الرئيسية | أقلام حرة | الاستغلال الأهوج لفاجعة الحوز!

الاستغلال الأهوج لفاجعة الحوز!

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
الاستغلال الأهوج لفاجعة الحوز!
 

شأنه شأن الكثير من البلدان النامية التي مازالت تصارع من أجل التحرر من أغلال التخلف، يعاني المغرب هو الآخر من عدة نقائص ومظاهر اجتماعية سلبية، يضر بعضها بسمعته ويسيء إلى صورته، مما يستدعي بذل المزيد من الجهود الجادة من قبل مدبري الشأن العام في اتجاه تخليق الحياة العامة، من خلال القضاء على مختلف أشكال الفساد وربط المسؤولية بالمحاسبة، والانكباب على الحد من معدلات الفقر والبطالة، الارتقاء بجودة الخدمات الاجتماعية وتحسين ظروف عيش المواطنات والمواطنين.

      ذلك أنه في الوقت الذي كان فيه شرفاء الوطن في الداخل والخارج بقيادة الملك الملهم محمد السادس وجميع المؤسسات الوطنية من القوات المسلحة المكية والأمن الوطني والدرك الملكي والوقاية المدنية، يسابقون الزمن قصد إغاثة ضحايا ومنكوبي الزلزال الأعنف في تاريخ المغرب على مدى قرن من الزمن، الذي ضرب بقوة 6,9 درجات على مقياس ريشتر عدة مناطق مجاورة لإقليم الحوز مساء يوم الجمعة 8 شتنبر 2023 مخلفا خسائر بشرية ومادية جسيمة،

      وفي الوقت الذي سارع فيه آلاف المواطنين إلى تلبية نداء الإغاثة عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، والتحقوا بمراكز تحاقن الدم في مختلف المدن للتبرع بقطرات من دمائهم الزكية. وفي الوقت الذي كان فيه المغاربة من داخل المغرب وخارجه منشغلين بصنع ملحمة وطنية كبرى، من خلال الإقبال الكثيف على أبناك للمساهمة بما تيسر لهم في الصندوق 126 الخاص بتدبير الآثار المترتبة عن زلزال الحوز والأطلس الكبير، فضلا عن الدور الريادي الذي قام به الإعلام الوطني في تزويد المواطنين بحقيقة ما يجري بمهنية واحترافية، وتلك الحملة التضامنية الواسعة التي أبهرت شعوب العالم، والمتمثلة في جمع مساعدات إنسانية من مواد غذائية وألبسة وأحذية وأفرشة وأغطية وخيام وغيرها كثير، ومنكبين على بحث السبل الكفيلة بإيصالها إلى الضحايا والمنكوبين، ولاسيما أن تلك المناطق المتضررة تتميز بصعوبة التضاريس ووعورة المسالك، التي زادها انهيار المباني والجبال تعقيدا.

      فإنه وكما يوجد أناس طيبون وآخرون خبثاء وماكرون في سائر بلدان العالم بما فيها تلك المتقدمة، كان هناك في مقابل المتطوعين من أبناء الشعب، عدد آخر من عديمي الضمير الذين يحلو لهم الصيد في الماء العكر، الذين لم يكن يشغل بالهم عدا التفكير في الاستغلال الأهوج لهذا الحدث المأساوي الأليم، باعتماد أساليب احتيالية في تغيير وجهة جزء من تلك المساعدات الإنسانية لفائدتهم وذويهم، والحيلولة دون وصولها لمستحقيها من الضحايا والمنكوبين، وخاصة منهم أولئك المتواجدون في أعالي الجبال.

      والأفظع من عمليات النهب والسلب والاستيلاء على بعض التبرعات المادية والعينية، هو أنه بمجرد ما تم الإعلان عن توجه الدولة بتعليمات ملكية سامية نحو تخصيص دعم مادي شامل لجميع سكان المناطق المتضررة بقيمة 30 ألف درهم للأسرة الواحدة، ومنح 140 ألف درهم لمن تعرضت بيوتها للانهيار الكامل، فيما تقرر منح 80 ألف درهم لتلك التي تضررت بيوتها بشكل جزئي، حتى ظهرت فئة أخرى من الانتهازيين ومقتنصي الفرص، الذين انتقلوا صوب تلك المناطق المنكوبة ليس بهدف إسعاف أهلها، وإنما للاستفادة من ذلك الدعم الذي أسال لعابهم، بدعوى أنهم هم أيضا من المتضررين.

      وبصرف النظر عن تعليمات المصالح المركزية لوزارة الداخلية، الداعية إلى التصدي لكل أشكال الاستغلال الانتخابي للكارثة الطبيعية الكبرى ومنع تمرير أي مساعدات تحمل شعارات حزبية، سواء تعلق الأمر بملصقات على أكياس الدقيق وغيرها من المواد الغذائية والألبسة والأفرشة، أو على شكل لافتات على الشاحنات. والاقتصار فقط على القياد في الإشراف على مهمة إحصاء الأسر التي يفترض أن تستفيد من الدعم الحكومي، وتعزيز هذه العملية بنقل رجال سلطة إضافيين إلى الأقاليم المعنية، للقيام بجرد شفاف ونزيه للأسر التي تستحق دعما شهريا لمدة سنة، قصد تغطية مصاريف الكراء والطعام بالنسبة للمناطق الحضرية ومصاريف الانتقال إلى مناطق أخرى، إلى حين انتهاء عملية إعادة الإعمار التي وضع لها كحد أقصى نهاية السنة الجارية 2023، حيث انطلقت يوم الإثنين 18 شتنبر 2023 عملية إحصاء سكان المباني المتضررة من الزلزال المدمر في مختلف الجماعات والقرى بإقليم الحوز.

      فإنه وقبل انطلاق عملية إحصاء سكان تلك المباني المتضررة جزئيا أو المنهارة كليا في الأقاليم المعنية، تسلل عدد من الأشخاص المجهولين رفقة أبنائهم إلى تلك القرى المنكوبة ونصبوا خياما لهم إلى جوار خيام السكان الحقيقيين من ضحايا الزلزال، طمعا في الاستفادة من الدعم المخصص للأسر المتضررة في إطار البرنامج الاستعجالي لإعادة الإيواء، اعتقادا منهم أنه من السهل تضليل السلطات المحلية. ويبدو أن ما شجعهم على مثل هذه الممارسات الدنيئة، هو استفادة الكثيرين منهم بلا أدنى مشاكل ولا تعقيدات من تلك المساعدات القادمة من مختلف مدن وجهات المملكة.

      إننا نكاد نجزم بأن مثل هذه النماذج البشرية العديمة الأخلاق والحس الوطني الصادق، لا توجد في طبقة اجتماعية دون أخرى، بل هي موجودة في كل الطبقات الفقيرة والمتوسطة والثرية أيضا، كما تشهد بذلك عدة تجارب سابقة، لما تتميز به من "لهطة" وإدمان على اقتناص الفرص السهلة، التي لا تستدعي أي مجهود سوى "قلة الحياء"، مما يتعين معه تضافر جهود الجميع في فضح طبيعتها الانتهازية، وأن تحرص السلطات الأمنية والقضائية التصدي لها بقوة.

 

مجموع المشاهدات: 3897 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة