رفيق أيت تكنتا
قادت حركة 20 فبراير ،ثورة سلمية مباركة، بشعارات واضحة وشعبية، والتزمت فيها بمبدأ النضال الشعبي على مستوى الشارع إلى حين تفعيل الإصلاحات التي نادت بها.
فبعد ثلاثة أشهر من النضال، ورفع شعار Dégage في وجه الكثير من "" السياسيين والاقتصاديين وأباطرة المخزن "" ، كان أبرزهم فؤاد عالي الهمة. فبعد تفكير عميق أو استراحة محارب ، قرر هذا الأخير ، بعث رسالة إلى الشيخ بيد الله، معلنا فيها استقالته من لجنتي الانتخابات وتتبع عمل المنتخبين داخل أجندة البام .
لكن ، هذه الاستقالة تطرح أكثر من سؤال، هل بالفعل هي مؤشر على انتقال ديمقراطي فعلي، أم أنها وصفة طبية لتجاوز المرحلة الراهنة؟ ما هي الرسائل التي يمكن فهمها من هذه الاستقالة؟
أعتقد أنه بالرجوع إلى شروط وتاريخ ميلاد حزب البام ، تتضح لنا عدم جدوى الاستقالة ، فكيف لحزب ولادته غير شرعية وباطلة ، خرج من رحم المخزن ، ليؤدي وظيفة سياسية ( كما هو الحال لأحزاب مخزنية سابقة عليه) في زمن محدد وفي شروط معينه ، أن تعطى الشرعية لاستقالته من لدن الشعب ، فهذه الاستقالة لا تخص الشعب بقدر ما تخصهم ؟؟ ،لأن الحزب بني على باطل ، والاستقالة باطلة ، ألأجدر هو الإعلان عن الاعتذار للشعب المغربي ورد القيمة لهم . فمطلب حركة 20فبراير ليس هو استقالة الهمة وفقط ، بقدر ما هو مطلب شمولي ، يؤكد على ضرورة إقبار سياسة صنع الأحزاب وفبركتها …
إن تحليل مسألة'' استقالة الهمة'' يمكن أن نفهم منها عدة رسائل من طرف المخزن :
أولا: استقالة الهمة دليل على أننا بصدد كائنات سياسية مصلحية تتعامل مع اللحظة، يحترفون السياسة كنشاط ارتزاقي ، وليس كنشاط مبدأي ، إذن فلغة المبادئ لا محل لها من الإعراب . والسؤال الجوهري إلى أين سترحل تلك الوفود المكدسة في حزب الهمة خصوصا أن النهاية قريبة ؟
ثانيا: هي مؤشر يفهم منها أن المخزن لا يكترث للأحزاب، وأنها لا تمثل إلا نفسها فبعد صراعها مع البام لم تستطع أن تقف له بالمرصاد ، لكن بالمقابل عندما انتفض الشعب "" حركة 20 فبراير "" سرعان ما تزعزعت أسرة البام ، وهذا دليل على أن المخزن يخشى الشعب ، أما التنظيمات السياسية بالنسبة اليه ، هي مجرد أبواق لا أكثر .
ثالثا: الحزب الوحيد في المغرب هو "" وزارة الداخلية "" بتلاوين مختلفة ، كان أبرزها حزب الهمة ، ومن هنا فاستقالته إستراتيجية مخزنية الغرض منها إعطاء الشرعية لما يسمى '' بالانتقال الديمقراطي '' ، وجعل الشعب يتوهم أنه يسير نحو الديمقراطية المفقودة. لكن أكيد أن الشارع المغربي له وعي جمعي باليات اشتغال السياسة المخزنية ، وهذا يتجسد في مطالب حركة 20 فبراير.
رابعا: السير نحو الانتقال الديمقراطي ، لا يكون إلا بتأسيس مفهوم الحزب ، وإعادة النظر في التشكيلة الحزبية المغربية. لذلك هذه الاستقالة مؤشر على أن الحزب يبنى من إرادة الشعب ولا يعطى ، ليس صنيع المخزن.
هذه رسائل يمكن أن تشي بها استقالة الهمة ، والأكيد أن الانتقال الديمقراطي الفعلي ، لن يتأتى إلا بتغيير شامل وكلي للبنية السياسية ،الاجتماعية،الاقتصادية... في إطار تكاملي ، وليس باستقالات وهمية.
وأخيرا لا يصح إلا الصحيح وهي إرادة الشعب فوق كل اعتبار.
باحث في علم الاجتماع
