أحبهم وأعزهم جميعا إلا أن بعض الأسماء الفنية تبقى لها مكانة خاصة ومتميزة لدي، وعلى رأسها الفنان محمد رويشة، الرجل الذي أحببته حتى قبل أن أعرفه، إبداعاته جعلته يتسلل إلى قلبي ويستحوذ فيه على مكانة خاصة، لأنه صنع للحن الأطلسي أصولاً وجَابَ صوته الآفاق عرضا وطولاً، وأطرب الناس شرقًا وغربًا فحتى كاد أن يكون للفن رسولا…ومن هنا أخاطبه هكذا: 

“يا من اشرأبتْ إليه الأعناق ومن أَصْغَتْ إليه الأسماع، فاسمُك قد شاع وذاعْ وفنُّك صار رمزا للعطاء والإبداع. 

كانت تكسو مُحياك ملامح العبقرية وتشع من عينيك الذكيتين رسائل مُشفرة يفهمها عشاق  النغم الراقي، رسائل ود وحب ووفاءْ وتضحية وولاءْ بدون مواربة وبدون التفافٍ أو نفاقْ.

سَهِرْنَا على أنغام آلتك الموسيقية الفريدة من نوعها، كل وتر فيها يصدح بمعنى من معاني الحياةْ ويشدو مثل طائر نادر بنبرات كلها أحزان وأشجان وآهاتْ.

“شحال بكيت على اللي حبيت”، وكم بكينا نحن عليك أيها الأمازيغي العظيم، أيها الرجل الحر الذي أطربنا بروائعه الخالدة وعلمنا كيف نضبط توقيتنا على ساعة الحب والأمل، علمنا كيف نحتج ونرفض الحدود ونكسر القيود ونخترقُ بقوتنا وعزيمتنا وإِصرارنا كل بابٍ موصودْ…أنت علمتنا الصبر يا رويشة، وعلمتنا أن لا نقامر إلا في الحب، فالحب يستحق المقامرة والمغامرة، وأنت الذي أقسمت بالله أن لا تكون خاسرا في الحب في أغنيتك الرائعة: “آلحبيبة، بيني وبينك داروا لحدود  …حلفت ما نكون خاسر واخا يطعنوني بالخناجر” …

أناشدك الله يا رويشة العزيز، قل لنا ماذا تفعل هناك، لاشك أَنك تُسمعهم مقاطعَ من رائعتك التي تقول فيها: ” هاذ الدنيا ما تدوم فين الأجداد فين العلماء فين السادات أهل الحروم، فين قارون و مالو..”، أو لعلك تُطربهم بتلك الكلمات السحرية في أغنيتك الخالدة التي أعربت فيها عن مَلَلِكَ وضَجَرِك من نكران الجميل من طرف حبيبتك التي ربما هي امرأة أو ربما هي الحياة حيث تخاطبها بقولك: “لكن أنا مليت ليك لا وليت، غريتيني بالأحلام حتى راحت مني الأيام”…

فحيثما أنت يا رويشة، في الأرض أو في السماء أو في سائر الأرجاء، فإننا نعاهدك باسم الروح، نعاهدك الأمس واليوم وغدا، أننا لن ننساك أبدا.. وأننا لن ننسى فلسفتك وحكمتك في أغنية “إيناس إيناس” عندما تساءلت ببراءة الأطفال وقلت: ما حيلتي مع هذا الزمان، لم يعطني ما أقدمه للحبيب.. أنا يا ربي من أوجدتني بين الحر و القر أنا يا إخوتي من يستحق البكاء، قتلني الشوق ، ولكن الطريق إلى الحبيب بعيد…” وكم هو مؤلم النسيان وكم هو أشد إيلاما التناسي…

ذلك ما حدث للفنان العبقري محمد رويشة، حيث مرت الذكرى الحادية عشرة (11) لرحيله في جو من الصمت دون احتفال ولا اهتمام، تمر موشحه بستائر الإهمال الفظيع، ومحمد رويشة أكبر من أن يُنسى أو يُهمل، وهو أشمخ من أن تُحجب قامته سحب اللامبالاة أو تقضم “أذنيه” جرذان الرمي في الهامش، كان يجب أن يكون حيا بعد موته كما كان في حياته، لأنه مبدع كبير والمبدعون لا يموتون، حتى إن فارقوا حياتنا نحن البشر وانتقلوا إلى عالم أخر، تبقى أحلامهم وآمالهم تخاطبنا من ثنايا إبداعاتهم، تطل علينا بوجهها السمح لتؤكد في كل لحظة أن هؤلاء المبدعين لم يرحلوا ولَم تحجبهم كثافة الغياب، هم حاضرون معنا برسائلهم في الجمال.

أيها السادة محمد رويشة ما ينبغي أن يُنسى، مبدع” الليل الليل”، رفقة الشاعر حسن كورياط (طنان) ما ينبغي أن تمر ذكراه في صمت، ” بين البارح واليوم”، “حارو عينيك”، ما ينبغي أن تمر ذكراه هادئة، ما ينبغي أن نهمل ذكراه الحادية عشر يكفينا ألما أن القدر سرقه خلسة ذات 17 يناير 2012  وهو في 62 من عمره، فكيف سنتحمل ألما ثانيا بالرمي بالرجل في متاهات الإهمال خلف ظهور التلفزيون المغربي بقنواته الأولى والثانية والأمازيغية، وكيف لها أن تجهل تاريخ 17  يناير الذي يؤرخ في الذاكرة الفنية المغربية لحدث أليم هو رحيل “فريد الأطلس”؟.

في التلفزيون أرشيڤ، وفيه بالتأكيد أناس يفهمون في الموسيقى ويتذكرون محمد رويشة، فلماذا هذا التلفزيون تناسى الرجل في ذكراه الحادية عشرة؟، لماذا تناسته القناة الأمازيغية في ليلة كان من الممكن تحويلها إلى مساحة تلفزيونية لاحتضان رجل كبير؟، لماذا القناة الثانية بدورها أهملت هذا الْيَوْم وقد كان من الممكن تخليد ذكرى رائد كبير بفرجة تلفزيونية.

المجتمع المدني، بنقاباته الفنية وجمعياته هل نسي محمد رويشة؟، هل يكفي أن ننظم حفلا ونبقى صامتين في الآتي من السنوات. ذكرى محمد رويشة تحل كل سنة، وينبغي أن نحييها ونحن مبتهجين، لأننا نحن الذين نحتاج لمحمد رويشة وليس محمد رويشة من يحتاج إلينا، ورويشة غني عنا وغير مبال باحتفالاتنا، لكننا نحن المغاربة نحتاج لإبداعاته، كما لكل مساحات الجمال التي نشرها، ونحتاج لاستمرارها وامتدادها في الوجود، لأنه بغياب الجمال ستسيطر الرداءة والقبح على دنيانا، ومحمد رويشة كان ينشره بيننا.

ولوزارة الثقافة أيضا نهمس: محمد رويشة لا يستحق منا كل هذا الجفاء، محمد رويشة كان له ميعاد مع الجمال لم يخلفه، ولكننا نحن المغاربة كان لنا معه ميعادا آخر فأخلفناه، فما السبيل للتفكير عن هذا الميعاد الذي أخلفناه؟ وما الوسيلة لجبر الضرر الكبير الذي ألحقناه بأنفسنا حينما أهملنا رويشة؟!. إهمالنا لصاحب “إيناس إيناس” فيه ضرر كبير لنا في وقت كثر فيه خطاب الرأسمال الفني والبشري، وخطاب التراث المادي وغير المادي، وهنام مبدع كبير اسمه محمد رويشة تحت الإهمال.

باحث في الفن الأمازيغي الأطلسي، صدر له مؤخرا كتاب “محمد رويشة: المرتجل العبقري*"

مجموع المشاهدات: 4995 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة