عبد السلام أقصو
إن للميز العنصري تاريخ عريق ، اختلف باختلاف الحضارات والثقافات و الأعراف والديانات و حتى الأجناس ، وكان أشهرها ، التميز العنصري بين البيض والسود ، فقبل الإسلام كان البيض في جاهلية العرب يستعبدون السود وكانت المرأة تحتقر و تستعبد بل كانت ندير شؤم وبلاء عندهم ، جاء الإسلام نابذا هذا السلوك المشين والخلق الدنيء فكان مبدأ المساواة " لا فرق بين عربي ولا عجمي ولا أبيض ولا أسود إلا بالتقوى " بمثابة تصحيح لمجموعة من المفاهيم المغلوطة وكذلك حافظا لكرامة الإنسان ، كما أن التاريخ سجل أقوى لحظات مناهضة التمييز العنصري في القرن العشرين و الواحد والعشرين ، نيلسون مانديلا أحد هذه الشخصيات في العالم ، الرجل الذي سخر كل عطائه ونضاله لمناهضة كل أشكال الميز العنصري وبالخصوص بين البيض والسود والذي عانت منه بلاده الشيء الكثير.
فالميز العنصري ، لا يقتصر فقط على البيض والسود ، بل يتعدى ذلك إلى نقاط و حيثيات أخرى مثلا التفاضل بين المرأة والرجل ، التمييز بين العربي الامازيغي ... في المغرب لا زال التمييز العنصري قائما ، رغم كل تظليل للإعلام المغربي حتى يقال " العام زيــــن " ، فالعنصرية تمارس على الأجانب من اللاجئين الأفارقة السود في المغرب ، فينضر إليهم بنضرات ازدراء واحتقار ، عكس الأجانب من البشرة البيضاء يلقون ترحيبا كبيرا ، ولا أحد يجادل في أمرهم ولو لم يكن بحوزتهم جواز سفر أو تأشيرة دخول .
حال البيض والسود ، حال العرب والأمازيغ ، رغم التعايش جنبا إلى جنب إلا أنه لا زالت تلك النضرات والمعاكسات قائمة، بالتبخيس من قيمة الإنسان الامازيغي أو العكس، بإطلاق نكت وبعض الكلمات والسب والشتم، " سير الشلح " ... إلخ من الكلمات التي تمثل صنف من الاحتقار والكراهية والعنصرية الممارسة على الأمازيغ ، كما أن الأمازيغ أيضا يمارسون عنصريتهم بطريقتهم الخاصة ، كالحديث بالامازيغية أمام إنسان عربي ، أو عدم الرغبة في التعامل اقتصاديا واجتماعيا مع غير الناطق بالامازيغية
وكما جاء في قصيدة التأشيرة للشاعر المصري هشام الجخ يقول فيه " أتجمعنا يد الله وتبعدنا يد الفيفا " ، وهذا ما يحصل خلال الممارسات التي يقوم بها مشجعي الفرق الوطنية ، إما بتخريب المنشآت وإما بتبادل السب والشتم ، وإما بالضرب والجرح واعتراض السبيل في الطرق و محطات الحافلات والقطارات ، ومثال على ذلك الصراع الذي كان قائما بين مشجعي فريقي النادي المكناسي و المغرب الفاسي ، حيث اعترض مشجعي فريق المغرب الفاسي سبيل مشجعي النادي المكناسي والعكس وذلك في محطات القطار والحافلات في شكل جماعات حاملين معهم معداتهم الخاصة من أسلحة بيضاء مكونة من سكاكين و سلاسل سيوف ...
الميز العنصري باختلاف الموقع الجغرافي ،" عريبان " كلمة أصلها اللهجة المحلية لمنطقة طنجة يقصد بها " العروبي" بالمفهوم العامي ، يستهدف بها كل أبناء المناطق الداخلية ، منطقة طنجة التي عرفت مؤخرا مجموعة من المشاريع الكبرى ، و التي استقطبت يد عاملة مهمة يأتي غالبها من المناطق الداخلية، هذه المناطق التي تصنف اقتصاديا ضمن مناطق المغرب غير النافع ، يهاجر أهاليها إلى المناطق الشمالية والغربية ، وبالخصوص منطقة طنجة ، هروبا من الفقر والبطالة والهشاشة ، أو هروبا إلى الضفة الأخرى .
منطقة طنجة تقدم عنصرية في طابق خاص للمقبلين على الإقامة بها ، تكون بالهمز والغمز وإطلاق عبارات نابية تجرح مشاعر الآخر ، والتي غالبا ما يكون مآلها نشوب شجار . " ها عريبان جاو عاود " ، وما لا يريد أهل البلد فهمه أنه لا طنجة ولا الناضور ولا الرباط ولا العيون ولا فاس ... كلها مدن و مناطق لم تكن يوما ملكا لأحد ، فالوطن للجميع يسير فيه أين شاء ومتى شاء ، وتبقى الأرزاق بيد الله ، ومسألة المستوى التعليمي والكفاءة.
وكذلك المناطق الداخلية لم تسلم من هذه الظاهرة ، فلا تفتأ تسمع " هركاوي دخل البلاد " و للأسف مصطلح يطلق على من يأتي للمناطق الداخلية باحثا عن لقمة العيش ، إما في أشغال البناء أو أعمال أخرى ، إلا أن هذه الظاهرة انقرضت في الآونة الأخيرة ، بانتشار الوعي داخل كل شرائح المجتمع والتأقلم و التعايش وتقبل الآخر .
وبظهور الفكر الماركسي في شخص الحركة الشيوعية الماركسية ، والتي تعتبر أمرا دخيلا على المجتمع المغربي الذي تبنى مند حقب و عصور الدين الإسلامي مبدأ وشرط أساسي لقيام الدولة المغربية ، فالإسلام في قول الآية " لكم دينكم ولي دين " ، أسس بذلك مبدأ تقبل الآخر والتعايش مع كل المعتقدات باختلاف تصوراتها ، إلا أن بعض الممارسات التي يعتبرها البعض تمردا على الدين الإسلامي و الدولة المغربية والتي تتجلى أساس في بعض الخرجات لمجموعة من الفصائل التي تدعو بالأساس إلى الحرية الجنسية ، الإفطار في رمضان أمام الملأ إلى غيرها من الأمور التي قد تخلق الفتنة ضمن مكونات المجتمع المغربي ، أو صراعات كما هو مشهود في الجامعات المغربية .
الفصائل والانتماءات مستلهمة من النظام المجتمعي القديم ، نظام القبائل والعشائر، ولد البلاد ولد العائلة ، نظام لا يزال سائدا في المغرب ، هو الحاجز الذي يحول دون تحقيق قفزة نوعية في كافة الأصعدة ، فالتوظيف في المغرب لا زال إلى يومنا هذا يحتكم لهاته المعايير ، ولا زالت الانتخابات المحلية ينتخب فيها ولد القبيلة وليس من سيخدم المنطقة ككل ، لازال المنطق المغربي لم يتحرر من فكر الأقدمين من الآباء والأجداد ، إلى متى سنظل عنصريين مع الأقربين من أبناء جلدتنا ؟؟ متى سنحتكم إلى ضمائرنا ؟؟
