محمد علمي
"قم للمعلم وفه التبجيلا ...... كاد المعلم أن يكون رسولا "
هكذا تكلم شوقي، وهذا ما يجب أن يكون عليه الوضع في علاقة المعلم بالتلميذ، فعلاقة المعلم بتلاميذه تجمعها روابط سامية تقوم على التقدير، والإحترام المتبادل، فالمعلم قبل أن يكون ملقنا للمعرفة فهو مرب وموجه وموقظ للهمم غارس للقيم.
هذا الدور العظيم الذي بات مهددا حين تنتهك هيبة الأستاذ وتنتهك كرامته لدرجة قد يفقد فيها حياته، وهذا بالضبط ماحدث ظهر اليوم (2025/04/13).
تعود أحداث هذا الإعتداء إلى السابع و العشرين من مارس من هذه السنة، حيث تعرضت أستاذة بمعهد للتكوين المهني في مدينة أرفود لاعتداء بواسطة سلاح أبيض من طرف أحد الطلاب في الشارع العام، والتي فارقت الحياة ظهر اليوم متأثرة بجروحها الخطيرة بعد أن قضت فترة في العناية المركزة .
هذا الحادث خلف صدمة في الأوساط التربوية وفي نفوس كل من يقدس رسالة المعلم.
فمشهد أستاذة تضرب بأداة حادة أمام مرأى الجميع، لخص مآسي تراكمت لسنوات في ظل سياسات تعليمية وتربوية اختزلت المدرسة في فضاء وظيفي فارغ من الهيبة. ويمكن الحديث عنها عن سياقات متعددة ساهمت في بروز هذه الحوادث في السنوات الأخيرة أهمها يعود إلى :
_الدفع بمجموعة من المذكرات الوزارية التي تعلي من شأن حقوق المتعلم وتجرم في المقابل كل مظاهر الحزم و أشكال فرض الانضباط، وهو ما يمكن أن نرصده في مذكرات كالتي صدرت في شأن القرارات التأديبية من طرف مجالس الأقسام، والتي لقبت بشكل ساخر من طرف رجال ونساء التعليم بمذكرة "البستنة ". هذه المذكرة التي ركزت على الزينة والأنشطة التكميلية ذات النفع العام لفائدة مؤسسته، بدل تعزيز سلطة الأستاذ وتوفير الحماية القانونية له داخل الفصول.
_رفع اليد عن التربية بمعناها الحقيقي الذي يتطلب أحيانًا الحزم والتوجيه الصارم أنتج أجيالا تفتقد للحدود، و أصبحت الجرأة على المدرس مستباحة، وأصبح المتعلم يتعامل مع المدرسة باعتبارها امتدادا لفضاء الشارع، حيث لا سلطة تحترم، ولا قوانين تطبق.
_ ضعف تفعيل النظام الداخلي لمؤسسات التعليم كان من العوامل الأساسية التي ساهمت في تكرار حوادث الإعتداء على الأطر التربوية داخل المؤسسات، وكذا عدم مشاركة المتعلم لحقوقه وواجباته التي يجب أن يطلع عليها بداية كل سنة دراسية كحق من حقوقه، هذا الواقع الذي علق عليه أحدهم بالقول: إن اطلاع التلميذ على حقوقه قد يكون مدخلا يزيد من تغوله على سلطة الأستاذ والإدارة .
_ غياب الحماية القانونية للأطر التربوية رغم ورود بعض النصوص القانونية في قانون الوظيفة العمومية التي من المفترض أن تحمي الموظف العمومي أثناء مزاولة عمله، فتفعيل هذه القوانين على أرض الواقع يبقى ضعيفا ومرتبطا بالإجراءات القضائية البطيئة. والأستاذ اليوم يتعرض للعنف النفسي والجسدي داخل حجرة الدرس وخارجها، في غياب قوانين رادعة أو أي بروتوكول حماية حقيقي أو تدخل صارم من طرف الوزارة الوصية.
_تطبيع المجتمع مع حوادث العنف؛ فحين يتكرر في الإعلام مشهد ضرب أستاذة أو أستاذ من قبل رجال الأمن والسلطة أثناء ممارسة حقهم الدستوري، وحين تعامل الحادثة كحدث عابر، فإن المجتمع عاجلا أو آجلا سيطبع مع ثقافة العنف ضد رموز التربية. وحين يبرر الاعتداء بأن الأستاذة أو الأستاذ استفز التلميذ أو أنه كان صارما، فإننا بذلك نحمل الضحية جزءا من الجريمة، ونؤسس لثقافة لوم المربي بدل الدفاع عنه.
في النهاية نجد أنفسنا أمام سؤال من المسؤول عن تراجع هيبة الاستاذ وحرمة مؤسسات التعليم،
لا يمكن بأي حال تحميل المسؤولية لطرف واحد. الوزارة الوصية، الإعلام، السياسات التعليمية، الأسر، التلميذ، المدرس، ولكن يمكن القول أن جميع الفاعلين ساهموا في الوصول إلى هذا الوضع. حين لا يربى الطفل على احترام سلطة المربي، وحين لا تقوم الأسرة بتلقينه قيم الانضباط منذ الصغر، وحين يعجز المدرس عن ربط علاقات بيداغوجية سليمة مع المتعلم وحين يعجز عن فرض هيبته واحترامه ليس عبر اللجوء للعنف ولكن باحترام نفسه كإطار للتربية والتعليم وحين تعجز المنظومة برمتها عبر سياساتها التعليمية وعبر وسائلها الإدارية، وحين يطبع المجتمع مع العنف، فإن نتائج ذلك تتجلى في أحداث مأساوية كهذه.
حادثة أرفود ليست الوحيدة ولن تكون الأخيرة ، بل هي مؤشر على أزمة عميقة داخل المدرسة المغربية. و المطلوب اليوم ليس فقط الإستنكار والتنديد بالعمل الجرمي ضد المعلم، بل يتطلب ذلك مراجعة شاملة للسياسات التربوية، وإعادة الاعتبار لسلطة المدرس، وتوفير حماية قانونية وإدارية عاجلة له. فالمدرسة لا يمكن أن تؤدي رسالتها وسط الخوف والعنف ..
اسماعيل
راي
ضاعت هيبة المدرس بضياع مفهوم التدريس ولأن المعلم أصبح يتعامل مع المعلومة كسلعة تمنح للشخص القادر على دفع ثمنها وعندما أصبحت المقررات جوفاء لا تحمل اي معنى ينتفع به الطالب و يفيد غيره كما أن هيبة المدرس ضاعت لان التكنولوجيا جعلت منه شيئا متجاوز