تميـــــــــزوا رحمكم الله

أقلام حرة

27/10/2019 06:27:00

عزيز لعويسي

تميـــــــــزوا رحمكم الله

حالنا أضحى كحال الرياضة الوطنية، وعلى رأسها "كرة القدم"، نحصد الخيبات والويلات، مترقبين كالعاشقين، انتصارات تبدو كفلتات في زمن التراجعات، في السياسة والثقافة والعلوم والفنون والقيم والتربية والأخلاق ...، وكلما هل علينا هلال "انتصار" أو "تألق" أو داعبتنا رياح مرسلة للتميز على حين غفلة، نردد لما يفعل فينا "خمر" الفرح والحبور فعلته: "هرمنا .. هرمنا من أجل هذه اللحظة "، فيذوب جليد الرتابة والفتور، الذي يلتف كاللحاف حول عواطفنا الباردة برودة الشتاء، فنعلن ببساطة وانسياب، عن أفراح مشحونة أحيانا، بجرعات من الصخب والهستيريا، ومع ذلك، نحتضنها بلهفة المحبين، ونصر أن نتمسك بها بشراسة، كما يتمسك الغرقى بحبائل النجاة...قبل أن تتبخر أحلام اليقظة وتغادر على صهوة الرحيل، لنبقى وجها لوجه، أمام واقع يبدو كقصيدة رثاء، أبياتها "تفاهة" وقوافيها "سخافة" ..

 

في واقع التراجعات، لا نستغرب أن يرحل عنا "الرقي" و"التميز" كما يرحل النوم عن الجفون، ونستسلم عنوة، لتفاهة تبدو كالجراد الكاسح الذي يأتي على الأخضر واليابس، في واقع تخلت عنه "القيم" وهجرته "الأخلاق"، من الطبيعي أن يحول الساسة "السياسة" إلى معترك فيه كر و فر، وأن تتحول الكراسي والصحون، إلى طيور تحلق أمام العدسات والعيون، على إيقاعات السب والشتم واللكم، بل والعراك بدون حرج أو حياء، كما تتعارك الديكة الهائمة، في محاولة للظفر بالدجاجة العاشقة، أن يسيل اللعاب من أجل المناصب والكراسي واقتناص الفرص وأنصافها، بحثا عن سلم يسمح بالترقي السياسي والاجتماعي، في مشهد سياسي مصاب بالضعف والهوان..

 

من السياسة إلى المجتمع، ومن التربية إلى الإعلام.. فقدنا البوصلة في زمن "إكشواني"، صار حالنا فيه كحال "الدجاج الكروازي"، لا هو "رومي" ولا هو "بلدي"، لا نجد حرجا في إهانة بعضنا البعض، والاختفاء وراء شاشات الحواسيب، للرشق والقدف والتشهير والنقد الهدام والخوض في تفاصيل الحياة الخاصة بدون قيد، وهدر الزمن واستنزاف القدرات، في التلصص على الناس وترقب الهفوات والزلات، والتلدد بنشرها على الغسيل الافتراضي، في بيئة مضطربة، أفرزت "مخلوقات رقمية" أو "كائنات افتراضية"، لا تجيد إلا صناعة اليأس والهدم وممارسة "المراهقة الرقمية" في غياب الضابط القيمي والأخلاقي ..

 

"نعيب زماننا والعيب فينا.. وما لزماننا عيب سوانا" كما قال الشاعر، وليس لنا من خيار، سوى العودة إلى الرشد، والتحلي بروح المواطنة وما تقتضيه من واجبات ومسؤوليات، وأن نحترم بعضنا البعض، ونترك الأشخاص ونتناقش في الأفكار ونتبارى في خدمة الصالح العام وبناء الوطن، بعيدا عن مفردات الأنانية المفرطة والانصياع الأعمى للولاءات والمرجعيات، فلا يمكن المضي قدما نحو الأمام، إلا بالمصالحة مع أنفسنا والاعتراف بما نقترفه في حق بعضنا البعض من معارك خفية ومعلنة، للإساءة لبعضنا البعض، بتصرفاتنا الحمقاء وسلوكاتنا الهدامة، نضع بتهور "العصا فاالرويضة" أمام الوطن، ونحرمه من فرص النهوض والارتقاء، بما يعشش في أنفسنا مع عبث وشجع وتهور وفساد، نعمق هوة اليأس ونبني جسور الإحباط، ونهيء بيئة

 

دافئة للتافهين والعابثين والمتهورين، نقبر فيها "الوطنية"أمام أنظار"الوطن" ..

 

 

ولأننا لسنا من دعاة العدمية، أو ممن ينظرون إلى الجانب الفارغ من الكأس، بالقدر ما ندين التفاهة التي تتربص بنا كالكوابيس المزعجة، بالقدر ما نحن ملزمين، بمد جسور "التميز" وتسليط الأضواء نحو كل الممارسات "المواطنة" و"المسؤولة" التي تجلعنا نتق فيما يزخر به الوطن من طاقات وقدرات، تنسينا ما نعيشه ونعاينه في واقعنا المعيش، من ممارسات شاذة تنتهك حرمات الوطن، ويكفي الإشارة في هذا الصدد –على سبيل المثال لا الحصر- إلى "التميز" الذي أبصم عليه فريق مغربي، مكون من طلبة كلية الطب والصيدلة" بوجدة، فاز بمسابقة عالمية "للمحاكاة الطبية" نظمت قبل أيام، بالعاصمة التشيكية "براغ"، وهذا الفوز الذي تأتى على التوالي، على حساب الفريق الانجليزي في النصف النهائي، والفرنسي في المرحلة النهائية، يجعلنا نفتخر بما يزخر به الوطن من كفاءات في الداخل والخارج .. كفاءات لا تسكنها كراسي ولا تسلق درجات، ويكفيها فخرا، أنها مسكونة بحب الوطن وبناء الوطن في صمت، بعيدا عن الصخب والضوضاء .. فهنيئا لنا بأبطالنا (أطباء الغد)، وهنيئا لكل من "يكتب" أو"يفكر" أو"يبدع" أو"يتنافس" أو"يتألق" أو"يتميز" من أجل الوطن، وهي فرصة لنترك رسالة مفتوحة عنوانها العريض : تميزوا رحمكم الله، من أجل الوطن، أو على الأقل لا تقسو على الوطن"، ولبعض رجال الإعلام نقول: "اتركوا التافهين رجاء، وسخروا الأقلام والميكروفونات وعدسات الكاميرا، نحو فلتات التميز في زمن التراجعات والخيبات ".

مجموع المشاهدات: 348 |  مشاركة في:
        

عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟