الناقد المستهلك
مهدي نقري
لمعت في سماء النقد العربي المعاصر نجوم، شبيهة بنجوم السينما، فما أن تذكر البنيوية، حتى يلوح في الأفق (كمال أبو ديب) وإذا جاء الحديث عن الأسلوبية، فلن نغادر فضاء المدرسة التونسية بأستاذها (عبد السلام المسدي) لتسطع شمس المشرق بعد أن أفلت، ممثلة في (عبد الله الغذامي) حاملا شعاع التشريحية/التفكيكية والنقد الثقافي مؤخرا . الحقيقة التي لا مراء فيها، أن هؤلاء الأعلام هم المؤسسون الأوائل، لكنهم لم يؤسسوا على معطيات عربية موجودة ولم يشيدوا بناء عربيا تراكميا. الناقد العربي تلبسته روح انبهارية بالنقد الغربي، حتى ظن نفسه النبي المبشر. وإذا قرئت الذات العربية، فهي تقرأ بعين غربية وبمقاييس التصاميم الغربية " فها هي الذات تتكشف عن كونها أصلا للآخر، وها هو الآخر ينكشف في النهاية عن أنه امتداد للذات"1 إنها صورة مقلوبة، أو هي الذات في مرآة مقعرة، بعد أن جلت ذاتها في مرآة محدبة باصطلاح (عبد العزيز حمودة ) ومن ثمة يتولد الإبداع بالظن وتتراكم المعرفة العربية بالوهم. فالناقد العربي يتصف بالقفزات المعرفية وكثرة التنقل بين المناهج، وغياب التسلسل، مما ينتج فجوات معرفية، وذلك أن للذات العربية هاجس ملاحقة المناهج كموضة من ناحية، ومن ناحية أخرى تنقل الناقد العربي بين ضفة وضفة دون داع سوى داعي التبعية . وهذا يؤدي إلى ولادة فرضية عدم استيعاب المناهج وتمثلها، فغاب النقد واكتفى بالطرح الشذري/الجزئي، هذا ما أفضى إلى التركيب بالضرورة، إلى ما عرف بالمنهج التكاملي، الذي لم يكن تصالحيا ولا توفيقيا بل تلفيقيا، عمق الفجوة بين ثقافتنا التراثية وخلق شرخا بقفزه عن المرجعيات الغربية في محاضنها. تبدو ثقافة الاستهلاك سمة العربي، سواء أكان الاستهلاك ماديا /تكنولوجيا/معرفيا/فكريا، حتى الإبداع لم يسلم من الطابع الاستهلاكي، وهذا ما يدل على تحجر الفكر النقدي العربي وعزوفه عن الابتكار واستساغته المعطيات الجاهزة التي لم تنشأ نتيجة طرح سؤال بل نتيجة النقل لفكر آخر لم يتعايش مع واقعه وظروفه التاريخية، أنى للناقد العربي أن يبدع وقد استقر إلى المعلبات النقدية الغربية الجاهزة، ومما روج لهذا الاستهلاك الوسائط المتعددة لا سيما الشبكة العنكبوتية التي تبث وتستقطب كل جديد ووافد. يدخل النقد الغربي إلى جامعاتنا معربا، يلهج به باحثونا، دون أن يقوموا بغربلته، وتطويره،" فمن أبرز سمات ذلك الاستقبال هو تبني وجهة نظر الآخر بوصفها وجهة نظر عالمية صحيحة ليس في معرفة الآخر فحسب، وإنما في معرفة الذات أيضا"2 فبدل أن يكون الناقد مثقفا، فإنه يفقد مقومات شخصيته المستقلة، بل ويتماهى مع الآخر، فلم نعد نضيف شيئا جديد للنقد العالمي، بل أصبحت الجامعات العربية سوقا لترويج النظريات الغربية، وملتقياتنا منبرا لقراءة تجاربه
. الإحالات
: 1- سعد البازعي، استقبال الآخر في النقد العربي الحديث، المركز الثقافي العربي (المغرب/لبنان)ط1،2004، ص: 158 2- نفسه، ص: 129.
