الرئيسية | ثقافة وفنون | أحمد الريسوني يكتب: نعم أنا مع الحريات الفردية..

أحمد الريسوني يكتب: نعم أنا مع الحريات الفردية..

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
أحمد الريسوني يكتب: نعم أنا مع الحريات الفردية..
 

نعم أنا مع الحريات الفردية، ممارسةً ومناصرة.. فما لا يحصى من الحريات الفردية أمارسها وأناصرها.. ولـمَ لا وهي فطرةُ الله التي فطر الناسَ عليها؛ لقد فطرنا الله تعالى محبين للملذات، ميالين إلى الشهوات، حريصين على الممتلكات، متطلعين لفعل الخيرات والإحسان إلى المخلوقات. ونحن أيضا مفطورون على حرية التفكير والتعبير، والتحسين والتقبيح، والتأييد والاعتراض.. {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا} [الإسراء: 84].

وبفطرتنا أيضا نرغب في أن نرى ونسمع كل أشكال الإبداع والجمال، وأن نستمتع بالسياحة والتجوال، وأن نمارس ما يناسبنا من الأنشطة والأعمال، ومن المخالطة والاتصال، أو الابتعاد والانعزال، كل حسب أحواله وظروفه، وذوقه ومزاجه.. وللناس فيما يعشقون مذاهبُ.

فمن خلال هذه النزعات، وفي كل هذه المجالات، تنبثق وتتفرع الحقوق والحريات الفردية بأوسع معانيها وتجلياتها.. فتجد الناس يأكلون ويشربون وقتما يحبون وحسب ما يشتهون. وهم يتناكحون ويتعاشرون في حياتهم الزوجية كما يتوافقون. ويختارون الحرفة والعمل الذي يريدون ويستطيعون. ويغيرون ذلك إذا بدا لهم. ومن حقهم وحريتهم أن يستقروا ويتنقلوا في المناطق والبلدان.. إلى نحو هذا مما لا يحصى من التصرفات والاختيارات.. جميع الحريات لها حدود وضوابط الحريات والحقوق الفردية لجميع الناس لا بد أن تتزاحم وتتعارض، فيدافع كل واحد عن حقه وحريته، وأحقيته وأولويته، فيقع بذلك التنازعُ والتصارع.

ثم بعض النزعات والشهوات تغري وتجر إلى الإفراط والتعدي. فلهذا وذاك، كان لا بد أن تخضع جميع الحريات والممارسات الفردية للقدر الضروري من الضبط والتقييد والترشيد، تماما كما في استعمالنا للسيارات ونحوها من المراكب والآليات.

فصاحب السيارة يمتلكها بلا منازع، وقد اشتراها بماله وكده، ومع ذلك ليس له مطلق الحرية في استعمالها والتحرك بها. ذلك أن استعمالها بلا حدود ولا قيود يحمل مخاطر شتى على مستعملها نفسه، وعلى غيره من الناس، أفرادا ومجتمعا، في أرواحهم وأبدانهم وأموالهم وطمأنينتهم وحرية تحركهم. وها نحن نجد جميع ركاب السيارات والطائرات عبر العالم، قد أصبحوا مجبرين على استعمال الحزام، مع أن عدم استعماله لا يضر بالآخرين أبدا.

أعداء الحريات الفردية..

الحريات بصفة عامة، والحريات الفردية بصفة خاصة، لها خصوم وأعداء. وهم على صنفين مختلفين:

الصنف الأول: هم الذين يشوهونها ويُــتَـفهونها ويسيئون استخدامها. ومن ذلك أنهم حصروا مسمى “الحريات الفردية” في بعض الممارسات الشاذة والأفعال الساقطة؛ كالزنا والشذوذ الجنسي والخيانة الزوجية. بمعنى أن حرياتهم الفردية، وحملاتهم المسعورة لأجلها، تنحصر في محرمات الفرج والدبر.. وبعضهم – حين يتوسعون – يضيفون إليها السكر العلني، والإفطار الاستعراضي في نهار رمضان. ومع ذلك فإن همهم الأكبر وهاجسهم الأول يبقى هو محرمات الفرج والدبر، مع أن الجنس والحريات الجنسية أوسع وأمتع، وأرقى وأسمى، من هذا التحجير والتحقير. ولكن للأسف هكذا لقنوهم، وهكذا علموهم أن يقولوا ويهتفوا.. ولقد رأينا مؤخرا بعض النسوة الخاسرات يرفعن لافتات تُصرح بأنهن يمارسن الجنس الحرام ويرتكبن الإجهاض الحرام. هكذا لقنوهن.. مع أن الظاهر من سوء حالهن أنهن لن يجدن إلى الجنس سبيلا، لا حلاله ولا حرامه.. لقد عميت بصائر هؤلاء عن طرق “الجنس المقدس”، وجُن جنونهم وعلا صراخهم فقط لأجل “الجنس المدنس”.

الجنس المقدس: حرية حقيقية مسؤولة، ومتعة وسعادة، وأمن واستقرار، وحب ووفاء، وسكينة ومودة، وتعاون وتكامل، وصحة وسلامة وعافية، وإنجاب وتربية، وبناء وتنمية، وأرحام تتراحم، وروابط عائلية تتألف وتتآلف. وفوق هذا كله: رضى الله وجزاؤه.

وأما الجنس المدنس، فهو متعة مختلسة، وعشرة مريبة، ومودة كاذبة، وتربصٌ ومخادعة، وأمراض متنقلة، ونهاية – في أغلب الأحيان – مأساوية: إما قتل، أو انتحار، أو مرض فتاك.. وفوق هذا كله: سخط الله وعقابه {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان: 70]. وهكذا يقال في سائر الحريات الحقيقية البناءة المنضبطة، وهي لا تعد ولا تحصى، مع نقائضها من بعض الممارسات المحرمة الهدامة.

وهذه الممارسات اللامسؤولة إنما هي في عمقها تعبير عن فقدان القدرة على الممارسة المنضبطة للحرية الحقيقية. وإلا فأي حرية تبقى لمن يقوده مزاجه ويتحكم فيه هواه، ويتبع كل مروج ومهيج، من تجار الجنس والموبقات.

أما الصنف الثاني من أعداء الحريات الفردية، فهم الذين يمنعونها بغير وجه حق.. فهناك دول تمنع الناس من التعبير عن أفكارهم ومواقفهم.. وكم في السجون ممن سجنوا لأجل مقال أو تغريدة أو جملة.. وفي المغرب وصل المنع والتضييق إلى الأطفال؛ فمُنعوا من حقهم في التخييم والاستجمام في العطلة الصيفية. ووصل الأمر بكثير من الدول الغربية والعربية إلى حد منع الناس ومعاقبتهم على آرائهم حتى في قضايا ووقائع تاريخية.. وكثير من الدول الغربية تعاقب من يدْعون إلى مقاطعة الاحتلال وبضائعه، وتعتبر ذلك معاداة للسامية، كما يفعلون مع حركة BDS، مع أن المقاطعة وعدمها تبقى حرية شخصية.

ومن الحريات الفردية التي تمنعها وتحاربها دول كثيرة عبر العالم: حرية المرأة في لباسها الساتر، سواء كان حجابا أو نقابا أو لباسَ سباحة. وكل هذه الحقوق والحريات المهدورة لا يعرفها ولا يعترف بها مجانين الإباحية الجنسية، لكونها حقوقا في القمة، وهم يعيشون في القاع..

مجموع المشاهدات: 14638 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (30 تعليق)

1 | Najar
Bravo dieu te protege
مقبول مرفوض
2
2019/10/20 - 09:58
2 | Najat
Bravo dieu te protege
مقبول مرفوض
1
2019/10/20 - 09:59
3 | Yoyo
Sans commentaire
Sans commentaire
مقبول مرفوض
1
2019/10/20 - 10:04
4 | Badron
Maroc
إذا أردت الحرية الفرذية و ممارسة الجنس على بناتك فادهب للجحيم مكانك ليس هنا
مقبول مرفوض
5
2019/10/20 - 10:16
5 | صفية
أخلاقنا سامية بالشرع
نعم نحن كمسلمين أخلاقنا مقننة و مضبوظة بالشرع نحن أحرار و لكن فيما يرضي ربنا لأن الغاية من الخلق هو عبادة الله و اتباع أوامره و إجتناب نواهيه قال تعالى :(و ما خلقت الإنس والجن إلا ليعبدون)
مقبول مرفوض
0
2019/10/20 - 10:33
6 | الكلام الطيب
نعم القول جزاك الله عنا أحسن الجزاء
نعم القول جزاك الله عنا أحسن الجزاء
مقبول مرفوض
1
2019/10/20 - 10:51
7 | Papa40 ا
ها واحد اخر باع الماتش متل الفيزازي
مقبول مرفوض
-1
2019/10/20 - 10:57
8 |
شكون أنت بعدا
"ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير .يامرون بالمعروف وينهون عن المنكر اولئك هم المفلحون." صدق الله العظيم. الطامة الكبرى هي أن دعاة اليوم يميلون مع التيار غاظ مع الرابحة...إلى كنتي أيها الشيخ كترضى الحرية الجسدية لبناتك أو مراتك ،أنت حر.لكن خلي عليك النصيحة بإسم الدين فالله ورسوله بعيدون عن ما تدعو له...قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.لاخير في أمة لايتناصحون. والدين نصيحة
مقبول مرفوض
-1
2019/10/20 - 11:02
9 |
شكون أنت بعدا
"ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير .يامرون بالمعروف وينهون عن المنكر اولئك هم المفلحون." صدق الله العظيم. الطامة الكبرى هي أن دعاة اليوم يميلون مع التيار غاظ مع الرابحة...إلى كنتي أيها الشيخ كترضى الحرية الجسدية لبناتك أو مراتك ،أنت حر.لكن خلي عليك النصيحة بإسم الدين فالله ورسوله بعيدون عن ما تدعو له...قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.لاخير في أمة لايتناصحون. والدين نصيحة
مقبول مرفوض
0
2019/10/20 - 11:04
10 | احمد
الحق يعلو و لا يعلى عليه
مقال اكاديمي راءع تحليل و تصنيف و تمييز بين الحق و الباطل
مقبول مرفوض
1
2019/10/20 - 11:40
11 | رد
هل تعني الحرية الفردية التحلل من قوانين المجتمع يا دكتور؟؟؟؟ اعتقد انه يدافع عن هاجر و لو كانت غيرها من قامت بالاجهاض و تم إعتقالها لما تورع الرجل في إعطاء دروس الايمان وضرورة تحصين المجتمع.
مقبول مرفوض
-1
2019/10/20 - 12:06
12 |
هو مدافع عن ابنة أخيه لا عن شرع الله.
مقبول مرفوض
-1
2019/10/20 - 12:09
13 | المعتز بدينه
الجهل لادين له
A silot badron قرا افهم بعدا عاد حل فمك راه السيد ضد ديكشي للي على بالك
مقبول مرفوض
1
2019/10/20 - 12:15
14 | عبد الهالي
شكرا
قلت ولم تقل شيئا :حرية فردية لا حرية فردية لابد من وضع حدود ثم لماذا ركزت علي الجنس والدبر يبدوا انكم تتلددون بمثل هذه المصطلحات
مقبول مرفوض
-1
2019/10/20 - 01:05
15 | Said
Mahoutisaid69gmail.com
قال بن رشد العقل محدود بحدود الشرع
مقبول مرفوض
1
2019/10/20 - 01:19
16 | عادل
احسنت
مقبول مرفوض
1
2019/10/20 - 01:23
17 | حسن
منافق
ان الأعراب أشد كفرا و نفاقا
مقبول مرفوض
-1
2019/10/20 - 01:37
18 | Miloutou
تصحيح
الى badron مالك اصاحبي ما فهمت وا لو من المقال ...
مقبول مرفوض
1
2019/10/20 - 02:01
19 | عبد الجبار
شفيت غليلي
أحسن رد سمعته على هؤلاء المأجورين الذين يريدون الفساد و الضياع لهذا البلد .... جزاك الله خيرا...
مقبول مرفوض
1
2019/10/20 - 03:12
20 | التعليق رقم 5
لصاحب التعليق رقم 5
خويا راكزقريتي فقط العنوان وعلقتي
مقبول مرفوض
1
2019/10/20 - 03:15
21 | احمد
عنوان ليس في محله
إلى التعليق رقم 5 يجب أن تقرأ المقال كله وبعد دلك يمكنك أن تحكم العنوان لا يترجم ما جاء في المقال من أفكار و أقوال للشيخ
مقبول مرفوض
1
2019/10/20 - 03:37
22 | فقير الى الله
عبد لله
نعم الإنسان حر بالنسبة للناس لكن هو ليس حر بالنسبة لله فهو عبد لله يجب ان يطيع أوامره ويجتنب نواهيه لذلك خلقه وسيحاسبه على أفعاله
مقبول مرفوض
1
2019/10/20 - 04:10
23 | samr
bravo
أحسنت النشر و الله مقال في الصميم. نسأل الله الستر و المغفرة.
مقبول مرفوض
1
2019/10/20 - 04:10
24 | samr
bravo
مقال في الصميم و الله.
مقبول مرفوض
1
2019/10/20 - 04:10
25 | عبد العزيز
لا للنفاق
سيدي العالم الجليل الذي زاد علمه وقل مثيله ونجحت تجارته بالدين فاصبح حديث الأولين والآخرين ومقصد جميع المريدن ياتمرون بأمره ويحفظون سره ويسيرون في ركبه إنهم جماعة الإخوان المفلسين الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا فابتعدوا عن السنة والقرءان الكريم... انما المومنون اخوة... ولا تكونوا من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديم فرحون.. صدق الله العظيم
مقبول مرفوض
-1
2019/10/20 - 05:10
26 | النوري عبد اللطيف
الريسوني من الخوارج والخوارج لا دين لهم ومن الحريات الفردية أن تسكن عمارة سكنية وتستمع الموسيقى بصوت مرتفع حلل ونقاش.
مقبول مرفوض
-1
2019/10/20 - 06:02
27 | مواطن
متتبع
شكراََ للدكتور الريسوني......مقال لا يستنبطونه إلّا الراسخون في العلم..........بعض المعلقين فهموا فقط "ويلُُ للمُصلّين"...ولم يقرأوا الآية إلى آخرها......
مقبول مرفوض
0
2019/10/20 - 08:26
28 | Youness
Salam cet homme ne dit que la verité et la tolérance c est important en islame svp ne l insulter pas meme si qlq un voit qe c contre son avis il suffit qu il ns a rappeler plusieurs versés qu on oublié en majorité et en plus notre Roi à équité sa fille svp soyer tolérent???
مقبول مرفوض
0
2019/10/21 - 02:40
29 | الفقير لله
الزلط
الى عباس الحمد لله على نعمة الزلط كما تسميه .الى زلط غيمنعنا فعل الفاحشة فمرحبا به
مقبول مرفوض
0
2019/10/21 - 01:10
30 | عبد الله
الحرية لا يكون لها معنى الا اذا قيدت بضوابط الشرع
لا تؤذي الآخرين وأنت حر فيما د ون ذلك. ولكنك ستحاسب امام الخلق بالقوانين الوضعية وأمام الله بالشرع الذي أنزل على رسله. فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره. هذا ما فهمته من كلام الشيخ جازاه الله خيرا
مقبول مرفوض
0
2019/10/26 - 05:48
المجموع: 30 | عرض: 1 - 30

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة