الشخصية السياسية و العباءة الإسلامية
أحسين فاطمة
شغل موضوع السياسة والدين والعلاقة بينهما العديد من المفكرين والمثقفين، ومع هبوب رياح الربيع المغاربي العربي وتزعم أحزاب ذات مرجعيات إسلامية نتائج الانتخابات في تونس، المغرب، مصر، أعيد هذا النقاش إلى الساحة السياسية، فإلى أي مدى قد تنجح هذه الأحزاب في بناء دولة ديمقراطية حديثة!
عندما نتحدث عن المرجعية الإسلامية، فالأكيد أننا نقصد بالمرجعية أن تضبط علاقات المجتمع في إطار "الشريعة الإسلامية" كدستور يحتكم إليه الجميع مع احترام باقي الأديان والمعتقدات تحت قاعدة : ما للمسلمين لهم وما على المسلمين عليهم أيضا، حيث تحكم الدولة بالشريعة الإسلامية بخصوص التعاملات بين المجتمع كالتجارة والعلاقات الأسرية و إقامة الحد لمحاربة الظواهر السلبية للمجتمع كقطع يد السارق و جلد الزناة وغيرها من الأحكام والشرائع الإسلامية.
ومع كثرة التيارات الإسلامية: السلفية، الجماعة، الإخوان.....حتى الشريعة الإسلامية قد نجدها مختلفة حسب الفصائل مع الحفاظ طبعا على الثوابت الإسلامية، هنا تصبح السياسة لها علاقة وطيدة بالدين بحيث كل فصيل سيقدم منهاج الشريعة التي سيطبقها لتنظيم الشؤون الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع لتكون الكلمة لصناديق الاقتراع.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل فعلا هذه الشعوب صوتت على الإسلام الذي تتخذه هذه الأحزاب كمرجعية لها، أم على الشخصيات السياسية بعباءة إسلامية؟
كمتتبعين لما يحدث في الوسط المغاربي العربي، يمكننا أن نقول أن الشعوب لم تصوت على المرجعية الإسلامية لهذه الأحزاب مادام أن ما ينظم المجتمع هو مجموعة من القوانين المنصوص عليها داخل الدستور المتوافق عليه بين الجميع، وحتى الشعارات التي رددتها الشعوب خلال الثورة لم تنادي بتطبيق الشريعة الإسلامية بقدر ما نادت بـ "الحرية" و "الكرامة"
هنا يمكننا طرح أسئلة أخرى وهي:
*ما نوع الحرية والكرامة التي تنادي بها هذه الشعوب؟
*هل هي حرية ذات مرجعية إسلامية حيث قد يصبح بيع الخمر من الخطوط الحمراء على سبيل المثال أم تلك الحرية المتوافق عليها بين الجميع من خلال القانون ؟
* هل هي الكرامة ذات الإيديولوجية الإسلامية التي قد يعتبرها البعض إن تم إقامة الحد على الزناة برجمهم في الساحة العمومية على سبيل المثال, إهانة وانحطاط في حق الكرامة الإنسانية مادمنا نومن باختلاف الآراء، أم الكرامة المنظمة بالقانون؟
وإذا تمعنا أكثر في ما يدور من حولنا، فإن الأكيد أن هذه الأحزاب تعاملت بشكل ذكي مع الربيع المغاربي العربي و بالتالي تحقيق حلمها الذي راودها عقودا من الزمن والذي هو الوصول إلى مراكز القرار أي السلطة مستغلة عاملين أساسيين:
*التعامل بذكاء مع التضييق الذي مارسته الأنظمة على أنشطتها السياسية وليس الدعوية، وبالتالي كسبت تعاطفا جماهيريا كبيرا المترجم بالصدارة التي حققتها خلال الانتخابات.
*غياب أحزاب قوية ذات خلفيات إيديولوجية مختلفة وترهل أغلبها بعد أن استهلكت الخطابات السياسية وعجزها عن استقطاب الجماهير الشعبية لصناديق الاقتراع, مما نتج عن ذلك ما يسمى بالعزوف السياسي الذي يعتبر ضربة قاضية للعملية الديمقراطية ككل.
كل هذه المعطيات تجعلنا أن نستنتج أن الأحزاب الإسلامية أو ذات المرجعية الإسلامية لم تستعمل هذه المرجعية كنظام أو دستور يحتكم إليه داخل المجتمع، و هذا بحد ذاته يعتبر تناقضا كبيرا بين المرجعية الإسلامية للحزب والممارسة التي لا تحتكم إلى هذه المرجعية حيث يصبح شأنه على أرض الواقع شأن الأحزاب الأخرى، ما دام أن التعاقد بينه و بين المجتمع مبني على الدستور و ليس الشريعة الإسلامية, وأن شعوب المنطقة أعطت مفاتيح الحكم لشخصيات سياسية بعباءة إسلامية، و رهنت مستقبلها بأيديها بعيدا عن الإيديولوجية الإسلامية المرتكزة على الشريعة الإسلامية كدستور.
وإذا كان هذا هو الواقع، فإننا نطرح سؤالا آخر:
كيف سيكون كسب هذا الرهان إذا كانت هذه العباءة لا يعلم ما يختفي بداخلها إلا الخالق؟
هنا ستكون الإجابة بسيطة، حيث لا مفر من التشبث بالقانون كقوة ضاربة عند ظهور ثقوب بهذه العباءة و أن القانون فوق الجميع، لنعد إلى نقطة البداية والتي هي علاقة السياسة بالدين كخلفية إيديولوجية وليس كعبادة، وهل السياسة قادرة على استيعاب الخلفية الإيديولوجية الدينية الإسلامية التي تجعل من الشريعة الإسلامية منهجا ودستورا لها، أم أن الشعوب ستتجه نحو بناء دولة حديثة تكون فيه السياسة عبارة عن قوانين و أسس متوافق عليها بين الجميع لتنظيم شؤون المجتمع كيفما كانت الإيديولوجيات الفكرية والعقائدية.
الأكيد أن الربيع المغاربي العربي لا زال في أوله ومهما اختلفنا في تقييمه، فعلى الأقل فسح المجال لطرح عدة تساؤلات حول مستقبل الشعوب وساهم في تكسير الجمود الفكري الفلسفي الذي يعتبر القلب النابض لرقي الشعوب و ازدهارها.
