الرئيسية | أقلام حرة | مؤاخذات على التعليم وأساليبه في المغرب (3)

مؤاخذات على التعليم وأساليبه في المغرب (3)

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
مؤاخذات على التعليم وأساليبه في المغرب (3)
 

 

 

بقلم طارق جبل

كاد المعلم أن يكون رسولا...

في المغرب بكل تأكيد، وفي العالم العربي عموما بدون أدنى شك، يحتل المعلم عوضا عن المتعلم مركز العملية التعليمية. وهذه قمة الشذوذ في التعليم بجميع مراحله في بلادنا. على امتداد عقود طويلة، بنت المؤسسات العتيقة والتقاليد والأعراف الفولكلورية صرحا شامخا للمعلم. فصورته على أنه ذلك الغول المفترس الذي يفقد التلميذ، عند سماع صوته الجهوري و حين رؤية سحنته المتعكرة على الدوام، قدرته على التحكم الفيزيولوجي في مصراته. وساقت الطلاب بين مراحل التعليم المختلفة كما تساق النعاج والقرابين البشرية إلى مذابح الحضارات البرونزية يوم تكسف الشمس أو يخسف القمر.

كاد المعلم أن يكون رسولا. وكادت هذه العبارة أن تكون صحيحة. لولا أن الأساتذة الأكفاء في ذاكرة التلاميذ قد يحسبون على أصابع اليد الواحدة، عند أهل لغة شكسبير الذين لا يعتبرون الإبهام أصبعا من أصابع اليد...

غالبا ما تكون مراحل الحياة الأولى أسعدها، حتى تكدر صفوها مراحل التعليم الأولى. من منا لا يتذكر أصنافا وألوانا من المعلمين السيكوباتيين في المدرسة الابتدائية، ومن الأساتذة المتخلفين في الإعدادية والثانوية... أستاذ التربية الإسلامية مخمور يحاضر في العقيدة والعبادات والمعاملات، ويقرأ (إنما الخمر والميسر...) في درس تحريم المسكرات و درس مبطلات الصلاة... أستاذة الرياضيات شخص فيها أكثر من طبيب نفسي داء الهوس الاكتئابي. إذا ابتهجت مضغت علكتها الخالية من السكر بصوت مسموع يشوش على الفهم، وتعالى دخان سيجاراتها المنعنعة الخالية من النيكوتين في ضبابية كثيفة تحجب الرؤيا وتدوخ الرأس. وإن هي غضبت ألصقت المضيغة بشعر الرأس أو أطفأت السيجارة في كف اليد أو مارست رياضة الرماية فأصابت أهدافا ساكنة برأس القوس وأخرى متحركة بإبرة البركار... أستاذ الرياضة شاذ جنسيا يتحرش بفتيات بسن بناته وأحيانا في عمر حفيداته... أستاذ الفيزياء مخبول. تجاربه التوضيحية قلما تنجح، وغالبا ما تنتهي قبل أن تبدأ. دافعة أرخميدس في فصله خافضة، والجاذبية الكونية رافعة...أستاذ الفلسفة بخيل. يدفع العلامات من جيبه. يوزع الأصفار كما يوزع المسلمون الزكاة في عيد الفطر. يفسر كانت ونيتشه على هواه بالمقلوب، ويعطف على حال هيدجر فينقح (الوجود والزمان) في ساعات الفراغ بقلمه الأحمر. يقتل في النفس عشق الحكمة، ويحبب إليها الجهل والأمية...أستاذة اللغة الفرنسية مصابة بانفصام الشخصية. تفكر في أن تحول اسمها من حليمة أو السعدية إلى أريان أو جان دارك. لا تتكلم باللغة العربية إلا تحت تهديد فوهة AK 47 لتنطق بالشهادتين. ولا يتقوم لسانها المتلعثم من التمتمة والفأفأة إلا حينما تنطق بلغة موليير...أستاذ الإنجليزية مجنون بوثائق رسمية. يلبس في كل حصة نفس القميص الأسود طويل العنق ونفس الجينز المهترئ مثله مثل (ستيف جوبز). ولا تفارقه نظاراته الشمسية لا في الصيف ولا في الشتاء كأنه شخصية خرجت من (Men in Black)... أستاذ العربية مدمن على لعب القمار. يستشير الفصل في سباقات الخيول وأرقام اللوتو الرابحة...

كان بالود أن تظل هذه النماذج البشرية ومثيلاتها حبيسة رويات الخيال العلمي وقصص الجيستابو وأفلام الهروب من ألكاتراز. لكنها مع كامل الأسف شخصيات من دم ولحم يفرضها الواقع على الخيال... من المعلمين من يعتبر التلميذ بابا من أبواب الرزق دون أن يرى بين عمله الرسمي في مؤسسات الدولة و هواية الدروس الإضافية تضاربا حادا في المصالح. ومنهم من لا تكفيه العطل المدرسية على طولها وعرضها، فيدمن على تكديس الشهادات الطبية وطلب الإجازات المرضية، حتى تبدو مزاولة مهنة التدريس وكأنها عامل من عوامل خطر الإصابة بالأمراض المعدية، وتبدو المؤسسات التعليمية وكأنها حقل إبديميولوجي أو مختبر ميكروبيولوجي ينتشر فيه الطاعون وفيروسات الحمى النزفية...

صحيح أنه بقدر ما يكون طلب العلم عملا مؤبدا، فإن التدريس شغل شاق. لا تحل معضلاته بطروحات خفيفة للاستهلاك السريع من طينة (يكفي أن، ولم لا، ولماذا لا نجرب كذاوكذا). لكن تصوير المعلمين على أنهم مجاهدون من زمن الفتوحات نشروا الإسلام وفرسان شجعان فتحوا فلسطين مع صلاح الدين وأيقونات وطنية قاومت الاستعمار ومناضلون نقابيون تعفنوا في المعتقل، تصوير كاريكاتوري فيه كثير من المبالغة. كما أن التندر بأن فيهم من يعبر وادي سبو ونهر الميسيسيبي ويتسلق الإفرست ويركظ الماراتون في كل يوم ذهابا وإيابا، زعم فيه كثير من المغالطة. فليس كل من يتغزل بحبه لحرفته وإخلاصه في عمله كفء. كما لا يشتق التدريس علامات امتيازه من منافسات ألعاب القوى ورحلات ابن بطوطة وماركو بولو.

حتما ستكون التهمة جاهزة "بقلة الأدب ونكران الجميل؛ في محاولة يائسة حاقدة الغرض منها تصفية حسابات قديمة عالقة مع أشباح الماضي." ولن يفوت الادعاء فرصة التذكير بأنه لولا المعلم الذي يلقن أبجديات القراءة والكتابة، لما تطاول عليه المتطاولون اليوم بمثل هذا الكلام...وهذا قول حق يراد به باطل. المعلم يتقاضى أجرا على عمله، شأنه في ذلك شأن الطبيب والمهندس وساعي البريد والميكانيكي... إلم يعلمك زيد لكان قد علمك عمرو...

مع كل ماسبق، وجبت المبالغة في المقصد حتى يظهر المعنى، كما يبالغ الرماة في تقدير المسافة التي تفصلهم عن الهدف فيما يعرف بمبدإ (Overshooting principle) في العلوم البالستية. لكن لا يمكن التشكيك بأي حال من الأحوال في تضحيات ثلة من رجال التعليم ومدى كفاءتهم وإخلاصهم في عملهم ووعيهم بخطورة رسالتهم وجسامة مسؤولياتهم. ولا نجانب الصدق في دعوانا بأننا مازلنا نرد جميل هؤلاء كلما طرقت ذكراهم القادمة من ماض سحيق أبواب حاضرنا. فما فتئت أشباحهم تطرق أبوابا كثيرة لا نتردد في فتحها أبدا.

يتبع الجزء الرابع والأخير عن الجامعة، ذلك القفص الكبير.

http://gibraltarblues.blogspot.com

مجموع المشاهدات: 1958 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (11 تعليق)

1 | ALAMI
LA 3ala9a bayna l3 WAN WA LMAWDO3 BGHINA NES DO SA3A WALOOOOOOOOOOOOOOOOOO
مقبول مرفوض
0
2011/11/27 - 04:34
2 | وفي المستوى المطلوب
احسنتم بارك الله فيكم
مقبول مرفوض
0
2011/11/27 - 03:21
3 | مغربية
اتقوا الله يا ناكري الجميل لولى المدرس ما تمكنت من المشاركة و الكتابة في هذا الموقع سبحان الله ديروا نيت الكميرات في الاقسام تشوفو تربيتكم الناقصة تولدوهوم وطلقوهوم على الناس
مقبول مرفوض
0
2011/11/28 - 03:41
4 | محمد
شبعتي خبز مزال خصك تتكلم غير على القراية قال أفلاطون ان الانسان لا يفكر في شيء قبل ان يملء معدته. أما فولتير فقال يجب ان نعلم البرجوازي الجميل أما اذا علمنا العمال والفلاحين اذ ذاك سيضيع العلم. وقيلة عندهم الحق ههههههههههههههههههه
مقبول مرفوض
0
2011/11/28 - 04:59
5 | مخشان
إن وصف ظاهرة تقاعس بعض رجال التعليم ونسائه عن أداء مهامهم من الأمور اليسيرة، فكل واحد مر من المدرسة إلا وله ألف حكاية في هذا السياق، وسردها قد يكون به بعض العجائبية لكنه لا يفيد في شيئ، فالكل يعلم أن الصعوبة تكمن في تشريح الظاهرة والوقوف على الأسباب الفعلية لتفاحشها. كما أن تعداد السلبيات وحداها كفيل بإعطاء تصور مغلوط عن واقع التعليم ورجاله. إنني كمفتش سابق رأيت حالات يستحق أصحابها الطرد الفوري من التعليم ورأيت أيضا من هؤلاء من يستحق أن يوضع في مصاف أولياء الله، كحالة ذلك الأستاذ التطواني الذي قطع إجازته المرضية بعد عملية جراحية خطيرة على معدته خوفا على تلامذته من الرسوب في مادته، فما كان مني إلا أن أخرجته بالقوة من الفصل وبحثت مع الإدارة بحل بديل في انتظار شفائه.
مقبول مرفوض
0
2011/12/03 - 05:18
6 | معلم من جبال الاطلس
هذه دعوة لك يا صديقي لتقضية أسبوع واحد بين أحضان جبال الأطلس الكبير و التدريس بفصل دراسي أشبه بكنيسة أثرية من أيام سيدنا عيسى و تلاميذ أشبه بالعجائز من كثر العمل الذي يمارسونه خارج الفصل حتى حفر الزمن على وجوههم البريئة أخاديد وأخاديد وكل ما نناله من الوزارة و من بعض الكتاب كسيادتكم هوالتشدق بعبارة الضمير المهني و علبة طباشير قبل الصعود في الشاحنة و التي ندعو الله كل مرة بأن لا تهوي بنا في واد سحيق أرى أنه من الافضل أن تشرب قهوتك و تدخن سيجارتك في برجك العالي و تدع نساء و رجال التعليم و شأنهم ولن تعدم من تجعله ضحكة كالشرطة مثلا أوالدرك أو الأطباء و لا عاجبك حال الطرق و الجريمة المتزايدة و المرضى اللي كيموتوفالسبيطارات و لكن حتى هذي التهمة جاهزة سوف تقول العيب على المعلمين الي قراوهم بحال الي داير ظروف التعليم ديال ميريكان سير كون تحشم شوي
مقبول مرفوض
0
2011/12/03 - 12:17
7 | معلم من جبال الاطلس
ثم بيني و بينك اش جابك لشي تعليم تتحدث و كأنك جون بيجي جاء من العالم الاخر ليشخص حال التعليم بالمغرب و أخيرا كل نقد بناء يحتاج صاحبه لتقديم حلول راه الطبيب ماكيكول للمريض عندك السرطان الله يعاونك كنعتاقد كيعطيه الدوا يالله ا سيدي أدلو بدلوك و أعطنا الحل نغيرو جميع الأساتذة و المعلمين , لن يتغير شيء , الذي يجب أن يتغير هو العقليات بحالك و تقديم برنامج إصلاحي أساسه تأهيل الموارد البشرية و فضاءات التعلم أما الهضرة الخاوية ماعندنا مانديرو بيها
مقبول مرفوض
0
2011/12/03 - 12:28
8 | معلم من جبال الاطلس
غير أنتا الي مغربي فهذا لبلاد كالك الكاميرات و هذا ولا حبس ماشي قسم من خلال كلامك أنت لا تعرف عن التعليم إلا مايعرف خشيشن عنه  ( السيد كان فالسمعي البصري جابوه للتعليم  ) راه ماشي أي حاجة داروها فميريكان خصنا نسقطوها على بلادنا ايو ايلا درتي دوك الكميرات فالاقسام ديرها فديور أباء و أولياء التلاميذ نشوفو واش كيهتمو لقراية ولادهم راه المنزل يجب أن يتتم عمل المدرسة و حنا ماكنديروش baby setting  
مقبول مرفوض
0
2011/12/03 - 02:56
9 | inchyatn
لا أرغب بتاتا على الرد على مثل هذه الترهات’ فلن نتقدم بمثلها أبدا’ انما أريد أن أكتب جملة بسيطة’ أستنبطتها وأنا أقرأ هذه الترهات’ الأستاذ والمعلم ابن بيئته’ وكذلك صاحب المقال ههههههههههههه
مقبول مرفوض
0
2011/12/03 - 04:07
10 | ostad
nta darha bik chiostad chi mara
مقبول مرفوض
0
2011/12/03 - 05:25
11 | معلم
اسلوبك متوسط في السرد والحكاية, ابتعد عن التحليل فانك لا تجيده. الظاهرة ابعد من ان تختزل في هذه الاتهامات يا........
مقبول مرفوض
0
2011/12/04 - 04:23
المجموع: 11 | عرض: 1 - 11

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة