أخبارنا المغربية - وكالات
تثير التطورات المتسارعة في مجال الذكاء الاصطناعي نقاشاً واسعاً حول أثرها النفسي والاجتماعي، خاصة مع تزايد الحديث عن ما بات يُعرف بـ«ذهان الذكاء الاصطناعي»، وهي حالات يرتبط فيها بعض المستخدمين عاطفياً بالنماذج اللغوية إلى حد فقدان التوازن مع الواقع. ومع تصاعد مظاهر العزلة والوحدة عالمياً، يطرح هذا الواقع سؤالاً جوهرياً حول ما إذا كانت هذه التقنيات تمثل دعماً نفسياً مشروعاً أم خطراً مستتراً.
وتشير تقارير صحفية حديثة إلى أن العلاقة بين الإنسان وروبوتات الدردشة تجاوزت كونها أداة مساعدة، لتتحول لدى بعض الفئات إلى ما يشبه علاقة شبه اجتماعية. وتكشف بيانات إعلامية أن نحو ثلث الشباب يجدون في الحديث مع «الرفيق الآلي» إشباعاً عاطفياً أكبر من التواصل مع أصدقاء حقيقيين، وهو ما دفع مختصين للتحذير من احتمالات الانفصال التدريجي عن الواقع الاجتماعي.
وفي المقابل، يدعو بعض العلماء إلى عدم التسرع في إطلاق الأحكام، معتبرين أن البشر اعتادوا تاريخياً إقامة علاقات عاطفية مع كيانات غير بشرية، مثل الحيوانات الأليفة أو حتى الأشياء الجامدة. غير أن الفارق الأساسي اليوم، بحسب باحثين، يتمثل في قدرة الذكاء الاصطناعي على استخدام اللغة بشكل ذكي، يعكس آراء المستخدم ويعزز قناعاته دون مساءلة، ما قد يخلق وهماً بوجود مشاعر ونوايا حقيقية لدى الآلة.
وتبرز هذه الظاهرة في سياق عالمي تعاني فيه أعداد متزايدة من الأشخاص من وحدة مزمنة، توصف طبياً بأنها عامل خطر لا يقل عن التدخين أو السمنة. وفي ظل محدودية الوصول إلى الدعم النفسي التقليدي، يرى بعض الخبراء أن روبوتات الدردشة قد تمثل متنفساً مؤقتاً، إذ أظهرت دراسات أولية انخفاض أعراض القلق لدى بعض المستخدمين بعد التفاعل معها.
غير أن القلق يتعاظم مع دخول البعد التجاري على الخط، حيث تُدار هذه «العلاقات الرقمية» من قبل شركات ربحية قد تجد مصلحة في تعزيز الارتباط العاطفي لضمان الاشتراكات المدفوعة. ويحذر مختصون من أن غياب الضوابط قد يحول الصديق الرقمي إلى وسيلة إدمان، يصبح فيها الدعم النفسي مشروطاً بالقدرة على الدفع.
وفي ضوء هذه المعطيات، يؤكد باحثون أن التحدي الحقيقي لا يكمن في وجود الذكاء الاصطناعي بحد ذاته، بل في كيفية توظيفه. فبدلاً من أن يكون بديلاً دائماً عن العلاقات الإنسانية، ينبغي أن يُستخدم كجسر مؤقت يعيد الأفراد إلى محيطهم الاجتماعي، ويخفف عنهم الألم دون أن يعمّق عزلتهم، في معادلة دقيقة بين الفائدة العلاجية والمخاطر النفسية.
