احمد اضصالح
في حلقة ساخرة للكوميدي الأمريكي ذائع الصيت "جورج كارلين"، فسر الأخير كيف أن البشر –على خلاف باقي المخلوقات- يفعل أمورا بالغة الفظاعة بنفسه وبمخلوقات أخرى تشاركه هذا الكون الفسيح.
وضرب لذلك مثلا بحرب العراق أو ما اصطلح عليه المنجرة: "الحرب الحضارية" وغيرها من الأحداث التي يندى لها الجبين هنالك في عصر التكنولوجيا والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية بمختلف مسمياتها وهيئة الأمم المتحدة وهلم جرا.
"البشر سيفعلون أي شيء.. أنا مقتنع.."، هكذا أضاءت كلمات هذا الرجل خشبة المسرح وهو يستعرض ما وقع بالعراق من قطع الرؤوس وانزعاج الناس بذلك ليتساءل بعدها: "ما هو الاختلاف الأخلاقي بين قطع رأس واحدة أو اثنتان.. وبين إسقاط قنبلة كبيرة على مستشفى وقتل كمية من الأطفال المريضين؟ !.. لا أحد سيفسر هذا !!"،ليقرر قاعدة على شكل تعجب:" أي وحوش نحن البشر !! ".
"جورج كارلين" هذا غادر الحياة في صمت أواخر سنة 2008 وفي جعبته الكثير من الأفكار والآراء علمتها إياه الحياة في قلب الولايات المتحدة الأمريكية مهد الديموقراطية الحديثة، وهو بذلك لم يكن قد سمع أو رأى ما وقع هذه الأيام في إفريقيا الوسطى ليخصص له حلقة من حلقاته الكوميدية الناقدة، حيث نشرت إحدى الصحف البريطانية صورا لأحد المسيحيين لقب نفسه ب"الكلب المجنون" وهو يأكل لحم رجل مسلم أمام الملإ بالعاصمة "بانغي" استكمالا لمشوار اضطهاد الأقلية المسلمة هنالك، والتي تمثل ما يقارب 10℅ من مجموع سكان الجمهورية في حرب إبادة ممنهجة.
أكيد أنه لا أحد اهتم لهذا الأمر كما وقع ل"كارلين" عقب حرب العراق لأن الجميع ربما أخذ بنصيحته واعتبر يقينا أن البشر وحوش يفعلون وسيفعلون أي شيء. لذلك استنادا لحلقة "جورج كارلين" هذه، فإن الأمر لا يعدو أن يكون وجها آخر لممارسات البشر التي بقيت جيناته هي هي طيلة استعماره الأرض وممارسته لنشاطاته عليها.
البشر هم البشر، لا يشبهون باقي المخلوقات وكفى .. والدليل على ذلك ما وقع وما سيقع، فالتاريخ البشري مليء بالدماء والأعمال التي أشارت إليها الملائكة في حوارها الرباني: (أتجعل فيها من يسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك).
من يهتم لسوريا وقطع الرؤوس فيها، وحرب الإخوة الأعداء؟ من ينظر بعين الرحمة والشفقة لقتلى العراق وفلسطين والصومال وبورما وغيرهم غير بارئهم؟ من يكترث لضحايا التمييز والاغتصاب في هذا العالم؟ من يتألم لتجارة الرقيق الأبيض والأسود وحال الإحصائيات في ارتفاع كل سنة؟ !..
المظلومون يصرخون في كل مكان، وفي كل زاوية من زوايا هذه الأرض .. الحيوانات تشتكي لربها ظلم البشر.. الحشرات.. خشاش الأرض.. الأشجار والمياه .. الثعابين والغزلان.. الأوزون.. الأرض والسماء.. الكل يشتكي لرب العباد فعل البشر .. لا لشيء إلا أنه بشر !.
وسيأكل "الكلب المجنون" لحم أخيه الإنسان بعد طهيه على نار متقدة في العاصمة "بانغي"، وسيتلذذ بذلك ما دام بشرا .
هذا البشر الذي بعثت إليه الرسل تترى، وجند له المصلحون أنفسهم دعاة للخير والصلاح يتلذذ بأكل بعضه بعضا دون أدنى شفقة في القرن الواحد والعشرين؟ ! ما السب إذن؟
السبب بكل بساطة يا سادة وراء أفعال البشر هذه، مخالفة التعاليم الربانية التي تدعو لقيم التسامح والتعاون واحترام وتقدير الآخر لا القتل والتنكيل باسمها وباسم ما أحدث بعدها من قوانين وضعية وأعراف، وفي هذا اختبار وامتحان عسير لنا نحن البشر، لأن خالقنا قال مجيبا الملائكة وهو العالم بأسرار الخلق يوما: (إني أعلم ما لا تعلمون).
فتجد في البشرتبعا لذلك صالحون مصلحون، ودعاة الخير الذين يجعلون أحدهم يبقى على قيد الحياة بما فيه الكفاية متفائلا ومتمسكا بمبادئ السلام والعدل والمساواة.. ولن يكون مرتاح البال حتى يعود بعض البشر عن غيه لا لشيء إلا لأنه بشر !.

موحسين
- عين الصواب
صدقت يا أستاذ فالوحوش تفزع من أفعال البشر